الإغاثة والمحافظة على السلامة والحق في الحياة أعظـم فضـائلـها
أحيا العالم قبل أيام مع غرة هذا الشهر اليوم الدولي للحماية المدنية؛ بالتزامن مع ما قامت به في هذه الفترة أعوان هذه المؤسسة من مجهودات راقية لإنقاذ أحياء وإسعاف جرحى وانتشال جثث من تحت أنقاض مبان إثر الزلزال التاريخي المدمر الذي ضرب مناطق من تركيا وسوريا، وخلف أزيد من 50 ألف قتيل، إسهاما منهم في حفظ الأنفس والحق في الحياة، وهي غاية نبيلة ومعروف عظيم رتب عليه الشارع الحكيم أجرا كبيرا في الآخرة، ناهيك عما تقوم به الحماية المدنية على مدار العام لذات الغرض، سواء في إطفاء الحرائق لحماية الناس والممتلكات والمباني والمؤسسات العمومية والخاصة والمنشئات الاقتصادية وتأمينها أو إنقاذهم من حوادث المرور وحوادث الغاز وحوادث الغرق أو غيرها من المخاطر والكوارث، ولذلك حري بالأمة وحق لها أن تعتز بهم وتقدم لهم كل ما يحتاجونه من دعم مادي ومعنوي، فهم حراس على ثغر من ثغورها.
وقد دلت نصوص شرعية كثيرة وأقوال للفقهاء المسلمين على عظم هذا العمل وتميزه، فهو يدخل في فعل الخير الذي قال الله تعالى فيه: ((مَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ))، كما يدخل في التكافلوالتعاون وقد قال الله تعالى: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى))؛ كما أنه يدرج ضمن إعاقة الملهوف، وقد وردت نصوص نبوية مختلفة المراتب تحث عليه وتبين فضله؛ منه ما روي عن أبي ذرٍ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس مِن نفسِ ابنِ آدَمَ إلَّا عليها صدقةٌ في كلِّ يومٍ طلَعَت فيه الشَّمسُ، قيل: يا رسولَ اللهِ ومِن أينَ لنا صدقةٌ نتصدَّقُ بها؟ فقال: إنَّ أبوابَ الخيرِ لكثيرةٌ: التَّسبيحُ والتَّحميدُ والتَّكبيرُ والتَّهليلُ والأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عنِ المنكَرِ وتُميطُ الأذى عن الطَّريقِ وتُسمِعُ الأصَمَّ وتَهدي الأعمى وتدُلُّ المستدِلَّ على حاجتِه وتسعى بشدَّةِ ساقَيْكَ مع اللَّهفانِ المستغيثِ وتحمِلُ بشدَّةِ ذراعَيْكَ مع الضَّعيفِ فهذا كلُّه صدقةٌ منك على نفسِك) (رواه ابن حبان)، وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: (مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على مجلسِ الأنصارِ فقال: إنْ أبَيْتُم إلَّا أنْ تجلِسوا فاهدوا السَّبيلَ ورُدُّوا السَّلامَ وأغيثوا الملهوفَ) (رواه ابن حبان).
ولئن كانت إغاثة الملهوف واجب على مسلم في أي موقف يقدر عليه؛ بغض النظر عن كون المستصرخ مسلما أو غير مسلم؛ فغنها في حق أفراد الحماية المدنية أكثر وجوبا لأنها تعينت في حقهم؛ والأمة أوكلت لهم هذا الأمر، وصرفت لهم من المال العام ما يجعلهم يتفرغون لهذه الوظيفة، لكن أخذ للأجر لا ينفي حصولهم على الثواب العظيم إن هم أخلصوا لله تعالى وعملهم وأتقنوه وتفانوا في بذل أقصى الجهد لنجاح عملهم، لأن دفع الأذى عن الناس وإعادة الفرحة لهم وحفظ حياتهم والتخفيف من معاناتهم يدخل في مقاصد الإسلام الضرورية و الحاجية وفي كل منه ثواب عظيم.
وكل ما يصيب رجل الحماية من أذى حسي أو معنوي وهو يقوم بعمله فسيكون مأجورا إن شاء الله، بل قد يكتب له أجر الشهداء إن هلك مع الذين يريد إنقاذهم في حريق أو زلزال، ففضل الله تعالى واسع يضاعف الأجر لمن يشاء، ويكفيه أجرا أن تدخله في غالب الأحيان يفضي إلى إحياء نفس.
ع/خ
غــــرس الأشجــار حضـــارة وحيـــاة
تعد الأرض ومحيطها البيئي نـــعمة من نعم الله تعالى علينا؛ نعيش عليها ونمشي في مناكبها، ونشرب من مائها، ونأكل من خيرات ما نغرسه فيها، و ما أنعم الله به علينا منها، وقــد وردت نصوص شرعية كثيرة تحث على الاشتغال بالزراعة والغرس وتبين فضلها ومكانتها. منها ما رواه الشيخان أن رســـول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يزرع مسلم زرعا أو غرسا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)،وفي حديث(ما من رجل يغرس غرسا إلا كتب الله له من الأجر قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغرس). وفي حديث (إن قـامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لايقوم حتى يغرسها فليفعل) وعليــه فنحن مطالبــون بضرورة المحافظة على الأرض وزراعتها.
لأنّ الاهتمام بالزراعة مظهر حضاري يدل على فهم المجتمع لسنة الله في خلقه، ومدى صعوده في سلم الحضارة الإنسانية، ولقد رأينا المسلمين في عهودهم الزاهرة يعتنون بالشجر حتى غير المثمر، فيكفي ظله في أيام الصيف، وما يقع عليه من طيور تسبح الله تعالى، وتدعو لمن وفر لها الظل الظليل.فلا شك أن الصدقة بغرس الشجر من جملة أعمال الخير التي تكفر الخطايا وتغفر الذنوب.
وغرس الشجر الذي ينتفع بثمرته أو ظله فيه خير كثير وأجر عظيم، وربما كان ذلك صدقة جارية يلحق ثوابها صاحبها بعد موته؛ قالابن حجر شارحا حديث البخاري السابق: (َمُقْتَضَاهُ أَنَّ أَجْرَ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ مَا دَامَ الْغَرْسُ أَوِ الزَّرْعُ مَأْكُولًا مِنْهُ، وَلَوْ مَاتَ زَارِعُهُ أَوْ غَارِسُهُ، وَلَوِ انْتَقَلَ مِلْكُهُ إِلَى غَيْرِهِ)؛ فعلم مما ذكر أنه يرجى للمسلم الخير إذا تصدق بغرس شجرة.فالغرس من أعظم الأعمال الصالحة التي تنفع المسلم حالا ومآلا وهي حياة له في حياته وحياة له بعد مماته، ومن الأرض التي نحن مستخلفون فيها، ومطالبون بأن نعمرها بالخير ونحييها بكل ما هو إيجابي، حتى نبني لنا حضارة ملؤها الحياة الطيبة.
ومن ميزة الإنســان المتمدن أنه نفعي،ولذا يغــرس؛ لأن الله أمره أن يغــرس ولأن عباد الله تعالى ينتفعون بغرسه،وليعبر عن حضارة أمته وشعبه،ويغرس لأن الخضرة مظهر من مظاهر الحياة،ولينفع الأجيال القادمة، ومن هنا قال آباؤنا: غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلــون، وبهذا تستمر الحيــاة على وجــه الأرض.
بـعض خـلاصات الملتـقى الدولـي حول السلوك الحضــاري
سجلت جملة انطباعات قيمة وخلاصات من حضوري في الملتقى الدولي حول السلوك الحضاري، منها:
1/.إن السلوك الإنساني مهما كان هو سلوك هادف، يسعى إلى إرضاء بعض الحاجات، ولكن ليس كل سلوك إنساني هو سلوك عاقل، يعني مما طلبه وأريد إليه العقل، والعقل إنما يريد صاحبه لموافقة قيمة من القيم الحضارية.
2/ يرى مالك بن نبي أن كل الحضارات الانسانية منشأها الدين، فالقيم الحضارية قيم دينية، فلا يتصور أخلاق بدون دين،
3/الأخلاق التي بشر بها القرآن تظهر في معاملة الأنصار للمهاجرين ذلك التضامن العجيب الغريب الذي لم يكن له مثيل في أي ديانة أخرى، وأكثر منه تعبيرا موقف الني عليه افضل الصلاة وازكى السلام عندما مرت أمامه جنازة فقام احتراما للمتوفي فلما قيل له كيف نقوم لجنازة هذا المتوفي وهو يهودي؛ فأجاب رسول الله عليه افضل الصلاة وازكى السلام ذلك السائل المتعجب: ‘أليست نفس إنسان».
4/ كتب الأمير عبد القادر الى الأسقف «ابعثوا براهب إلى معسكري فلن يحتاج إلى شيء سأحرص على تشريفه واحترامه... ويصلي كل يوم مع الأسرى ويرفع معنوياتهم وسيراسل أهاليهم....لكن عاملوا الآخرين كما ترغبون أن تعاملوا
4/ المؤمن عندما يكون قويا إيمانيا يكون قويا حضاريا
5/ أن مرتبة الإحسان هي السلوك الحضاري
6/ أن حاضنات السلوك الحضاري كثيرة منها؛ الجامع والجامعة والزاوية والمدرسة والأسرة والمجتمع والاعلام...
7/أول أستاذ علمنا الحضارة هوسيدنا سليمان «عليه الصلاة والسلام»وأول أستاذ علمنا السلوك الحضاري هو سيدنا محمد «عليه أفضل الصلاة وازكى السلام».
8/ السلام الحضاري يتجدد ويتغير بتغير الزمكان، لأن الشعوب تتقهقر وعندما تفشل في التغيير نحو الأحسن أوالأفضل يرسل الله عزوجل من يجدد لها سلوكها الحضاري.
مـشروع وقف النخيـل الخـيري يحقق الاستدامة المــالية للأيتام
يعد مشروع وقف النخيل الخيري الذي تشرف عليه الجمعية الخيرية ‹إيثار لرعاية الأيتام› بوادي سوف من المشاريع الوقفية الناشئة التي حققت مفارقة عجيبة جدا، حيث كان المشروع بداية عن فكرة ومشروع مستقبلي؛ حتى وجدت الجمعية نفسها أمام إقبال منقطع النظير من الواقفين من أهل الخير والبر والاحسان في شراء ووقف النخيل، حيث حقق المشروع إلى حد الأن7000 نخلة وقفية ويستهدف الوصول إلى 35000 نخلة وقفية لأيتام تتكفل بهم الجمعية، وهذا الامر يساهم في تحقيق العديد من المنافع، منها:
1.(منفعة اقتصادية): حيث يساهم هذا الوقف الخيري في العملية الاستثمارية الفلاحية حيث ستكون نتائج العملية الاستمارية (المنتوج التمري) دور في الناتج الداخلي الخام PIB ويحقق بذلك مؤشرات إيجابية على الاقتصاد الوطني، والتنمية المحلية، وقد يتجاوز ذلك إلى للناتج الوطني الخام PNB عند تصديرها لدول الخارج وتعلمون أن التمر من المنتوجات النادرة في العديد من دول العالم وخاصة أن التمور الجزائرية التي تمتاز بالجودة والمصنفة كأحسن نوعية التمور في العالم ، وبالتالي سيكون لها مردود اقتصادية كبير على ميزان المدفوعات ،وترقية الصادرات خارج المحروقات وستساهم في دخول العملة الصعبة للخزينة العمومية، ناهيك عن فرص العمل التي يمكن أن يوفرها هذا المشروع لأبناء المنطقة من الشباب في ولاية وادي سوف.
2. (منفعة مجتمعية): تعتبر المشاريع الوقفية أحد اهم المشاريع المساهمة في التنمية الاجتماعية خاصة للجهات الموقوفة عليهم، ويعتبر هذا المشروع خصوصا من مشاريع الاستراتيجية في العمل الخيري، حيث تجد أن أغلب مؤسسات العمل الخيري في الجزائر اصبحت تعاني من النمطية في عملها الخيري،حيث تتوسط العملية الخيرية بين أصحاب الفائض (أهل الإحسان من المتبرعين) لأصحاب العجز(العاجزين ، أو الجهات الموقفة عليهم) وهذا عمل محمود، لكن؛ يجب اليوم التفكير خارج التوسط بطريقة تقليدية وفقط التفكير اليوم في التوسط بين أهل الخير والعاجزين بالتمكين الاقتصادي من خلال تمكينهم بمشاريع اقتصادية ذات جدوى، ومشروع وقف النخيل لفئة الأيتام يدخل ضمن هذا الإطار ، بتمكين الأيتام والارامل مشاريع في بدايتها ريعية على أن يتمكنوا فيما بعد ليصبحوا قادرين على أن يسهموا في إعداد مشاريع خاصة بهم، وفي المستقبل واقفين لأيتام قادمين أو عاجزين، ومن جهة اخرى هذه المشاريع تساهم في المحافظة على استقرار الجبهة الاجتماعية من الأيتام والأرامل من التسول والعمل ضمن شبكات الفساد الاخلاقي والإجرام المتعدد التي تستغلهم لضعفهم المادي وواقعنا يشهد ذلك مؤخرا ومن خلال تجارب حية شاهدنها.
3.(منفعة مالية): أهم المؤشرات اليوم التي تقيس بها الدول موازنتها والمؤسسات تقيس بها ميزانيتها هو مؤشر الاستدامة المالية والذي يعني ببساطة استدامة الإيرادات المحصلة لتغطية النفقات الموجودة او القائمة وهذا على المستوى الكلي أو الجزئي وهذا المشروع يضمن على المستوى الجزئي للعائلات استدامة مالية لمدة زمنية كبيرة حيث أن عمر النخلة في الحياة الزراعية معروف أنه يطول كثيرا يصل إلى 300 سنة، وبهذا سيحقق لعائلات اليتامى استدامة مالية معتبرة تساهم لهم في تغطية معيشية لحياتهم من رعايتهم الاجتماعية وضمان دراستهم وتكوينهم حتى يصبحوا مؤهلين للحياة العامة بعد مضي السنين، وبهذا ستمكنهم من كافة مناحي المعيشة مدة عجزهم وعدم تمكنهم إلى غاية وصول مرحلة الاعتماد على النفس وتمكنهم الذاتي.