يحتفل المسلمون غدا بعيد الأضحى المبارك أداء لشعيرة تعبدية من شعائر الإسلام في مناسبة سنوية تقربا إلى الله تعالى وشكرا على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وتعظيما له، وتعظيما لحرمة النفس التي حرمها وسيرا على ملة إبراهيم الخليل وتطبيقا لسنة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، وتحقيقا لمقاصد شرعية عامة وخاصة، ذات أبعاد تعبدية واجتماعية وغيرها حيث يجددون في يوم العيد صلة الرحمن ويتبادلون الصلح والعفو ويعززون مظاهر التكافل الاجتماعي ويكبرون الله تعالى في هذه الأيام بشكل أكثر.
وقد بدأت سنة الأضحية بقصة إبراهيم الخليل مع ابنه إسماعيل، التي ورد ذكرها في كتاب الله تعالى وكانت خاتمتها ما ورد في قوله تعالى: ((فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107))) [الصافات]، ففي هذه الآيات إشارات دقيقة قد تلخص فلسفة عيد الأضحى وتكشف عن جوهر مقصده، ففي ختامها جاء قوله تعالى ((وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ))، والذي فُدي هنا هو إسماعيل، وهو رمز للبشرية كلها، فقد عانت الإنسانية قديما من ظاهرة تقديم القرابين البشرية للآلهة ! حين طمست الأهواء بصائر البشر وعتم الجهل على نظرات العقول، وطمست التقاليد الفاسدة نور الفطرة وغطت على صورتها العذراء، فاستمرأ الإنسان ذبح قريبه أو فلذة كبده في مذبح الآلهة المزعومة وتقديمه قربانا لها، وهذا ما تفعله الأديان المحرفة حين تستحكم في نفوس البشر وتأسرها حيث تشل فيها كل قدرات التفكير والنقد والعاطفة، ففي ‘الفدية بذبح عظيم’، وقف عملي لهذه العادة السيئة واستعادة لكرامة الإنسان وحرمة جسده الذي لا يمكن أن يكون قربانا لأحد.
لكن مغزى هذه الفدية لا يتوقف عند مجرد وقف عادة تقديم القرابين البشرية في مذبح الآلهة، أو قتل الأبناء مخافة الفقر، أو وأد البنات مخافة العار؛ بل يتعدى ذلك لإضفاء حرمة دائمة على النفس البشرية، هذه النفس التي ينبغي أن لا تنتهك حرمتها بغض النظر عن دينها ولونها وجنسيتها وجنسها وسنها، فقال الله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" [الأنعام: 151]، فحرمتها بهذه النصوص وغيرها ثابتة غير قابلة لإسقاط أو التجاوز، وقبل هذا أخبر الله تعالى أنه كتب حفظها وأوجب حرمتها على بني إسرائيل؛ فقال الله تعالى: " مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ"[ سورة المائدة: 32].ولذلك فإن كل انتهاك لحرمة النفس البشرية يعد جريمة شرعية، وكل محاولة لتبريرها بمبررات دينية من أي دين كان يعد تأويلا غير مقبول وتحريفا للكلم عن مواضعه، وإخراجه عن سياقه، فالنفس البشرية لا تقتل بغير حق، والحق تضبطه نصوص الشريعة وما وافقها مما توافق عليه عقلاء البشر وما قبلته فطرتهم، وما عدا ذلك يعد انتهاكا يعود بالبشرية لعهد القرابين البشرية.
ولعل ما يحدث في غزة من اعتداء صهيوني وسفك للدماء يدخل في هذا الحكم، ويشتد الإثم إن استند الفاعلون لنصوص توراتية وتلموذية تبيح قتل الأطفال والنساء والمدنيين، فكل هذا انحراف وتقوّل وتحريف للكلم عن مواضعه، وتبرير جرائم فظيعة لا يقبل ارتكابها عقل راجح وفطرة سليمة ودين صحيح، ومحاولة إضفاء مشروعية دينية على هذا الفعل لا يعدو كونه توظيفا للدين في أسوأ الجرائم البشرية واستخفافا بالعقول وتدليس على البشرية.
كما أن في أضحية العيد إشعار لمسلم بأهمية النفس البشرية عموما وأهمية النفس البشرية المؤمنة خصوصا؛ فلا يجوز للمسلم قتل أخيه المسلم بل عليه أن يبادر للصلح فور ظهور أي خلاف المؤمنين إخوة، والله تعالى يقول: " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " [النساء (93) ].
ع/خ
صوم يوم عرفة سنة
يسن صوم يوم عرفة عند جمهور الفقهاء لغير الحاج، لما رَوَى أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» أخرجه مسلم، فهو سنة لما فيه من الأجر والثواب والمغفرة.
لجنة الفتوى تجيز لأصحاب الأعذار ترك المبيت في منى والنيابة في رمي الجمرات
أصدرت لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف عشية توجه الحجاج لمنى واستعدادهم للوقوف بعرفة، أجازت بموجبها لأصحاب الأعذار كالمرضى وكبار السن والنساء الحوامل والمرافقين لهم أن يتركوا المبيت بمنى ابتداء ويذهبوا إلى فنادقهم بمكة ويقيموا فيها طيلة أيام التشريق ولا يترتب عليهم هدي، مع وجوب الإنابة في رمي الجمرات، والنيابة عنهم جائزة، أما القادرون من غير أصحاب الأعذار فمن وجد منهم مكانا فإنه يبيت بمنى أيام التشريق، ويتحقق المبيت بالتواجد بمنى معظم الليل، وبعده يجوز له الخروج من منى للمبيت في الفندق، على أن يعود إلى منى لرمي الجمرات في ذلك اليوم قبل الغروب، وقد استندت اللجنة في هذه الفتوى على نصوص من الكتاب والسنة وآراء الفقهاء المسلمين.
وصول أزيد من مليون ونصف المليون حاج
أعلنت المديرية العامة للجوازات السعودية وصول 1.547.295 حاجا خلال موسم الحج لهذا العام عبر جميع منافذ المملكة الجوية والبرية والبحرية، حتى نهاية يوم الاثنين.واستنادا لوسائط إعلامية فقد أوضحت الجوازات أن عدد الحجاج القادمين من خارج المملكة عبر المنافذ الجوية بلغ 1.483.312 حاجا، فيما بلغ عدد القادمين عبر المنافذ البرية 59.273 حاجا، وقدم 4.710 حجاج عبر المنافذ البحرية، وفي انتظار وصول جميع الوافدين سينضم إليهم بعض المواطنين والمقيمين ليؤدي الجميع الحج.
ورغم ارتفاع العدد إلا أن البعض يرى أنه لم يصل بعد إلى مرحلة الذروة، وأرجعوا ذلك لأسباب مختلفة، منها تداعيات كوفيد وارتفاع الأسعار وغيرها من العوامل، وقد بلغ عدد الحجاج ذروته في موسم حج1433ه/ 2012م حين وصل 03 ملايين و200 ألف حاج.
خطيب المسجد الأقصى يدعو المسلمين للاكتفاء بالشعائر الدينية في عيد الأضحى
دعا خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري للاكتفاء بالشعائر الدينية في عيد الأضحى نظرا للإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة.
واستنادا لوسائط إعلامية، وفي تصريحات صحفية وجه عكرمة صبري كلمة للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك، قال فيها إن «الارتباط بالمسجد الأقصى ارتباط عقيدة وإيمان لا ارتباط هيئة أمم ولا مجلس أمن». وأضاف «أن على كل مسلم يستطيع الوصول إلى المسجد الأقصى أن يشد الرحال إليه ويعمره».
ودعا خطيب المسجد الأقصى إلى الاقتصار على الشعائر الدينية في عيد الأضحى والاكتفاء بالصلاة وذبح الأضاحي وزيارة صلة الرحم دون إبداء مظاهر فرح وابتهاج نظرا للحرب المدمرة في غزة. وصرح خطيب المسجد الأقصى بأنه «علينا أن نشعر بإخواننا في غزة وسائر المناطق الفلسطينية التي تتعرض للنكبات».
الحج: شعيرة تعبدية ومالية ورحلة إيمانية على طريق التجرد لله تعالى
يستعد حجاج بيت الله تعالى الحرام للوقوف بعرفة في هذا اليوم التاسع من ذي الحجة باعتبارها أهم ركن في الحج بعدما لبوا أمر الله تعالى وقدموا من كل فج عميق ليؤدوا الركن الخامس من أركان الإسلام وينتفعوا به بمنافع دينية ودنيوية كثيرة ويحققوا مقاصد سامية متشعبة خلال أيام الحج، في رحلة تعبدية سياحية تاريخية، قال الله تعالى: ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ.)) [آل عمران]
وقد كشف القرآن الكريم عن مقاصد جمة لفريضة الحج وفي ضوئها أطنب الفقهاء المسلمون منذ القدم في الكشف عن مقاصد الحج وأغراضه ورأوا أن على خلاف عبادة الصلاة والصيام البدنيتين وعبادة الزكاة المالية فإن هذه العبادة جمعت بين الجانب البدني والجانب المالي، فالحاج يؤدي أفعالا عملية تشكل أركانا للحج واجبات وسننا وآدابا، منذ إحرامه بالحج، كما أن الحج يتطلب مالا يستعين به على الزاد والإقامة والأضحية وغيرها، فكان بذلك استسلاما مطلقا وتضحية بدنية ومالية من قبل المسلم، مؤكدا تجرده لعبادة الله تعالى وإخلاصه له، دائم الذكر له بلسانه ومختلف جوارحه ومستحضرا رقابته في سره وعلنه فقال الله تعالى: ((وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا ٱسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَتٍ عَلَىمَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعمِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ (29))) [البقرة]، فإضافة إلى هذه التضحية فإن الحج يربي المسلم على تطهير النفس من كل دنس وتزكيتها بما يليق بها وبما يرضي ربه، وارتداؤه للباس الإحرام يجعله يقوم بتمرين عملي على هذه الطهارة حين يتجرد من كل علائق ويرتدي لباسا جديدا طاهرا خفيفا، كما يحظر عليه كل رفث أو فسوق لأن من مقتضيات تزكية النفس تجنب هذه الأفعال الذميمة المخلة بالطهارة؛ فقال الله تعالى: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَأُولِى الْأَلْبَابِ (197))) [البقرة] وفي خضم هذه التمارين التعبدية سيضطر المسلم لتحمل بعض المشاق تعبيرا منه عن استعداده للتضحية في كل حين إرضاء لخالقه، وفي رحاب البيت الحرام وبين ثنايا المشاعر سيلتقي المسلم بأخيه المسلم حيث لا فرق بين عربي و أعجمي، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين جنسية وأخرى، فقد جمع الإسلام بين المسلمين جميعا في ملتقى سنوي يجسد الوحدة الإسلامية في أبرز مظاهرها، وهي وحدة فرضتها الشريعة في هذا المكان لكنها تشكل مرجعا لما ينبغي أن يكون عليه المسلمون في سائر حياتهم وفي شتى أقطارهم بعدما ينفضوا، فوحدتهم أصل وليست استثناء، وأخوة المسلم للمسلم ضرورة إيمانية ومعرفته بحاله واجب شرعي، فإن عادوا إلى ديارهم مبقين على خلافاتهم وتفرقهم وتفريطهم في بعضهم البعض وعدم اهتمامهم بشؤون بعضهم البعض فإنهم بذلك يثبتون أنهم لم يتعلموا من الحج درس الوحدة ولم يستفيدوا منه معنى الأخوة والاتحاد، والاعتصام.
وقد حصر الشيخ محمد الغزالي بعض مقاصد الحج ورأى أن (الحج نداء قديم جديد، والحج طاعة مطلقة وانقياد تام وتناغم كامل، أفعال الحج ترتبط بأحكام لا ينكرها العقل، والحج وفاء وتلبية وإخلاص، والحج وحدة وتجرد، والحج ثقة في الله وتوكل عليه، والحج يجمع بين العقل والعاطفة، وذكر الله أساس في مناسك الحج)، فمقاصد الحج كثيرة والعبرة في تحقيقها والانتفاع بها وتجليها في حياة المسلمين قولا وعملا.
ع/خ