الأحد 24 نوفمبر 2024 الموافق لـ 22 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

"طابو" يتوسط المدينة و يستغله الرجال فقط


شارع بوشوشة لخضر بعين عبيد في قسنطينة محظور على النساء
لا يزال الشارع الرئيسي ببلدية عين عبيد ولاية قسنطينة، الذي يحمل اسم بوشوشة لخضر، مساحة رجالية، محظور على النساء و الفتيات بمختلف شرائحهن السير فيها، أو عبورها، وفق تقليد متجذر، معمول به منذ نشأة المدينة، و لا تتجرأ بنات المنطقة على التمرد على حظر التجوال المفروض عليهن، و إن حدث و أن مرت امرأة من هذا الشارع ، فهي دون شك غريبة عن المدينة، و لا تعرف تقاليد عين عبيد.
و لا يزال سكان المدينة المحافظة يتذكرون قصة سيدة اضطرت لكسر الطابو لقضاء حاجة ملحة، دون إدراك و حساب العواقب، باعتبارها ليست ابنة المنطقة، فطلقها زوجها و تفككت أسرتهما.
بدأ حظر تجول نساء عين عبيد في شارع بوشوشة لخضر الرئيسي، أو عبوره مشيا على الأقدام في النهار، منذ عقود طويلة و يتواصل الحظر إلى غاية اليوم، و لا يزال يعتبر مساحة ذكورية و يضم مختلف المرافق التجارية، محلات، مقاه و مطاعم.
تقليد عتيق يرتبط بالنمط القروي
علما بأن عين عبيد كانت قديما قرية، و كل سكانها يعرفون بعضهم وتجمعهم علاقات قرابة ، و كان من غير المعقول والمقبول أن تمر في الشارع الرئيسي للقرية امرأة من المنطقة أمام أهلها وأفراد أسرتها، وهم جالسون في مقهى على سبيل المثال، كما أن التسوق كان شأنا رجاليا، و النساء لا يخرجن نهارا أصلا.
و إذا حدث و أن خرجت النساء يكون ذلك ليلا و يرافقهن رجل من أفراد الأسرة يتصدر المسار ويفسح الطريق لمن معه، و يكون ذلك عادة عبر الأزقة الثانوية الخافتة الإنارة إن لم تكن مظلمة، و بقي التقليد متوارثا ومعمولا به إلى غاية اليوم. و إذا حدث و أن مررن به يكون ذلك على متن سيارة ليلا.
و لا يزال أبناء القرية التي تحولت إلى مدينة بمرور السنين، يتجنبون المرور نهارا في شارع بوشوشة لخضر مع عائلاتهم وهم في سياراتهم، تجنبا للإحراج أمام ذويهم، و يسلكون الشوارع الثانوية في تنقلاتهم داخل المدينة، على الرغم من أنها لم تعد قرية.
موظفات يحولن مسارهن تماشيا مع تقاليد المنطقة
و نجد نساء عين عبيد اليوم مهما تقدمن في العمر، لا يعرفن مكونات الشارع، و وهو ما ورثته الحفيدات عن الأمهات و الجدات و لا يبدو أن هذا التقليد سيختفي قريبا، حسب هذه المؤشرات.
و الملاحظ أن بعض النساء اللائي قدمن من مناطق أخرى للعمل في عين عبيد، و يضطررن لعبور وسط المدينة من أجل الوصول إلى مقرات عملهن، أدركن مدى تجذر الطابو، فحولن مسارهن، تماشيا مع تقاليد و أعراف المدينة.
في حين تحاول بعض الإدارات و المؤسسات كسرها، بإجبار نساء المدينة على الحضور الشخصي إليها رغم أنها تقع بشارع بوشوشة لخضر، فتفضل أغلبهن التنقل إلى عاصمة الولاية ، على كسر هذا التقليد، إلا في حالات نادرة، حيث يتوجهن إليها على متن سيارات تنقلهن إلى باب الإدارة المنشودة في الأوقات التي تخف فيها حركة المرور.
و يتم ذلك بنوع من الحياء، و يفسح المواطنون بدورهم  الطريق أمام المقتحمة للفضاء الذكوري، على الرغم أن من بداخله موظفات، يتسللن بدورهن إلى موقع عملهن وقد يلاحظ من يكون في الموقع الحرج الذي يبدو على وجوههن، وفي الكثير من الأحيان يعتمدن على سيارات تقودهن إلى غاية باب المؤسسة، و يظل تعاملهن مع الجنس الآخر جد محدود..
بخصوص المرأة التي طلقها زوجها على خلفية تجاوزها التقليد السائد ، قال لنا مصدر موثوق رفض الإشارة إلى اسمه، أن السيدة ليست سليلة الجهة، ولا دراية لها بذات التقليد، و عندما بلغها أن أمها تعاني سكرات الموت، فسألت عن مكان تواجد زوجها فعلمت، أنه بمحل للحلاقة في نهج و ليس الشارع الرئيسي. لفت السيدة جسدها بملاءتها السوداء وغطت وجهها بلثام، و توجهت إليه من هول الصدمة، و نادته باسمه من خارج المحل، فهرع إليها مفزوعا ومئزر الحلاق على كتفيه، فأخبرته أن والدتها في وضع صحي محرج، و أنها ذاهبة لزيارتها في قسنطينة، فقال لها «اذهبي ولا تعودي أبدا»، و طلقها وفشلت كل الوساطات، لإعادة المياه إلى مجاريها بين الزوجين.
«الهيمنة الذكورية انعكست على الفضاء السكني»
قال الدكتور فوزي مجماج، الباحث في الأنثروبولوجيا، للنصر ، أن  الهيمنة الذكورية _ حسب تعبير البورديوزيون، نسبة إلى بورديو، انعكست على الفضاء السكني بشكل عام، فكانت هناك تقسيمات لهذا الفضاء، تستجيب بالدرجة الأولى إلى طبيعة ثقافة الرجل المغاربي، الذي يحاول قدر المستطاع الحفاظ على شرفه، وكان وسط المدينة بشكل خاص، يضع هذا التحدي على المحك، لأنه يظهر كوسط ذكوري بامتياز، فجاء المنع التام لتواجد المرأة به، كنتيجة حتمية لرد أي مساس بالشرف، الذي كان و لايزال هو العملة الأولى والأخيرة في المجتمعات الصغيرة، والتي يمكن أن تصنف ضمن المجتمعات غير الصناعية  التي  يحبذ الأنثروبولوجيون تسميتها بالتقليدية.
والجدير بالذكر أن هذا النوع من الحظر غير محصور في التجمعات السكانية الصغيرة، فقد يتواجد في  مدن كبيرة، كما هو الشأن بفضاء رحبة الجمال، قلب مدينة قسنطينة، فهو ذكوري بامتياز و لم تتمكن المرأة من اقتحامه إلى غاية اليوم، لارتباطه في مخيلة الرجل القسنطيني بالفنادق و الحساسية و جلسات المحجوز و المالوف وسلوكيات أخرى لا تتوافق و مجتمع قسنطينة الجد محافظ،حسب الباحث. وللتذكير فإن الفرصة الوحيدة التي أتيحت لاقتحام المرأة فضاء رحبة الجمال، كانت تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، حيث دخلت وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي بالمناسبة إلى ذات الفضاء تحت حراسة مشددة من قبل الرجال، ووعدت حينها بترميم فنادق الرحبة و لم يتم ذلك إلى غاية اليوم.
ص.رضوان

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com