* رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة الالتزام بدعم الحكم الرشيد والشفافية في القارةأشرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته رئيسا لمنتدى دول...
أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء، عزم الجزائر، بفضل أبنائها...
طالب مقررون أمميون من مجلس حقوق الإنسان، الحكومة الفرنسية بتزويدهم بجميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتجاربها النووية في الجزائر، بما فيها المواقع المحددة...
أكد أمس، مختصون في الأمن و علمي النفس والاجتماع، نشطوا فعاليات ملتقى حول الآفات الاجتماعية في الوسط الشباني بجامعة قسنطينة3، أن الفئة الشبانية تعد...
يسعى باعة الورود بمدينة قسنطينة، إلى المحافظة على صنعتهم و سمعة محلاتهم التي بنوها طوال سنوات وذلك تماشيا مع اشتداد المنافسة ودخول محلات جديدة وعصرية على الخط، فضلا عن ظهور التجارة الالكترونية و البيع على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما دفعهم إلى تنويع العرض و تزيين الورد بطريقة جذابة، ناهيك عن تطوير أساليب التسويق والترويج.
رميساء جبيل
حب الحرفة أساس النجاح
قادتنا جولة استطلاعية إلى محل الفردوس بحي المنصورة بقسنطينة، لصاحبه عبد السلام غرس الله وهو ستيني أمضى 40 سنة من عمره بين أحضان ضيعته التي تتربع على مساحة 9 آلاف متر مربع يعمل فيها على تطويع تربة أرضه وجعلها خصبة صالحة لغرس شتى أنواع الورود والنباتات العطرية ليحصد في الأخير أزهارا لتنسيق تشكيلات متنوعة من الباقات الجميلة، كما يقوم رفقة أفراد من عائلته بتقطير مختلف الأعشاب على غرار الورد والزهر و الخزامة و الزعتر و الكاليتوس وغيرها.
ذكر لنا المتحدث، أنه كان يوجه ورود حديقته للاستخدام العائلي، ثم قرر بيعها للمارين على المنطقة رغم قلة الطلب وقتها، و انعدام ثقافة الورود لدى الكثيرين، ومع تضاعف عدد زبائنه يوما بعد يوم، عمل على توسيع مشروعه وتطويره، بإنشاء بيوت بلاستيكية يغرس داخلها مختلف الأنواع مثل « الزينيا» و» ماركاريتو» و»لازانيا» و ورد» لاباكالا»، لكنه اضطر لاحقا للتخلي عن الأرض لأجل الصالح العام، بعدما مدت السلطات المحلية طريقا رئيسيا يمر عبرها.يقول بائع الزهور، بأنه أجر محلا بحي « كاستور» بالمنصورة بباب القنطرة، و أطلق عليه اسم « الفردوس لبيع الورود»، ليواصل من خلاله عرض خدماته على زبائنه الأوفياء، علما أنه يختص في إعداد باقات الزهور لشتى المناسبات والأعياد والأفراح و للملتقيات والمؤتمرات الكبرى، مع تزيين سيارات العرسان، وقد كان منشغلا خلال زيارتنا له بتنسيق باقة كبيرة من الورود كانت لأجل ذكرى 17 أكتوبر.
أخبرنا، أنه لم يرث الحرفة عن أحد وإنما هي موهبة حباه الله بها، و قد بدأ في ممارستها مطلع العشرينيات من العمر، وطورها بالتجربة والعمل المستمر، مضيفا أن الشغف هو ما ساعده على النجاح فيها والحفاظ على اسمه وسمعته بين الباعة، حيث سعى دائما إلى اكتشاف خباياها وأسرارها وتعلم كل ما هو جديد، خصوصا في الآونة الأخيرة مع دخول أنواع جديدة من الورود إلى السوق، و تزايد الطلب عليها بفضل الترويج الذي تحظى به من قبل كبريات محلات بيع الورود في العالم و عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
المنتج المستورد يلتهم السوق
بائع الورود، أوضح لنا، بأن إتقان العمل ونوعية الخدمة و اللباقة في معاملة الزبائن، عوامل حافظت على علاقته بهم و أكسبته وفائهم، حتى أن بينهم من نسق ورود خطوبتهم قبل سنوات، واختاروه ليحضر باقات أفراح أبنائهم لاحقا. علمنا منه أيضا، أن حدائق بوفاريك وزرالدة بالعاصمة هي مصدر كثير من الورود التي تباع في قسنطينة، أما الأنواع المستوردة فتقتنى من كينيا و إثيوبيا و تستورد بشكل أقل من هولندا وأحيانا من مصر والمغرب، على غرار «ورق الفرياج» الذي يزين الباقة، و أكد المتحدث أن الزبائن أضحوا يفضلون الورد المستورد على المحلي رغم غلاء سعره، وذلك لأنه أحسن جودة ويمكن الاحتفاظ به لفترة طويلة، وهو ما انعكس سلبا على المنتجين المحليين.
التكنولوجيا فرضت التطور وتنويع العرض
محدثنا قال، بأنه بات يولي أهمية لتطوير عمله، ففي السابق كانت التجارة تعتمد على زبائن المحل و زوار المعارض، أما اليوم فإن مواكبة السوق الإلكترونية أصبح ضرورة، لأن كثيرا من الزبائن يطلبون حسبه باقات تشبه ما يوجد على الانترنت، فالباقات كانت تتشكل سابقا من الورد و « الزينيا» و « المارقريت» وتلف بورق لتغليف الهدايا وآخر بلاستيكي شفاف وفقط، أما اليوم فقد أصبحت تنسق بشكل جميل داخل علب كرتونية و بلاستيكية و زجاجية يتم استيرادها من الصين بأشكال وألوان متنوعة.
و يعمل حاليا كما أوضح، على تعليم ابنه أسرار الحرفة خاصة وأنه الشاب يملك حسا فنيا جعله يبدع في المجال فضلا عن تحكمه في تقنيات التسويق الحديثة، مضيفا أنه ليس أول تلاميذه، فقد كون قبله باعة ورود من قسنطينة و باتنة و بسكرة و سكيدة و خنشلة، إذ أن قسنطينة كانت في السابق قبلة لعشاق الورود من كل ولايات الشرق كما قال.
و تختلف مدة تنسيق كل باقة عن أخرى وذلك بحسب الحجم والشكل، فهناك ما يحضر في 10 دقائق أو ربع ساعة، أما باقات الخطوبة الكبيرة ذات التنسيق المميز فتتطلب يوما كاملا، فيما تستغرق التشكيلات الخاصة بالملتقيات والمؤتمرات والمناسبات الوطنية يومين أو أكثر. و يصل سعر الوردة الحمراء المحلية إلى 150 حتى 200 دج، أما المستوردة فقد تكلف 250 إلى 300 دج و يحضر التغليف مقابل 200 دينار.
الاستمرارية تستوجب التجديد
توجهنا بعدها إلى سوق بطو بوسط المدينة، لزيارة واحد من بين أقدم محلات بيع الورد بقسنطينة، يقع المحل « فلور دو ليس» على مقربة من السوق و هو ملك لعمي محمد، و يشتهر بكونه من الإضافات الجميلة التي تزين المنطقة بفضل تعدد الألوان و عبق الورود.قال التاجر، بأن والده أورثه الحرفة وأنه مارسها منذ سنوات الاستعمار، حيث كان الطلب كبيرا على الورد حينها، عكس الوقت الحالي الذي تراجع فيه الطلب كثيرا و أوضح، بأنه بعدما أنهى مرحلة التكوين المهني سنة 1993، قرر العمل في محل والده، خاصة بعدما زاره شباب من العاصمة في إحدى المرات واقترحوا عليه الانتقال إليها للاستفادة من تجربة الباعة والمنتجين هناك. فكانت هذه النصيحة نقطة تحول في حياته، إذ توجه فعليا إلى العاصمة ومكث هناك لأسبوع، تنقل خلاله بين المحلات والمشاتل، وانبهر بالعرض وكثرة الطلب على أنواع محددة، وهكذا طور أفكاره و اتفق مع تجار على تزويد محله بأنواع مختلفة من الورد الطبيعي أسبوعيا، مقابل قسط شهري، وقد كان سعر الوردة حين ذاك لا يتعدى 50 دينارا، وكانت تكلفة باقة من 50 إلى 55 وردة، لا تزيد عن 200 إلى 250دينارا، وهو ما حقق له الربح الوفير وقتها.
و هكذا بدأ التاجر في الاستثمار أكثر في المجال، فغير ديكور محله ونقل تجربة العاصميين إلى قسنطينة، كما أحضر له صديق القرنفل الشهير من تونس، و بدأ في استخدام ورق « الكربون» للف الباقات وكان هو صاحب هذه الفكرة التي راجت بين سنوات 2008 إلى غاية 2015. قال المتحدث، إن سوق الورود عرفت في السنوات القليلة الماضية تغيرات عديدة، بدءا بارتفاع الأسعار فخمسون وردة محلية باتت تكلف 1500 دينار، وسعر الوردة الواحدة بلغ 200 دينار، كما تحسر البائع على العلاقات الطبية التي كانت تحكم التعامل بين التجار والمنتجين، مضيفا، بأن التجارة الإلكترونية و الانترنت عموما فرضت أيضا منطقها على السوق، و كسرت احتكار المحلات المعروفة، إذ تحصي قسنطينة حاليا 24 محلا كما أخبرنا، بينها 6 محلات بوسط المدينة، و محلان بالمنصورة و اثنان آخران بالخروب و 6 محلات بالمنية و 5 بالمدينة الجديدة علي منجلي، دون احتساب نشاط الشابات اللواتي يمارسن الحرفة من المنازل ويروجن لأعمالهن عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
منافسة شرسة
ولم ينكر التاجر، أنه رغم براعته في المجال ومعرفته بأسرار الحرفة وامتلاكه لزبائن من مناطق عدة كالتلاغمة وأم البواقي و سكيكدة و جيجل، إلا أن جيل اليوم قد تجاوز طرق التسويق القديم معلقا : « حتى وإن استعملنا المواقع إلا أننا لا نجيد إدارتها مثل الشباب لذلك نجد صعوبة في مواكبة هذه التغيرات»، مضيفا أنه يسعى لتطوير مشروعه و يبحث عن متجر آخر في مكان إستراتيجي. وقال، إن استيراد الورود رغم غلاء أسعارها وقلة عائداتها، راجع إلى عدم توفر المنتج المحلي في فصل الشتاء، فالورود تزهر في الربيع و تغطي الطلب خلال ذات الفصل و في الصيف و الخريف فقط، أما في الشتاء و ما يتزامن معه من مناسبات، فإن الاعتماد على الاستيراد يكون مطلقا.
أسرار الورود
وللعناية بالورود أسرار وطرق ينتهجها غالبية التجار وإن تفرد أحدهم عن الآخرين بأسلوبه، مع ذلك فقد أسر لنا محدثنا ببعض الطرق المتبعة لتخزين الورد وإبقائه صالحا لأطول فترة ممكنة، وقال محمد، أن الورود التي يشتريها من العاصمة تكون مغلقة غير متفتحة ويتم تغليفهم ووضعهم في علبة من الكرتون حتى تصل سالمة، أين يقوم هو بدوره بإخراج الكميات التي يحتاج استعمالها في مدة أسبوع أو أكثر، مع وضع كل نوع في دلو به ماء و كمية من السكر حتى تتفتح الوردة تدريجيا ويمكن حينئذ استعمالها.
وفي محل الفردوس، علمنا بأن الورود المراد استعمالها توضع في دلاء بها كمية من الماء، فيما تلف المتبقية في قطع كبيرة من الخيشة المبللة بالماء حتى تحافظ على رطوبتها.
عودة تدريجية لثقافة الورود
حسب عبد السلام غرس الله، فإن الإقبال على الورود زاد تدريجيا في السنوات الأخيرة مقارنة بالثمانينات و التسعينيات من القرن الماضي، فهناك من الجزائريين حسبه، من اكتسبوا ثقافة اقتناء الورود و إهدائها في المناسبات ودونها، إذ يتم إهدائها للأقارب والأحبة وكذا خلال زيارة المرضى، ويستعملها البعض لتزيين وتعطير المنزل لما تضفيه من جمالية على الديكور فضلا عن عبقها الذي يغني عن المعطرات الصناعية مضيفا، أن الإقبال يتضاعف في فصل الصيف كونه موسم تكثر فيه الأعراس والمناسبات.
صادفنا خلال تواجدنا في المحل، امرأة في العقد الثالث من العمر، جاءت لشراء وردة حمراء من أجل تقديمها كهدية، حيث طلبت من البائع أن يقلمها و يلفها بورق أسود جميل وهو ما كلفها 300 دج، لتحتج بأن المبلغ مرتفع جدا مقابل وردة، فقام البائع بتخفيضه إلى 200 دج رغم أن إعداد الطلبية استغرق 10دقائق.
ولم تمر ربع ساعة من الزمن، حتى دخل شاب آخر إلى المحل، تبين لنا لاحقا بأنه زبون دائم هو وكل أفراد عائلته، حيث طلب من البائع أن يعد له باقة من عشر وردات حمراء بسعر لا يتجاوز 1000 دج، لكن التاجر أخبره أن الباقة تكلف مبلغ 1500 دج، فقبل، حينها نسق صاحب المحل الورود و لفها في ورق أخضر عليه شريط « ساتان» أحمر، ثم رشها بالماء من أجل إعطائها لمسة جمالية وشكلا ملفتا، وأسر لنا الشاب أنس أنه سيقدم هذه الباقة كهدية لشخص عزيز عليه، قائلا أنه ورث من أمه هذه العادة، لأن الأحبة لا يليق بهم إلا الورد كما عبر.