أطلقت وزارة الداخلية والجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، أمس، بمعية قطاعات وزارية أخرى حملة وطنية لتحسيس المواطنين بالأثر الايجابي والدور الهام...
حدد بنك الجزائر، المبلغ الأقصى المسموح بإخراجه من العملة الأجنبية، من طرف المسافرين المقيمين وغير المقيمين، بما قيمته 7500 أورو، مرة واحدة في السنة...
وجهت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة صورية مولوجي تعليمات للمدراء الولائيين للقيام بخرجات ليلية عبر مختلف أنحاء الوطن، مع تجنيد الخلايا...
* نـظام المخـزن تحــالف مع القوى الاستعمــارية كشف عضو الحزب الوطني لجمهورية الريف، يوبا الغديوي، أمس السبت، أن تشكيلته السياسية ستتقدم قريبا إلى...
العاصمـــة تتحرّر من طوق الأحيــــاء القصديريـــة
• ترحيل أزيد من 37 ألف عائلة وتحرير أكثر من 390 هكتارا في ظرف سنتين
• تبون: " الجزائر ستكون أول عاصمة عربية وإفريقية دون قصدير"
أزاحت عمليات الترحيل الضخمة التي انطلقت بالعاصمة منذ عامين تلك الصور التي كانت تشوه هذه المدينة المترامية الأطراف، إذ لم تتوقف الشاحنات المحملة بالأثاث والأغراض، عن التنقل ما بين الأحياء القصديرية التي أزيل بعضها تماما، والأحياء الجديدة التي تتوفر على كل شروط الحياة الكريمة.
روبورتاج : لطيفة بلحاج
لم تكن وعود وزير السكن عبد المجيد تبون بجعل ولاية الجزائر أول عاصمة إفريقية دون بيوت الصفيح مجرد كلام فقط، بعد أن تحقق الجزء الأكبر منها، لأن المتجول بين بلديات العاصمة المترامية الأطراف، يلاحظ بالفعل انحصار عدد أحياء الصفيح، التي ينتظر قاطنو ما تبقى منها أن تشملهم عمليات الترحيل عند استئنافها بعد شهر رمضان، وهو ما وقفنا عليه في الجولة التي قادتنا إلى بعض بلديات العاصمة، وإلى المواقع التي غزتها بيوت الصفيح، قبل أن تصبح فضاءات شاسعة مهيأة لإنجاز مشاريع او مرافق، من شأنها أن تعيد الحياة والجمال لتلك الأحياء، التي كانت خلال سنوات مضت رمزا للبؤس، فقد حرصت البلديات على تجنيد عدد هام من الأعوان خلال عمليات الترحيل، لهدم البيوت القصديرية عن كاملها، وتنظيف المواقع، وتسوية الأرضية، في انتظار أن تنطلق بها أشغال إعادة التهيئة.
رحلة البحث عن بيوت الصفيح
البحث عما تبقى من بيوت الصفيح بالعاصمة لم يعد أمرا هينا، بعد ان تقلص عددها إلى ثلاثة احياء رئيسية، إلى جانب بعض البيوت التي شيدت على حافة المواقع التي تم ترحيل قاطنيها، لان الأمر أضحى يتطلب أولا استقاء المعلومات أولا من مصالح البلديات، أو مما بقي من قاطني بيوت الصفيح، للوصول إلى المواقع التي ما تزال موجودة، و التي قام قاطنوها بجمع أثاثهم وإعداد الملفات في انتظار أن يصلهم الدور، على غرار حي واد أوشايح ببلدية باش جراح، الذي ما يزال يحصي بعض البيوت القصديرية، بعد أن قامت مصالح الولاية بترحيل وهدم أكبر حي قصديري يقع محاذاة المحطة الرئيسية للمترو،و حي عدل، الذي تنفس سكانه الصعداء، معبرين عن ارتياحهم بعد أصبحت العمارات تطل على فضاء واسع مشمس، عوض أكوام من " الزنك و الترنيت"، مؤكدين في حديث مع النصر عن سعادتهم، للأجواء الهادئة التي أضحت تسود الحي، فحتى المدارس أصبحت غير مكتظة، بعد أن تراجع عدد التلاميذ في بعض الأقسام من 35 تلميذا، إلى 20 تلميذا فقط.
وغير بعيد عن ما يعرف "بالحي القصديري الميترو" الذي شيد سنة 95 ، من قبل النازحين من ولايات مجاورة هروبا من بطش الإرهاب، والذي شهد على مدار السنوات السابقة حركات احتجاجية واسعة للمطالبة بالترحيل، ما تزال بعض البيوت القصديرية هناك ينتظر أصحابها أن يشملهم قرار مصالح والي العاصمة عبد القادر زوخ بالترحيل، خاصة وان المنطقة سيعبرها مشروع الجسر الضخم الذي سينطلق من براقي وصولا إلى قلب العاصمة، وعند تجوالنا بالمكان استوقفنا بعض قاطني الحي الذين يتابعون يوميا برنامج الترحيل الذي اعتمدته الولاية، وما تنشره يوميا وسائل الإعلام، مؤكدين أنهم قاموا بجمع أغراضهم وأعدوا الوثائق التي تثبت عدم استفادتهم من مسكن، و كلهم أمل في ان لا يستثنيهم برنامج "العاصمة دون قصدير"
... دخلنا إحدى بيوت الحي التي تقطنها ثلاث أسر الأب والام وابنين متزوجين، غرفها عبارة عن ما يشبه مغارات، لا يكاد الضوء والهواء يدخلها، استقبلنا صاحب البيت وزوجته التي أصرت على استضافتنا لمعاينة وضعيتهم المزرية، مؤكدة بأنهم جمعوا اغراضهم وأعدوا الملف على أمل ان يرحلوا بعد شهر رمضان... هي في الواقع حالة كل من ما زال يقيم بأكبر حي قصديري ببلدية باش جراح.
وغير بعيد عن المكان انطلقت اشغال الجسر العملاق، حيث استعان اعوان البلديات بالجرارات لهدم بيوت الصفيح، وتحرير العقارات التي كانت تشغلها البيوت الفوضوية، لتتحول إلى فضاءات واسعة ورحبة، تعتزم الولاية استغلالها لتشييد مرافق عمومية، على غرار مواقف للسيارات، وأسواق جوارية، وكذا مسابح بلدية.
ويعد جسر طبراقي" العملاق الذي سيربط ما بين شرق العاصمة وغربها، من أهم المشاريع التي تم الانطلاق فيها، والتي لم تشملها إجراءات التقشف، لأنه سيرفع الازدحام المروري عن المدينة ويقرب المسافات بين أطرافها، مما يوحي أن العاصمة أخذت فعلا تشق طريقها لترتقي إلى مصاف العواصم العالمية، التي تزينت مؤخرا بمساحات خضراء على امتداد الطرق السريعة، من خلال زرع الأزهار وأشجار النخيل والاعشاب الخضراء، خاصة على امتداد الطريق السريع المؤدي إلى المطار، من طرف المؤسسات المختصة في تهيئة الفضاءات.
كما قامت الولاية باستحداث فضاءات سياحية لاستقبال العائلات العاصمية، وزوار المدينة، على غرار " منتزه الصابلات " المطل على البحر المتوسط، وكذا الفضاء الجميل المقابل للجامع الكبير، هذا الصرح الحضاري الكبير الذي أضفى على جوهرة البحر الأبيض المتوسط رونقا وجمالا، فأينما تتجه تطل عليك المنارة التي تعلو هذا المشروع الضخم، الذي يترقب العاصميون بشغف انتهاء الأشغال به، لزيارة أرجائه الواسعة وأداء أول صلاة جمعة به.
"الحفرة"، "قرية الشوك" و"درقانة".. آخر معاقل الصفيح بالعاصمة
كان عددها يتجاوز عشرات الأحياء القصديرية، التي احتلت مواقع استراتيجية وهامة بالعاصمة، على غرار الحي الذي كان يحاذي معهد الإعلام ببن عكنون، وحي " الرملي" ببلدية جسر قسنطينة، الذي شيد غير بعيد عن أكبر سوق للجملة للمواد الغذائية بالجزائر، وكذا على مشارف السكة الحديدية، وكان يعد من أكبر الأحياء القصديرية، إذ كان يقطنه أزيد من 4000 شخص، كلهم رحلوا إلى أحياء جديدة بكوريفة بالحراش، ودرارية وبمفتاح، بعد أن جندت مصالح الولاية وسائل هامة لترحيل العائلات في ظرف قياسي، باستثناء من ثبت حصولهم على إعانة او سكن من قبل الدولة.
كما تم ترحيل سكان حي الحميز الواقع غير بعيد عن باب الزوار الذي يحتضن أكبر جامعة للعلوم والتكنولوجيا، ويضم الحي حاليا أكبر سوق للجملة في الوطن، لبيع الأجهزة الكهرومنزلية والأثاث، ليتقلص بفضل هذا البرنامج الضخم عدد الأحياء القصدرية إلى أربعة أحياء فقط، وهي ما يعرف "بحي الحفرة" ببلدية وادي السمار، التي تضم أكبر منطقة صناعية بالعاصمة، وكذا حي قرية الشوك بعين النعجة، و حي درقانة بباب الزوار، إلى جانب حي "ستور المكي" ببلدية جسر قسنطينة، بعد ان استهدف برنامج الترحيل أقدم وأكبر الأحياء القصديرية، التي كانت تشوه وجه العاصمة، ومصدرا للآفات الاجتماعية... فمن كان يتوقع أن تنجح مصالح الولاية في القضاء على كابوس بيوت الصفيح، التي كانت مصدرا للحركات الاحتجاجية، وغلق الطرقات، وكذا للآفات الاجتماعية.
ويعتبر ما يعرف "بحي الحفرة" صورة حقيقية للمأساة الاجتماعية التي تعيشها ازيد من 1000 أسرة، فبمجرد ولوجنا مدخل الحي استقبلتنا الرائحة الكريهة المنبعثة من قنوات صرف المياه، وكذا من الوادي المحيط بالحي، الذي يعبره أضخم خط كهربائي بطاقة 30 ألف فولط، الذي يصل إلى غاية الحدود التونسية، وفق ما أكده لنا السكان، وما عايناه شخصيا... ممرات ضيقة تفصل بين بيوت تشبه الأعشاش، بعضها تطل على الوادي، ولا تفصلها سوى بضعة أمتار فقط عن طريق السكة الحديدية، التي تربط العاصمة بالولايات الشرقية، قاطنو الحي استغلوا فرصة تواجدنا، ليشكوا أحوالهم، وليرفعوا مطالبهم إلى الوالي بضرورة ترحيلهم في أقرب الآجال.
ومقابل الحي، وعلى الطرف الآخر من السكة الحديدية، ترتفع ربوة وادي السمار، التي كانت تحتضن أكبر مفرغة عمومية بالعاصمة، تحولت اليوم إلى مرفق سياحي من الدرجة الأولى، هو قيد الإنجاز حاليا، بعد ان كست الأشجار والأعشاب الخضراء المكان، في انتظار أن تفتتحه السلطات المحلية لاستقبال الأسر.
الحلم الذي تحول إلى حقيقة
عندما تحدث وزير السكن والعمران عبد المجيد تبون لأول مرة عن مشروع عاصمة دون بيوت قصديرية، كان البعض يظن أن الأمر لا يعدو ان يكون مجرد مشروع أو وعود صعبة التحقيق، بالنظر إلى استفحال ظاهرة بيوت الصفيح بالعاصمة، غير أن انطلاق عمليات الترحيل بداية من جوان سنة 2014، أظهر عزم السلطات على تحقيق البرنامج، الذي مسح عن عاصمة البلاد تلك الصورة المشوهة والبائسة، بعد ان تحررت جل البلديات من الأحياء القصديرية التي احتلتها لعقود، مما انعكس بالفعل على الحياة اليومية للمواطنين، فقد عبر لنا قاطنو بعض الأحياء التي تخلصت من بيوت الصفيح، عن مدى سعادتهم وهم يلاحظون تراجع الاكتظاظ سواء على مستوى الطرقات او المؤسسات التعليمية، آملين في ان تخصص الفضاءات التي تم تحريرها من بيت الصفيح لتشييد مرافق عمومية، على غرار مساحات للترفيه، ولاستقبال الأطفال، او مسابح وأسواق جوارية، المهم أن لا يحتلها الاسمنت، وان لا تشيد عليها أحياء سكنية جديدة، بدعوى ان ذلك سيخنق العاصمة مجددا.
ترحيل 37 ألف عائلة واستعادة 395 هكتارا من الأوعية العقارية
تمكنت مصالح ولاية العاصمة من ترحيل 37 ألف أسرة منذ شهر جوان سنة 2014، كانت تقطن البيوت القصديرية والأقبية، وأسطح العمارات والبنايات الهشة، وسيسمح استئناف العملية مباشرة بعد رمضان برفع عدد العائلات المرحلة إلى أزيد من 46 ألف عائلة، من بينها 5 آلاف أسرة كانت تقطن الأقبية وأسطح العمارات وبنايات آيلة للسقوط، التي استفادت بدورها من سكنات اجتماعية، وسمحت العملية بتحرير أزيد من 395 هكتارا من الأوعية العقارية التي كانت تحتلها أحياء الصفيح، و إعادة إطلاق المشاريع التي كانت مجمدة على مستوى تلك الفضاءات، من بينها المقر الجديد لوزارة الشؤون الدينية، وموقع التهيئة بوادي الحراش، الذي سيتحول إلى منتجع سياحي، وسكنات عدل، والسكن الترقوي العمومي، وكذا السكنات الاجتماعية، إلى جانب تشييد الجامع الكبير، وسد الدويرة، وملعب بئر خادم، وثانوية بالحميز، إضافة إلى خط السكة الحديدية المكهرب، الرابط بين بئر توتة والدويرة والرغاية، والحرم الجامعي بدالي ابراهيم والمسبح شبه أولمبي.
وزير السكن عبد المجيد تبون
برنامج إزالة القصدير نُفذ بنسبة 95 بالمائة
أفاد وزير السكن والعمران عبد المجيد تبون في تصريح خص به " النصر" أن إتمام مشروع عاصمة دون قصدير على وشك الانتهاء، وأنه لم تتبق سوى نسبة تتراوح ما بين 5 إلى 6 في المائة لإنهاء البرنامج.
وأوضح تبون أن العملية توقفت مؤقتا خلال شهر رمضان، ليتم استئنافها مجددا، من خلال توزيع 4 آلاف وحدة سكنية على قاطني البيوت القصديرية، هي كلها جاهزة وتنتظر توزيعها على مستحقيها، ليتجسد بشكل كامل ونهائي هدف " أول عاصمة عربية وإفريقية دون قصدير"، مضيفا أن وزارته تعتبر أن هذا البرنامج الضخم انتهى بالفعل، لأن العملية توسعت تحت إشراف والي الولاية عبد القادر زوخ، وشملت حتى الأحواش التي كانت عبارة عن مزارع تابعة للكولون، والواقعة في ضواحي الولاية، وأن الترحيل لم يقتصر على مدينة الجزائر فقط، متعهدا بأن يتم ترحيل كل ما تبقى من البيوت القصديرية مباشرة بعد رمضان، وأن لا يبقى ولو بيت قصديري واحد بعاصمة البلاد، التي ستلج سنة 2017 بصورة مغايرة تماما، مطمئنا بذلك من ينتظرون دورهم في الترحيل إلى سكنات لائقة.
ل/ب