أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، لدى إشرافه باسم رئيس الجمهورية، القائد الأعلى...
يمثل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق رئيس حكومة الكيان الصهيوني « نتنياهو» و وزير دفاعه السابق» غالانت» بتهمة ارتكاب جرائم ضد...
تعد الضجة الكوميدية التي تثيرها بعض الأوساط السياسية والفكرية الفرنسية حول حالة بوعلام صنصال، دليلا إضافيا على وجود تيار «حاقد» ضد الجزائر. وهو لوبي لا يفوّت...
أكد الأمين العام لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، حميد بن ساعد، اليوم الخميس بالجزائر العاصمة، أن التمور الجزائرية بكل أنواعها تمكنت...
هجومات الشمال القسنطيني أعطت نفسا للثورة و فكت الخناق على الأوراس
تحل اليوم الذكرى المزدوجة لـ 20 أوت.. تاريخ واحد.. حدثان .. مصير ثورة وفي النهاية مصير شعب.. ذكرى هجومات الشمال القسنطيني سنة 1955، وانعقاد مؤتمر الصومام في 1956. يتوقف الجزائريون اليوم عند محطتين هامتين من تاريخ الثورة التحريرية المباركة وتاريخ الجزائر المعاصر، الأولى محطة عسكرية بامتياز لكن كان لها أثر سياسي بارز في نفس الوقت، وهي هجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 التي قادها البطل الشهيد زيروت يوسف قائد الولاية الثانية التاريخية، والمحطة الثانية سياسية بحتة و هي انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت من سنة 1956 بإيفري أوزلاقن بولاية بجاية.
الحدث الأول عسكري ولم يختلف بشأنه الجزائريون، فقد كانت هجومات الشمال القسنطيني ضرورية في ذلك الوقت لفك الخناق الذي ضربته جيوش فرنسا الاستعمارية على منطقة الأوراس التي احتضنت الثورة في بدايتها، وكان ذلك من عبقرية قادة الثورة، خاصة منهم الشهيد زيغود يوسف ورفقائه في الولاية التاريخية الثانية الذين تحملوا الكثير من المسؤولية التاريخية عندما قرروا شن هذه الهجومات على الرغم من النتيجة الثقيلة في الضحايا الجزائريين الذين خلفتهم الأحداث. أما الحدث الثاني المتمثل في انعقاد مؤتمر الصومام فهو سياسي، اختلف حوله قادة الثورة أنفسهم سواء المشاركين فيه أو الذين لم يشاركوا فيه، وظل كذلك إلى اليوم بين المهتمين وعموم المواطنين، لكن لا يمكن أبدا نكران الدفع الذي أعطاه لجيش التحرير الوطني بالخصوص على المستوى التنظيمي والتعبوي والتكويني، أما الجانب السياسي لهذا المؤتمر فهو الذي كان محل خلاف بين قادة الثورة في ذلك الوقت.أخرجت هجومات الشمال القسنطيني الثورة التحريرية من النظرة الضيقة التي حاول المستعمر إلصاقها بها، فهي ثورة شعب بأكمله وليست ثورة جهة ما فقط، هي ثورة كل الناس من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي ساهمت هجومات الشمال القسنطيني بشكل كبير في الرمي بالمسألة الجزائرية إلى المحافل الدبلوماسية الدولية الكبيرة بثقل أكبر، وأسمعت صوت شعب يكافح من أجل الانعتاق ونيل استقلاله وتقرير مصيره.وبدأت الهجومات في صبيحة العشرين أوت وشملت أكثر من 26 مدينة وقرية في الشمال القسنطيني بقيادة الشهيد زيغود يوسف الذي خلف الشهيد ديدوش مراد على رأس الولاية الثانية، وقد دام التحضير لها أزيد من ثلاثة أشهر في سرية تامة، واستهدفت العمليات كافة المراكز و المنشآت الاستعمارية الحيوية، ومراكز الشرطة والدرك في القرى والمدن والارياف، وقد تمكن المجاهدون من احتلال عدة مدن وقرى في هذا اليوم المشهود، بعد ذلك ردت السلطات الاستعمارية الفرنسية بوحشية لا مثيل لها على هذه الهجومات، وجندت المعمرين وشكلت فيالق مسلحة وقامت بالانتقام من المدنيين، و كان ملعب مدينة سكيكدة أبرز ساحة لهذا الانتقام، حيث جمع الآلاف من المدنيين، من نساء ورجال وأطفال وأعدم الكثير منهم، وفي المجموع بلغ عدد ضحايا الرد الفرنسي أكثر من 12 ألف شهيد جزائري.و قد أعطى هذا الهجوم نفسا جديدا للثورة التي كانت تمر بفترة صعبة والتي فقدت قبل ذلك ثلاثة من أبرز قادتها، ديدوش مراد الذي استشهد في 12 جانفي 1955، ومصطفى بن بوالعيد الذي اعتقل في 12 فبراير من نفس السنة، ورابح بيطاط الذي اعتقل هو أيضا في 16 مارس من نفس السنة، ونقل مؤرخون عن بن طوبال قوله" لو تأخرت هجوم الشمال القسنطيني لتعرضت الثورة للخطر".
ويبقى على المؤرخين اليوم البحث والتدقيق وتسليط الضوء على كل جوانب هذه الهجومات والتفصيل فيها وفي كل الأماكن التي وقعت فيها، وتعداد العمليات التي وقعت في ذلك الوقت، وعدد المشاركين فيها من جنود جيش التحرير الوطني والمواطنين الذين قدموا المساعدة و الدعم، وحساب عدد الجنود والمعمرين الذين قتلوا فيها، وكذلك حساب عدد الضحايا الجزائريين من المدنيين الذين ذهبوا ضحية القمع والانتقام الذي مارسته السلطات الاستعمارية كرد فعل على هذه الهجومات. من واجب المؤرخين ومن حق الأجيال معرفة كل التفاصيل عن هذا الحدث الكبير الذي ساهم في بعث الثورة من جديد بعد أن كانت فرنسا تدعي أنها قاب قوسين أو أدنى من القضاء عليها في الأوراس كما كانت تروج. هجومات الشمال القسنطيني تستحق أيضا الدراسة من جميع الجوانب خاصة منها العسكرية والتخطيطية، و السياسية والدبلوماسية، ويستحق أبطالها أن تسلط عليهم الأضواء، ولحد الآن وبعد 61 سنة من وقوعها لم ننتج أي فيلم سينمائي خاص بهذه الأحداث، أو أشرطة وثائقية عن أبطالها ومخططيها خاصة منهم الشهيد البطل زيغود يوسف، والجميع هنا يبدو مقصرا في هذا الجانب، إذ علينا اليوم الابتعاد عن استذكار الذكرى والمرور عليها مرور الكرام عند كل 20 أوت من كل سنة.
لقاء الصومام و إعادة تنظيم هياكل الثورة والتنسيق بين قادتها
بالنسبة للحدث الثاني و هو مؤتمر الصومام، هو حدث بارز أيضا في تاريخ الثورة ومحدد كبير لمصيرها بعد ذلك، وهو الذي نظم الهياكل العسكرية والسياسية للثورة التحريرية، وحددت الأرضية التي انبثقت عن الاجتماع الأهداف التي يجب تحقيقها في المراحل القادمة من الكفاح المسلح، و الوسائل التي يجب استعمالها لتحقيق هذه الأهداف. وفي الجانب التنظيمي الخاص بجيش التحرير أقر لقاء الصومام الرتب الخاصة بعناصر جيش التحرير، وتنظيم الوحدات وفق النظم والتسميات العسكرية الحديثة، أما في الجانب السياسي فقد أنشأ لجنة التنسيق والتنفيذ التي تعتبر بمثابة حكومة مصغرة للثورة، وهي التي مهدت لإنشاء الحكومة المؤقتة بعد ذلك في 19 سبتمبر من العام 1958، و أنشأ كذلك المجلس الوطني للثورة التحريرية الذي يعد بمثابة برلمان للثورة.
يبدو أننا اليوم بحاجة لقراءة هذا الحدث قراءة متأنية صحيحة بعيدة كل البعد عن الأحاسيس والعواطف، ويبدو أن الوقت حان لإخراج ونشر كل الوثائق والمحاضر الخاصة بمؤتمر الصومام، لأنها وحدها الكفيلة بلجم كل نقاش غير منطقي وغير صحيح في هذا الجانب ومن أي طرف كان. وحدها الوثيقة بالنسبة للأحداث التاريخية من يستند إليها ويؤتمن بها، وهي الناطق الرسمي للتاريخ بالنسبة لأي حدث، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوز وثائق وبخاصة محاضر اجتماع الصومام لمعرفة ما دار بين القادة الذين حضروه، وما قيل عن الذين لم يحضروا، وما نوع النقاش الذي دار طيلة أيام الاجتماع، وما هي طبيعة الخلافات التي نشبت بين قادة الثورة الذين حضروا، وطبيعة التفاهمات التي وقعت، ونقاط الاختلاف التي لم تحسم في هذا الاجتماع.وحدها الوثائق كفيلة هنا بإعطاء الصورة الحقيقية عن لقاء الصومام، وبالتالي إبطال كل ما يقال عنه سواء من هذا الطرف أو ذاك، و بعدها يوضع الحدث برمته في ميزان التاريخ ليحكم عليه وعلى الاشخاص الذين صنعوه، وعلى القرارات التي اتخذت خلاله.ومهما يقال عن اجتماع وادي الصومام فإنه كحدث تاريخي يبقى بارزا ومفعوله على مسار الثورة بعد ذلك يبقى واضحا للجميع، ثم إن هذا المؤتمر ما هو سوى حلقة من حلقات الثورة ومن محطات الشعب الجزائري، و على الجميع أن يضعه في سياقه التاريخي حتى يحسن قراءته، ولا ضير أن تكون له سلبيات كما الايجابيات الكثيرة التي منحها للثورة وبخاصة منها تنظيم جيش التحرير الوطني، وإعادة بعث التنسيق بين قادة الثورة وبين الولايات التاريخية.
محمد عدنان
هجومات 20 أوت 55 بقالمة
الـقرى تسبـق الـمدن الكـبرى و الاحتــلال ينـتقـم بـقتـل أكـثر مـن 2000 شهـيد
صنعت القرى الجبلية بقالمة الحدث يوم 20 أوت 1955 و كانت السباقة إلى إشعال نار الانتفاضة المسلحة بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة المقدسة، و قرر سكان المناطق الريفية النائية الانتقال من العمل السري الداعم للثورة إلى المشاركة العلنية في العمليات المسلحة التي جرت في ذلك اليوم التاريخي المشهود الذي غير مسار الأحداث و أربك العدو الذي كان يعمل على إجهاض الثورة في بدايتها من خلال التضييق على المجاهدين بعدة مناطق من الوطن و عزل الشعب و دفعه إلى التشكيك و عدم الإيمان بقدرة من كان يسميهم بـ «الخارجين عن القانون» على تأجيج الثورة و تحقيق إنجازات على الأرض. استجابت الأرياف و القرى المعزولة لنداء الثورة، و احتضنت الاجتماعات السرية التي سبقت الهجوم و أمدت المجاهدين بالرجال و المؤن و الأسلحة لتحقيق أهداف الهجوم التاريخي الذي كان بمثابة تحد كبير للاستعمار بجيشه و معمريه المسيطرين على الأراضي في كل مكان و الذين تحولوا إلى أهداف للثوار في واحدة من أخطر العمليات التي تقوم بها الثورة الفتية في مواجهة ترسانة عسكرية شديدة البأس. يقول الباحث و المؤرخ محمد شرقي في تصريح للنصر، بأن الهجومات بقالمة تمت على مرحلتين، الأولى يوم السبت 20 أوت 55 و شملت العديد من القرى الجبلية النائية، و الثانية يوم الأحد 21 أوت 55 ، و شملت مدينة قالمة و كانت متزامنة مع السوق الأسبوعي الكبير، مضيفا بأن ثكنات الجندرمة و مزارع المعمرين كانت هدفا للمجاهدين الذين شنوا الهجمات في وضح النهار و تحدوا قوات الاحتلال في واحدة من أهم العمليات الكبرى التي قامت بها الثورة في الأشهر الأولى من بدايتها. وحسب الباحث المتخصص في تاريخ الثورة بمنطقة قالمة، فإن هجومات اليوم الأول شملت قرى بوحمدان (طاية)، عين رقادة، بوعاتي محمود، الفجوج، الركنية، حمام دباغ عين احساينية، هليوبوليس و وادي الزناتي في حين تخلفت مدينة قالمة عن الهجومات لأسباب ربما تتعلق بالتنظيم و سوق الأحد الأسبوعي الذي اعتبر كعامل مساعد على نجاح الهجوم على المدينة الكبيرة التي كانت تظم مرافق حيوية للعدو و عددا كبيرا من المعمرين و القادة العسكريين.
و حسب الشهادات و المصادرة التاريخية المحلية التي تتحدث عن الهجومات التاريخية بقالمة، فإن ما لا يقل عن 12 مدينة و قرية قد شملها الهجوم بمرحلتيه الأولى و الثانية بعد عملية تخطيط بدأت في أوائل اوت من سنة 55 قرب جبال بوعربيد الشهيرة الواقعة غرب قالمة على تخوم ولايتي سكيكدة و قسنطينة.
المعمرون اعلنوا الركنية قرية للبيع بعد هجمات 20 أوت 55
و كانت مزارع المعمرين و ثكنات العدو هدفا صريحا للثوار المسلحين ببنادق خفيفة يدعهم المواطنون الذين قرروا المشاركة في الهجوم و مساندة الثورة و تحطيم ممتلكات المعمرين و خطوط الإمداد من طرقات و جسور و خطوط اتصال و محطات بنزين و مطاحن كما حدث ببلدية الركنية حاليا أين تمكنت 3 مجموعات من المجاهدين من ضرب الثكنة العسكرية و هي اليوم مقرا للدرك الوطني و مازالت عليها آثار الرصاص من 20 أوت 55 إلى اليوم، كما أحرق المهاجمون مطحنة دقيق يملكها أحد المعمرين لكنهم عجزوا عن تدمير محطة البنزين.
و لم يسقط ضحايا من الجانبين بالركنية لكن أثر الهجوم كان كبيرا و بث الرعب في نفوس المستوطنين الذين قرروا فيما بعد إعلان الركنية قرية للبيع بعد أن أصبحت عرضة لهجومات الثوار بعد 20 اوت 55 انطلاقا من جبال القرار، مرمورة، مليلة، دباغ و بوعربيد.
و بقرية طاية بلدية بوحمدان حاليا تمكن أفراد جيش التحرير و مواطنون من شن هجوم على خط السكة الحديدية و الحقوا به خسائر كبيرة، و بوادي الزناتي المدينة العريقة كان الثوار على موعد مع التاريخ يوم 20 أوت 55 بقيادة رابح بلوصيف و شنوا هجوما عنيفا على معاقل العدو و دارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين أسفرت عن سقوط عدد كبير من الشهداء و من قوات العدو و المعمرين المسيطرين على إقليم القمح بسهل الجنوب الشهير. و غنم المهاجمون كمية معتبرة من الأسلحة الخفيفة قبل الانسحاب إلى الجبال المجاورة.
و بقرية عين رقادة، و هي اليوم بلدية على حدود ولاية قسنطينة هاجم الثوار مزارع المعمرين و أضرموا فيها النيران و قتلوا اثنين من المعمرين على الأقل، و تعد هجومات عين رقادة امتدادا لهجومات عين اعبيد و الخروب بولاية قسنطينة.
و توسعت هجومات 20 أوت 55 بقالمة إلى أقصى شمال الولاية عندما شن الثوار و المواطنون هجوما ببنادق الصيد على فرقة لجيش العدو و لم تتحدث المصادر التاريخية عن سقوط ضحايا من الجانبين، غير أن الهجوم الأكثر دموية شمال قالمة كان بقرية الفجوج و هي بلدية حاليا حيث قتل الثوار عددا من المعمرين و غنموا أسلحة قبل الانسحاب.
و غير بعيد عن الفجوج تعرضت مدينة المعمرين المفضلة هليوبوليس إلى هجوم كاسح قاده البطل سي صالح الحروشي و نائبه قرور محمد و استهدف الهجوم مقر البلدية و مركز البريد.
و بقرية حمام دباغ المدينة السياحية حاليا هاجم سكان المشاتي فنادق و محطات معدنية يملكها المعمرون و قتل اثنين من المهاجمين قبل الانسحاب، و شنّ العدو حملة اعتقالات مكثفة ضد سكان المشاتي المشاركة في الهجوم و سجن الكثير من أبنائها الذين قرروا المشاركة في الهجوم و دعم الثورة المقدسة.
هجمات اليوم الثاني كانت الأكثر دموية بقالمة و عين العربي
واصل قادة الثورة بقالمة تحديهم للعدو و قرروا مواصلة الهجمات لليوم الثاني على التوالي رغم حالة الاستنفار القصوى التي اعلنها العدو عقب هجمات اليوم الأول بالقرى النائية، و كانت قرية عين العربي التي تحمل اسم المعمر «قونو» آنذاك هدفا لعمل تاريخي كبير قادته مجموعة من خيرة الثوار بالمنطقة بينهم عبدي مبروك و دحمون الطاهر.
و سبقت الهجوم عمليات واسعة لنشر الوعي بين سكان المشاتي و حثهم على المشاركة و تقديم الدعم للثوار، و اقتنع عدد كبير من سكان المشاتي بالمشاركة في الهجوم على عين العربي بثلاثة أفواج حاصرت القرية من مواقع مختلفة لإرباك العدو و تشتيت قوته. و استهدف الهجوم ممتلكات و خطوط الهاتف و قوات الجندرمة و بثّ الرعب وسط المعمرين الذين احتموا بثكنة الدرك خوفا من المهاجمين الذين حاصروا عين العربي إلى ساعة متأخرة من الليل. و عقب الهجوم قدمت تعزيزات كبيرة من مدينة قالمة لفك الحصار على عين العربي و تم قصف القرى و المشاتي و اعتقال عدد كبير من المواطنين و قتلهم. و كان الهجوم على مدينة قالمة يوم 21 أوت 55 الأكثر دموية، و تشير بعض المصادر إلى أن عدد الضحايا من الجزائريين اقترب من الفي شهيد، و جرت أحداث كثيرة شبيهة بأحداث ماي الأسود من سنة 45 وسط شوارع المدينة و استعملت قوات العدو كل ما لديها من أسلحة بينها دبابات و مدافع رشاشة لصد الهجوم و اقتحام المنازل و المحال التجارية و قتل كل من يصادفها من الجزائريين العزل. و قد ساعدت هجومات 20 أوت 55 بقالمة على اتساع رقعة الثورة و زيادة عدد الملتحقين بها من المدن و القرى الجبلية و المشاتي التي ظلت حصنا منيعا للثورة حتى الاستقلال.
فريد.غ
الباحث في التاريخ الدكتور عامر رخيلة للنصر
هجومات 20 أوت أكدت الطابع الشعبي للثورة وساهمت في إسماع صداها للعالم
• مؤتمر الصومام زوّد الثورة بمؤسسات تنظيمية واستراتيجية عسكرية وسياسية
أكد الباحث في التاريخ الدكتور عامر رخيلة، أن هجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 تعتبر منعرجا حاسما في تاريخ الثورة، حيث أنها أعطت نفسا للثورة التحريرية من خلال تأكيد طابعها الشعبي، كما أنها ساهمت في تدويل القضية الجزائرية على مستوى الأمم المتحدة وإسماع صدى الثورة التحريرية في العالم .
وأفاد الدكتور عامر رخيلة، في تصريح للنصر، أمس، أن هجومات 20 أوت 1955 كانت حدثا تاريخيا كبيرا ، أعطى نفسا للثورة التحريرية من خلال تأكيد طابعها الشعبي بإقدام الشهيد زيغود يوسف على إشراك المواطنين المدنيين في القيام بهجومات على مراكز الشرطة والدرك وبعض الثكنات ومراكز المستوطنين وكانت الغاية منها - كما اضاف- تأكيد الطابع الشعبي للثورة و القضاء على ذلك الحاجز النفسي المتمثل في الخوف من الآلية الفرنسية والمستوطنين الأوربيين، موضحا في هذا الإطار أنه كان لابد من كسر هذا الحاجز النفسي من خلال إدماج المواطن في العمل الثوري.
وأضاف رخيلة، أن هذه الهجومات مكنت من زيادة عدد جنود جيش التحرير الوطني في منطقة الشمال القسنطيني، حيث أن عددهم كان لا يتجاوز 100 جندي ونتيجة لمشاركة الأفراد والمواطنين وإدماج الشعب وإدخاله في الصراع المباشر ومشاركته في الهجوم، مما أدى ارتفاع عدد المجندين إلى المئات ، ومن أهداف هذه الهجومات أيضا -يضيف المتحدث - إعطاء البعد المغاربي للثورة من خلال تأكيد التضامن مع الشعب المغربي الذي كان مستعدا لتنظيم مظاهرات بمناسبة مرور الذكرى الثانية لإبعاد الملك المغربي محمد الخامس إلى مدغشقر، إضافة إلى رفع الضغط الذي كان يمارس على المنطقة الأولى، الأوراس كما أشار إلى البعد الدبلوماسي حيث كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة ستنعقد في دورتها العاشرة وكان لا بد من إيصال صوت الثورة إلى أروقة الأمم المتحدة وقد ساهمت هذه الهجومات في إسماع صدى الثورة التحريرية في العالم وتدويل القضية الجزائرية.وأوضح الباحث من جهة أخرى، أن مؤتمر الصومام يعد محطة متميزة ومفصلية في مسار الثورة بالرغم من المشاكل التي أثارها و الاختلافات حوله. و أضاف أن المؤتمر كان اجتماعا دام لمدة لا تقل عن 15 يوما عبر جلسات عديدة في شهر أوت 1956 حيث يعتبر محطة مفصلية في مسار الثورة بالرغم من التعاليق حول الوثيقة الصادرة عن اللقاء، مشيرا إلى ما قدمه المؤتمر للثورة التحريرية من حيث تزويدها بمؤسسات تنظيمية وسياسية وعسكرية والتي كانت مهمة جدا في مرحلة تعد بالنسبة للثورة التحريرية في 1956 سنة مفصلية لأنها - كما أضاف- السنة التي تعزز فيها التنظيم، من خلال الاتحاد العام للعمال الجزائريين و ميلاد اتحاد التجار وهي السنة التي يمكن القول كانت بداية حسم الصراع في الهجرة وبالتحديد في أوروبا لصالح جبهة التحرير الوطني. كما أنها السنة التي انعقد فيها مؤتمر الصومام الذي زود الثورة بمؤسسات تنظيمية واستراتيجية عسكرية وسياسية من خلال إجرائه لتقييم شامل للفعل الثوري ولمؤسسات الثورة من نوفمبر1954 إلى أوت 1956 أين وقف على مواطن الضعف والجوانب الإيجابية التي تحتاج إلى تدعيم ، مضيفا في السياق ذاته، أنه يمكن القول أن أرضية الصومام هي التي زودت الثورة بمنهاج عسكري وسياسي مكنها من التعامل مع المتغيرات التي عرفتها المعركة سواء داخل الجزائر أو على الصعيد الدولي، موضحا في هذا الصدد أنها أولا مكنت الجزائر من مواجهة مناورات السلطات الفرنسية، لاسيما في المرحلة «الديغولية». كما أنها مكنت جيش التحرير الوطني من تنظيم موحد من خلال ترقية المناطق إلى ولايات وإحداث الولاية السادسة وإقرار أن أعلى رتبة في جيش التحرير الوطني هي رتبة عقيد ويكون قائد الولاية برتبة عقيد، مما مكن من إعادة تنظيم جيش التحرير الوطني ووحداته وضبط الرتب العسكرية وتحديد الرواتب والعلاوات التي تمنح للعاملين في الثورة سواء المجندين في جيش التحرير الوطني أو المناضلين المدنيين وكذا أرامل الشهداء.
كما أولت وثيقة الصومام - يضيف المتحدث- الإعلام عناية خاصة باعتباره سلاحا فعالا في المعركة، معتبرا أن هذه الوثيقة بمثابة تعميق للمبادئ التي تضمنها بيان أول نوفمبر 1954 لاسيما فيما يتعلق بالمفاوضات، والتي يجب أن يكون هدفها استرجاع الجزائر لاستقلالها السياسي وأن يكون الاستقلال محترما لوحدة التراب الوطني ووحدة الشعب الجزائري وأن يكون التمثيل واحدا وهو جبهة التحرير الوطني ومحاربة أي محاولة لخلق قوة ثالثة في أوساط الجزائريين أي بمعنى - كما قال - أن مؤتمر الصومام على غرار أدبيات الثورة التحريرية رفع شعار من لم يكن مع الثورة فهو ضد الثورة .من جهة أخرى، أشار الدكتور رخيلة إلى وجود بعض الخلافات السياسية التي كانت بين بعض قادة الثورة قبل انعقاد المؤتمر ولاسيما بين الوفد الخارجي وجماعة العاصمة، مضيفا أن نتائج مؤتمر الصومام زادت من تعميق هذا الخلاف لأن الوفد الخارجي لم يحضر جلسات المؤتمر .
و أكد المتحدث على ضرورة بعث الحوار والنقاش حول مختلف القضايا التاريخية، وقال أنه على صانعي الأحداث التاريخية وكل من يملك حقائق تاريخية أن يقدمها للمناقشة اليوم فقد حان الوقت - كما أضاف- لإجراء الحوار والنقاش حولها باعتبار أن الجزائر أصبحت محصنة والمجتمع الجزائري محصن وهو ما يمكننا من مناقشة النقائص المسجلة في الثورة وأيضا أخطاء الاشخاص وحتى تجاوزات الأفراد على حد تعبيره .
مراد - ح