الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق لـ 20 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

بؤسٌ في الحضارة

تحوّلت نهائيات كأس العالم الجاريّة في قطر إلى ميدانِ حربٍ رمزيّةٍ كشفت عن عنفٍ كامنٍ  في الحضارة الإنسانيّة الراهنة يتغذى على إرث من الصراعات، مدفوعًا برهاناتٍ سيّاسيّة واقتصاديّة أحاطت بتظاهرةٍ تجاوزت طابعها الرياضي.

وبلغ الأمرُ بأممٍ أوروبيّة معذّبة بتراجعِ أسهمِها على المسرحِ الكونيِّ، إلى استدعاء تاريخها الاستعماري والاستنجاد بقاموس عنصري لوصف البلد العربي "الصغير" الذي تجاسر على اللّعب في ساحة الكبار، ولم يكن ظهور مشجعين إنجليز في زي الجنود الصليبيين في قطر، سوى حلقة أخيرة في سلسلة من حملةٍ شنّتها وسائلُ إعلام غربيّة لم يتردّد بعض مُمثليها في التعبير عن  ازدراء ثقافة ودين مستضيف المونديال، مثلما فعل صحافي فرنسي  وهو يؤكد انزعاجه من كثـرة المساجد.
وقد تم استخدام "الذريعة الإنسانية" في هذه الحملة من خلال حديث مكثّف عن ظروف عمال مرافق كأس العالم، قبل أن يتم إخراج "علم الرينبو" لإحراج "المسلمين" الذين يرفضون الاعتراف بحقوق المثليين.
 و بلغت "المنازلة" أوجها حين استغلت وزيرة الداخلية الألمانية حصانتها الدبلوماسية لإخفاء الشارة التي مُنع قائد منتخب بلادها من ارتدائها قبل إظهارها في المدرجات، كما قام اللاعبون الألمان بالاحتجاج على ما اعتبروه قمعًا لحريّة التعبير من خلال وضع الأيدي على الأفواه عند أخذ الصوّر في مباراتهم الافتتاحيّة وهو ما ردّ عليه مناصرون عرب بحمل صوّر اللاعب الألماني مسعود أوزيل الذي تعرّض لمضايقات بسبب إسلامه ومناصرته للمسلمين.
وبالطبع فإن إسرائيل ستدعو نفسها إلى هذا المحفل من خلال مراسلين صحافيين ذهبوا للبرهان على "كراهيّة" العرب لهم، في مسعى يتقاطع مع المسعى الغربي للتأكيد على عدم جدارة العرب بتنظيم تظاهرة في قيمة كأس العالم.
وإذا كانت كرةُ القدم هي التعويض الرّمزي عن "الحروب المفقودة" بين الأممِ، فإنّ السّجال الحاصل يخفي حربًا أخرى في سوق الجدارة، لا يمكن إنكار طابعها الديني في ظل عودة الأصوليات والقوميات في الغرب قبل الشّرق، وتآكل القيّم التي كثيراً ما قُدمت كنموذج للإنسانيّة جمعاء، تحت ضغط المصالح الذي بعث النزعات الكولونياليّة وهوس التفوّق والسيطرة، وانتهى بحروب عبثيّة تحت عنوان التبشير بالديمقراطية، وربما كان توحّد أبطال الحروب ذاتها تحت راية قوس قزح ، أقسى تعبير عن مأزق حضاري!

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com