صدم فوز مسلم باكستاني الأصول برئاسة بلدية لندن الفرنسيين وأثار استغرابهم إلى درجة أنه تحول إلى موضوع أثير للنقاش في مختلف وسائل الإعلام الفرنسية التي استغربت ما حدث، تماما كما استغربت تصويت لاعبي الرابطة الممتازة في ذات البلد لصالح اللاعب الجزائري رياض محرز كأحسن لاعب في البطولة.
الاستغراب لم يتوقف عند الصحفيين والسياسيين العنصريين من طينة روبير مينار الذي كان يحبه “ثوار” الصحافة الجزائرية، قبل أن يغادر “مراسلون بلا حدود” إلى رئاسة بلدية بيزيي وينزع قناعه كاشفا عن وجه عنصري قبيح، بل وصل إلى الفلاسفة، حيث أدلى نزيل الأكاديمية الفرنسية وفيلسوف النقاء العرقي آلان فينكلكروت أمس بتصريحات صادمة اعتبر فيها فوز صادق خان نتيجة للحظوة التي بات يتمتع بها ذوي الأصول المتواضعة في المدن متعددة الثقافات، وفسر هزيمة منافسه اليهودي زكريا غولدسميث بهذا التوجه الذي يجعل من الانتساب إلى الطبقة الثرية عائقا في ممارسة السياسية، مؤكدا أن وينستون تشرشل ذاته ما كان ليحظى بمكانة في لندن اليوم.
نعم، هذه هي فرنسا اليوم، بلاد الأخوة والمساواة التي تغضب من فتح ألمانيا الأبواب للاجئين العرب وتغضب من فوز مسلم برئاسة بلدية في الغرب أو اختيار عربي كأحسن لاعب كرة قدم، فرنسا التي تطرد لاعبا من منتخبها لكرة القدم بسبب أصوله وديانته وتتفق صحافتها و ساستها ونجوم رياضتها على إدانته قبل محاكمته، فرنسا التي يتسيد مشهدها الثقافي يهود متطرفون يدعون إلى الحروب والتصفيات العرقية و يقدم لهم الإعلام منابره ويتصيد كل من يخالفهم الرأي في مكارثية جديدة لا نظير لها في أوروبا وفي الغرب بأسره. فرنسا هذه هي التي نتخذها نموذجا ونقع تحت هيمنتها الثقافية منذ عقود طويلة، ونجبر أطفالنا على تعلّم لغتها ونحرمهم من تعلّم لغة العالم كي تبقى وحدها لا تنازعها لغة على ألسنتها.
لقد أثبت البريطانيون، مرة أخرى، أنهم سادة الغرب بديمقراطيتهم التي لا تشوبها شائبة وبانفتاحهم وإنسانيتهم التي جعلتهم لا يغلقون الأبواب في وجوه الهاربين من الحرمان والديكتاتوريات ومطاحن العنصرية.
فمتى تنتبه نخبنا السياسية إلى أن فرنسا التي نتخذها نموذجا، تحتضر الآن وتعيش على ذكريات قابلة للنسيان، وأن الوقت قد حان لأن نضعها في منزلتها الحقيقية في اللسان وفي الميدان.
سليم بوفنداسة