سأخلعك. قال له سأخلعك وأمضي دونك خفيفا بلا إثم ولا لقب. سأنساك و أتسلّق طريقي إلى السحابة الأولى. إلى العش الأول. إلى العنزة الأولى. إلى فخّ ننصبه لهدهد نلقي به مسحوقا في أثر الفتاة العنيدة فتأتينا. إلى لُبان ذكر نعلّقه مع التميمة في مهب الريح فتمكننا الجِنّةُ مما نريد. إلى الجبّانة حيث يتزاحم الموتى على ظل الشجرة في قيلولتهم. إلى المساء الطويل يتسلى بالحديث إلى نفسه. إلى صباح اللقلق، حيث لا جرائد تأتي بأخبار الموت وتصون أسرار القتلة، ولا شرطي يهش الدواب المعدنية.
سأخلعك. يقول له سأخلعك لأكف عن الندم وأمضي طليقا ، لا يناديني أحد ولا أنتظر. أنساك و أتسلى بعدّ العابر من الطير والباقي من الأثر. لا أتمنى ما لا أدركه. لا أحن. لا أرى الأحياء ينتظرون الموت بضجر. لا أرى الجنازات الفاخرة. لا أرى جنودا يخوضون حربا لا تعنيهم. لا أرى لغة منتكسة. لا أرى النساء والرجال في حلبة السيرك. لا أرى القرد يضحك. ولا أرى الكلب في موضع البكاء يبتسم. لا أجرّب. لا أحتمل. لا أصبر على السحابة حتى تعبر. لا أسمع الشيطان في لغتي ولا ألعنه. لا أرى الخرائط والمدافعين بالسكاكين عن الخرائط. لا أرى الغزاة والوسطاء. لا أرى الجانحين إلى السلم ولا دعاة التدخل. لا أرى خونة محتملين ولا نساءهم المترددات أمام الفرصة. لا أرى الأطفال النافرين عن السلالة ليس بسبب التغذية الجيدة كما يدعي آباؤهم بألسنة مذعورة ولكن لأسباب أخرى خارجة عن نطاق الأطفال وعن نطاق آبائهم.
سأخلعك. يقول ويطفئ وعيده بابتسامة لا تُرى. يسخر من نشرات الأخبار وعناوين الصحف. و يقول كلما رأى أحدهم أمام ميكروفون الخطابة: لم ينل حظه كاملا من حليب أمه.
لا يلتفت. يغمض عينيه ليسمع وقع الأشياء. يعرف أن الأشياء تكرّر نفس الصوت حين تسقط، الأشياء كالناس. صوت مكرّر في السقوط يلقي بتبعات حاله على غيب أساء تصريف الأمر وينفرد بأكل غلّة المجد.
سأخلعك. يقول رجل لاسمه سأخلعك لأستريح. شاخت الخطى ولم تزل تركض أمامي ككلب يوهم صاحبه بصيد لا أثر له. سأخلعك يقول ويمضي متمتما كمن يحدث نفسه في أمر لا يعني أحدا سواه.
سليم بوفنداسة