الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

مستحضرات

تحتاج إلى أكثر من حياة، لأنها حياة أخرى لذلك يقال أن الضالعين في إثمها لا ينالون إلا واحدة منها، حتى وإن عدّدوا في غرامها الأسماء. هي كتاب الكائن المقدس. هي انتباهه إلى العالم واختصاره تدوينا.
فيها تبوّب النزوات ويُصنّف الألم وتُحشر الكائنات وفق مشيئة، هي مزاج "صاحبنا" وعبثه وانتقامه من حياة جرت عكس هواه. لذلك يحمل عرشه إلى الماء ويشرع في بناء حياة بديلة قوامها اللغة المستخلصة من محلول الحيلة المتبّلة بمسحوق التنكر تضاف إليها مستحضرات التلميح المعروفة باسم "الفن" الذي هو ضرب من علوم المكر التي تجعل الأشياء معروفة دون الحاجة إلى تسميتها.
لا يمكن أن يكون الطبّاخ هنا مجرّد أجير يُطعم حاجته بما يثيره صنيعه من شهوات لدى الجياع، لأن ربّ الطبخة مُطالب باختراع أكلة لا نظير لها تُعد مرة واحدة وتؤكل في كل الأوقات، من ميزاتها  أنها تضلّل النسّاخ  الذين لن يهتدوا أبدا إلى تكرار مذاقها.
يحتاج من يقترفها إلى حياة كاملة: سريعة، مختصرة أو مضغوطة كي يخبر دورة الأشياء فلا يتلعثم على الأبواب وتضيع مقاصده كأي "بريكوص" يسرّع خياله تحصيل المتع فيضيعها!
يحتاج إلى حطب من كلّ الجهات. يحتاج إلى صمت ينمو فيه ويموت امتثالا لنواميس القيمة التي تضيق بالضجيج.
لا خوف على الطبخة، إذا،  من المتجاسرين الذين يعرضونها على حواف الطرقات. لا خوف على الرواية مادامت هناك قلّة تصون هذا الفن وتحميه من كبار تجار السوق العربية الذين يشترون الأثر والرؤوس تعويضا عن "افتقاد الشيء" ومحاولة لكسب وجاهة يوفرها الفن، فاستدرجوا كتاب الحوادث إلى أرض الرواية المباركة بجوائز مختلة الموازين في قراءة هذا الفن العظيم، تماما مثلما استدرجوا الشعر إلى منابر التباري أمام جماهير التلفزيون المفتونة بالسجع.
وحتى وإن كان الطموح إلى استقامة في الأدب يبدو غير معقول في حياة تفتقد إلى الاستقامة، فإن المقاومة تبقى مشروعة في هذا المجال الحيوي المهدد  بسخاء المانحين شرقا وغربا، شرقا بالجوائز  ووعد الدراما  وغربا بشرط "التصهين" الذي أصبح جواز عرب الكتابة الطامحين إلى اعتراف عالمي والذين أصبحوا يجدون الأنصار الصغار  بين الكتاب والصحافيين الراغبين في الظهور في المشهد، كتاب يشتمون أنفسهم في مذابح الإعلام الفرنسي ويقدمون طقوس الولاء لفيلسوف النقاء وأتباعه من حراس المعبد في بلاد الحرية. 
سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com