السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق لـ 21 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

سقوط العسكراتية

لن يكون منظر عساكر تركيا وهم يقتادون في وضع مهين لتقديم الحساب مجرد مؤشر على فشل انقلاب عسكري في هذا البلد، بل سيكون إعلانا عن نهاية حقبة تحكم فيها العسكر في مصائر شعوب وإعلانا عن سقوط نخب أسطرت الجيوش، أيضا.
وإذا كان ما حدث في مصر قد  أيقظ شهوات الحكم لدى نخب عسكرية في بلدان عربية، فإن ما حدث في تركيا سيطفئ هذه الشهوات ويسكت بعض الأصوات التي أصبحت تجد  الكلمات للدعوة إلى انقلاب عسكري في وسائل إعلام عربية (طبعة ما بعد الربيع الذي لم يكن ربيعا). هذه الأصوات حاولت أن تلعب نفس الأدوار التي لعبها مثقفون وإعلاميون في المراحل الأولى من البناء غير السليم للدول الوطنية، حيث روّجت خطابات مضلّلة لأنظمة استبدادية تم استنباتها في مواقع الاستعمار لتتحول إلى عبء يعيق تطور المجتمعات العربية ويحول دون دخولها في التاريخ الحديث. ومع اكتشاف هشاشة البناء تلجأ “نخب” إلى أرشيف الديكتاتوريات لتستخرج مقولات “بديعة” عن ضرورة تولي عسكريين قيادة الأمة لحساسية المرحلة  التي تتميز بتهديدات وتحرشات بالاستقلال الوطني أو لفشل الطبقة السياسية و محدوديتها.
و بالطبع ستظل المؤسسات والنخب العسكرية معصومة من الخطأ وغير قابلة للحساب أو المساءلة حتى في حال فشل سياسات الدفاع التي تسطرها و حتى عند ضياع الاستقلال. وقد تحول العسكر في هذه البلدان إلى نواة صلبة يُدار بها الحكم إلى درجة أنه أصبح مصدرا لإثارة الخوف وليس لإشاعة الأمان معززا البنية الأبوية لمجتمعات حُرمت من فضائل الحرية و التنمية و الرفاه، بحرمانها من الديمقراطية التي تتيح لها اختيار من يحكمها وتنحيته بطريقة سلمية لا ضرورة فيها  لسقوط مئات الآلاف من القتلى.
ولأن محاولات التحول نحو الديمقراطية لم تبتسم لغير الإسلاميين، فقد تم الإبقاء على دور حارس المعبد للعسكر في البلدان التي عرفت التجربة، حارس  تحول إلى سلطة ضبط للدول والمجتمعات.
و اللافت أن الجيش التركي أصبح في العقود الأخيرة  نموذجا  يشير إليه بافتتان ساسة ومثقفون عرب، على اعتبار أنه يحمي الديمقراطية ويحافظ على علمانية الدولة، حتى وإن كان العرب لا يحصون ديمقراطية تحتاج إلى حماية أو علمانية تُصان.
غير أن فشل الانقلاب في تركيا قدم نموذجا جديدا للعرب المعذبين، نموذج الشعب الذي يحافظ على اختياره، وقدم قصة مفادها  أن الديمقراطية ستحافظ على نفسها بنفسها إذا كانت “حقيقية”. 

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com