لا يتأخر عن الشكوى في كلّ المناسبات التي تتيح له فرصة ذلك، وحتى في المناسبات التي لم تتح له الفرصة كان يفعل. أشهر غضبه على جميع الذين لم يفهموا «مشروعه». على الذين يقفون في طريقه. على الذين تمتدّ ألسنتهم الخبيثة إلى اسمه في الظلام. على الذين يغارون. على الذين يُظهرون المودة ويبطنون عكسها. على الذين يتجاهلون. على الذين لا ينتبهون. على الذين في قلوبهم مرض. أشهر غضبه على النظام والمعارضة. على المجتمع. على الجيران على كلّ ما يتحرّك في هذه البراري التي أكد مرارا أن نواميس الحياة فيها تحتاج إلى تغيير جذري.
هدّد بالانصراف. هدّد بالانتحار. صرخ. صمت. لم يحدث شيء. تواصلت الحياة خارجه وفق ما تدبرته لتصريف الوضعيات والمصائر.
السيد «المثقف»(ومعك السيدة المثقفة دون تمييز)، صحيح أن نواياك حسنة لكن عليك الانتباه إلى أن أزمنة ادعاء النبوّة انتهت، عليك الانتباه إلى أن المجتمعات الجديدة اخترعت رموزها وأن حظك في لفت الانتباه بما تقوله يكاد يكون معدوما وسط كل هذه الأشياء التي تلفت الانتباه. و أخطر من ذلك أنك إن تمسكت بأقوالك ستضع نفسك في موضع يثير الشفقة والضحك. لذلك، يستحسن ألا تتمسك وتنصرف دونما غضب لتتنفس الهواء كما هو. يستحسن أن تذهب لتفلح حياتك الصغيرة بدل تضييع الوقت في ترصّد ديناميكية الجماعات، ثم إن كان لابد وأن تكتب شيئا، أكتب بلا ضجيج، فالكتابة تحب الصّمت، كما تعلم، أنت المولع بالسيّر!
لا تعتبر هذا الكلام محاولة للمس بمكانتك أو الإساءة إليك. لا تعتبره تطاولا. هي فقط محاولة، قد تكون غير مجدية، لدفعك إلى النظر خارجك. نعرف أنك لا تحب الخارج. لكن الخارج موجود، حتى وإن كان ذلك من دواعي الأسف، و في الخارج توجد أشياء في وضعيات قد تكون مخالفة للوضع الذي تصورتها عليه، ووجب تذكيرك أن النظر يحتاج إلى أدوات وحدسك، هنا، لا يكفي مثلما لا تكفي موهبتك.
ثم أن الحياة قليلة وأنت تقسو على نفسك، لا بد أن تعيش وتستمتع ولا تترك الغضب يفسد شهيتك، وفي هذه الحياة التي لا تعبرها وحدك (السيد المثقف ومعك السيدة المثقفة المذكورة أعلاه) عليك الانتباه إلى بعض التفاصيل، وضعية حذائك مثلا، لا تتعبه كما أتعبتك الدنيا، لا تخض بخفّ في الثلج (جدك سيبويه لم يعثر بعد على خفه المخفي في الرمل) ولا تحمّل نفسك ما لا طاقة لها ولك به، وأعلم أنك إن لم تفعل ستتعبُ كثيرا ولن يراك أحد!
سليم بوفنداسة