الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

نزول

سأنزل. قال. سأبتعد عن الضجيج كي أراني واضحا كما كنت في الخطوة الأولى. سأتخفّف من الأصوات و الطيبين والطيبات، وأحذف الكلمات من قاموسي. أحذف الضرورات والمحظورات. أحذف الأثر  و ظل الشبح الخائف على الزجاج. أحذف الموتى الذين يرفضون المغادرة والأحياء الذين لا وجود لهم. أحذف المناسبات السعيدة والجرح الصغير المهمل الذي لا يظهر منه سوى ألم غامض لا يتوقف عن الدوران. أحذف الألم الغامض وأسباب نزوله. يكفي أن أضغط على الزر موافقا كي يلتهم العدم الأطباق المرصوفة على الشاشة كأصنام صغيرة تذكرني بما أرغب في نسيانه. مشيتُ ما يكفي، لم أتعب لكن مسّني ضجر. سأنزل، سئمت من تعاقب الفصول وتوغل الظلام في الضوء. سئمت من تبدّد الضوء في الظلام، من الحاجة إلى الأصابع لتفقد الأشياء. سئمت من الملاعق والقمصان والأحذية وحارس الباركينغ المتسمّر في الساحة منذ الانفجار الأول يلاحق العابرين بإلحاحه ويرصّ أرواحهم في مربعات صغيرة  كي لا تفيض عمّا تدبره لهم. سئمت من  الترجمة الرديئة الناتجة عن تقصير بيّن تتحمل مسؤوليته الحواس مناصفة مع الجهاز العصبي، ومن الوضعيات الحرجة التي تجبرك على الشرح أو الموافقة أو الاعتراض بعبارات منتقاة تراعي نرجسية القائل سريعة الانكسار. لا  أسف على ما أترك. لا أسف على ما سوف أنسى.  يكفي أن أضغط على الزر، أن أوافق لتصير الصفحة بيضاء من غير سوء.
الرجل الذي هدّد بالنزول. رأيناه ينزل حقا. رأينا غيمة على وجهه أولا، ثم رأيناه يغمض عينيه كمن يخفي ألما غامضا يشتعل في عصر ما من تاريخه الطويل. قيل أنه صار يشتم الحارس دونما سبب فهو معفى من الركن ومن القيود التي يستعير واضعوها أشكالها من الهندسة. قيل أنه صار يخصّ نفسه بإبتسامة يطفئها حين ينظر الناس إليه، وأنه لم يعد يطفئ الابتسامة التي لم يكن يخص بها نفسه بل مرافقين يراهم ولا يراهم الذين يرونه لخلل قد يكون ناجما عن عطل في الخيال أو خلل في الترجمة بين الحواس والمركز العصبي. ثم أنه صار يحدّث رفاقه في أمور شتى ويهدّدهم بالتخلي عنهم إن خيبوا ظنه هم أيضا وأجبروه على المجاملة والركن في المربّع.
و شوهد مستديرا إلى «الجدار»  ليل نهار و هو يهدّد سكانه بإخراجهم من حياته الطويلة كنهر لا حجارة فيه.
سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com