يهجم على الكاتب ونصه بمنجل صدئ ولا يتوقف إلا بعد أن يجري دم، دون أن يدري أدم الكاتب أم دم نصه جرى.
يحدث هذا الآن في زمن النشر السهل وزمن التجاسر، حيث يستطيع مشتغل في الصحافة بأجر غير معلوم أن يطلق أحكاما قاسية على رواية لم يقرأها وعلى كاتبها وقد يكفره أو يخونه، ويجيز القائمون على أمر الفتى نشر فتواه بحثا عن إثارة يقتضيها فن التسويق القائم على مزج مدروس بين الجنس والدين، وضع يدفع الباحثين عن ترسيخ القدم إلى تصيّد «فرائس» لنهشها علنا بعد تشمّم عبارات تسيء إلى مقدسات الناهش.
ولن يحتاج إلى المقاييس الجمالية المتعارف عليها في تقاليد الأدب والنقد، يكفيه منجله والجمل الجاهزة عن المساس بكذا والدعوة إلى كذا وكذا، لإقامة المأدبة.
قد يكون الناهش مدفوعا بقوانين الفيزياء غير العادلة التي تجبر الفراغ على إيجاد كتل يشغل بها نفسه، لكنه يحتاج إلى دفع بالشدة نفسها في الاتجاه المعاكس، لأن استفحال هذا النوع من المحاكمات للأدب قد ينتهي إلى المطالبة بتشريعات تحاسب الكتاب على نزوات أبطالهم كما حدث مع أحمد ناجي في مصر، أو الاستهداف المباشر لمبدعين يقاومون بشاعة الواقع بإنتاج الجمال، و تنفير الناس من الأدب في مجتمع يستهلك الأحكام الواردة ويتبناها دون مراجعة أو تمحيص خصوصا ما تعلق بالطابوهات التي تتوسع قائمتها سنة بعد أخرى في “أخلقة” كاذبة لم تحل دون ارتكاب أبشع الجرائم و أغربها.
في البلاد السعيدة، التي لا زال الناس فيها يقرأون الكتب، عادة ما تكون الصحافة دليل القارئ إلى الكتاب الجيد، إذ تتحول الصفحات الثقافية والصحافة الثقافية و بلاتوهات التلفزيونات إلى ورشات مفتوحة تقدم الأعمال الجديدة وتحاور أصحابها و”تحرّض” على القراءة التي تبني الذائقة الجمالية للمجتمع، بل إنها تصنع نجومية الكتاب الذين يكتسبون سلطة معنوية ويعيشون من عائدات كتبهم.
يختلف الأمر عندنا، حيث يناصب قطاع واسع من الإعلام الكتاب العداء ويمنح الكلمة للمطرودين من المدارس، من شيوخ الجن و الفتوى كذاك الشيخ الذي يعقد مقارنة بديعة بين الكبش الأملح الأقرن والمليحة في الخمار الأسود ويعلّم مشاهديه الكرام بأنهما مليحان لأنهما مشتقان من الملح، إلى ساسة يكرّرون نفس الكلام منذ ألف سنة، إلى لاعبين يتقاضون الملايير رغم أنهم لا يحسنون مراقبة الكرة...
سليم بوفنداسة