توفي أول أمس شاب لحظات بعد أن تعرض للضرب على أيدي «مواطنين» قبضوا عليه و هو يحاول سرقة سيدة مسنة عند مغادرتها مركزا بريديا في عنابة. ينتهي الخبر هنا لتبدأ المشكلة، مشكلة الجموع التي تمنح نفسها سلطة العقاب امتثالا لاستقامة تدعيها، والحادثة ليست بسيطة،حتى وإن لم يثبت بعد أنها سبب الوفاة، لأنها تحيل إلى مفهوم خاطئ للعدالة، تم استدعاؤه من خزان الأفعال البدائية التي اقتضى التنظيم الحديث للمجتمع كبتها، وربما كان الضحية قربانا على مذبح غضب اجتماعي يستهدف لصوصا لا تطالهم الأيدي فوقع الفعل على الفاعل المتاح من فعل السرقة في طقس رمزي جرى تمثيله في ساحة عمومية.
هذه الواقعة المأساوية لن توقف ظاهرة السرقة في عنابة ولن تردع اللصوص الظاهرين أو الكامنين، لكنها تطرح بإلحاح عودة النزعات البدائية التي ظهرت أيضا على قنوات تلفزيونية وعلى صفحات جرائد في صرخات شيوخ وكتابات تدعو إلى تطبيق الحكم بالإعدام وترى أن انتشار الجريمة سببه عدم رؤية الناس لجثث معلقة في الساحات العمومية!
لا يمكن إغفال وقع هذه الخطب والكتابات على «العامة» التي تتبنى وتعيد ترديد الخطاب وقد تسارع إلى تنفيذه عندما تتاح لها الفرصة، في وقت يظل صوت الخطاب العقلاني فيه خافتا أو غائبا. فالقتل لن يحلّ مشكلة اختطاف الأطفال التي تؤكد الإحصائيات أن دوافعها جنسية في أغلبية الحالات، في مجتمع يرفض مناقشة مشاكله الجنسية علنا ويقاوم حلولها الطبيعية ويلجأ بالمقابل إلى التسويات «الباتولوجية» التي تترجمها حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي والتلفظ بالكلام البذيء والإدمان والتطرف الديني.
كما أن منح منابر لغير المختصين من الشيوخ و الشعبويين بات يشكل خطرا على سلامة المواطنين و الأمن العام، فترويج وسائل إعلام لمطالب الإعدام وترويجها لأدوية تعالج أمراضا لازال العلم يقف أمامها حائرا وترويجها للخرافات والشعوذة وقصص الجن في مجتمع يضع خطواته الأولى على رصيف الحداثة والمدنية و خارج لتوه من حرب أهلية مدمرة أصبح يتطلب الإدانة والردع.
ملحوظة
الشاب الذي حاول سرقة العجوز في عنابة ضحية أكثـر من مرّة، ضحية لأن ظروفا ما دفعته إلى ما صار عليه، وربما كان مرشحا للموت في الماء قبل أن يموت على اليابسة. وقد يكون بين من امتدت أيديهم إليه من يخفضون أجنحة الذل لكبار اللصوص في المدينة ذاتها.
سليم بوفنداسة