الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

موت في عنابة

توفي أول أمس شاب لحظات بعد أن تعرض للضرب على أيدي  «مواطنين» قبضوا عليه و هو يحاول سرقة سيدة مسنة عند مغادرتها مركزا بريديا في عنابة. ينتهي الخبر هنا لتبدأ المشكلة، مشكلة الجموع التي تمنح نفسها سلطة العقاب امتثالا لاستقامة تدعيها، والحادثة ليست بسيطة،حتى وإن لم يثبت بعد أنها سبب الوفاة، لأنها تحيل إلى مفهوم خاطئ للعدالة، تم استدعاؤه من خزان الأفعال البدائية التي اقتضى التنظيم الحديث للمجتمع كبتها، وربما كان الضحية قربانا على مذبح غضب اجتماعي يستهدف لصوصا لا تطالهم الأيدي فوقع الفعل على الفاعل المتاح من فعل السرقة في طقس رمزي جرى تمثيله في ساحة عمومية.
هذه الواقعة المأساوية لن توقف ظاهرة السرقة في عنابة ولن تردع اللصوص الظاهرين أو الكامنين، لكنها تطرح بإلحاح عودة النزعات البدائية التي ظهرت أيضا على قنوات تلفزيونية  وعلى صفحات جرائد  في صرخات شيوخ وكتابات تدعو إلى تطبيق الحكم بالإعدام وترى أن انتشار الجريمة سببه عدم رؤية الناس لجثث معلقة في الساحات العمومية!
لا يمكن إغفال وقع هذه الخطب والكتابات على «العامة» التي تتبنى وتعيد ترديد الخطاب وقد تسارع إلى تنفيذه عندما تتاح لها الفرصة، في وقت يظل صوت الخطاب العقلاني فيه  خافتا أو غائبا. فالقتل لن يحلّ مشكلة اختطاف الأطفال التي تؤكد الإحصائيات أن دوافعها جنسية في أغلبية الحالات، في مجتمع يرفض مناقشة مشاكله الجنسية علنا ويقاوم حلولها الطبيعية ويلجأ بالمقابل إلى التسويات «الباتولوجية» التي تترجمها حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي والتلفظ بالكلام البذيء والإدمان  والتطرف الديني.
كما أن منح منابر لغير المختصين من الشيوخ و الشعبويين بات يشكل خطرا على سلامة المواطنين و الأمن العام، فترويج وسائل  إعلام لمطالب الإعدام وترويجها  لأدوية تعالج أمراضا لازال العلم يقف أمامها حائرا وترويجها للخرافات والشعوذة وقصص الجن في مجتمع يضع خطواته الأولى على رصيف الحداثة والمدنية و خارج لتوه من حرب أهلية مدمرة أصبح يتطلب الإدانة والردع.

ملحوظة
الشاب الذي حاول سرقة العجوز في عنابة ضحية أكثـر من مرّة، ضحية لأن ظروفا ما دفعته إلى ما صار عليه، وربما كان مرشحا للموت في الماء قبل أن يموت على اليابسة. وقد  يكون بين من امتدت أيديهم إليه من يخفضون أجنحة  الذل لكبار اللصوص في المدينة ذاتها.

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com