الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

جالاتيا

سرى خبرها بين الناس وما كان ليظل طي الكتمان، فما كان يتم تداوله همسا في سالف العصر والأوان أصبح اليوم مشاعا بفضل الفضاء الأزرق والخيال الخلّاق.
في بلد مجاور قيل أن الشرطة طاردتها في الأزقة المظلمة وأن السلطان أغلق الأبواب في وجه أهلها، ويحذر العارفون من مخطّط مشؤوم جرى تدبيره لنشرها في شمال إفريقيا لتدمير ما تبقى من «قيّم» في هذا الإقليم  الواقع في مهب شهوات الغزاة. وقيل أنها جميلة جدا تشبه نجمات السينما وقيل أنها تتكلّم ولا تخون.
أثار خبر ظهورها الرجال، فسعرها أقل من مهر بكثير، وهي بذلك تعين المُنتظر على الانتظار والضّجِر على تغيير الحال، ومن فضائلها أنها لا تجبر الرفيق على وثيقة أو كتاب، وأنها منصرفة إلى سديمها، لا مطالب لها ولا لوم ولا عتاب، وأنها تختفي حتى يريدها طالبها كما يليق بجارية صماء.
العارفون يقولون أنها ظهرت في بلاد كثيرة، وأن ظهورها علامة من علامات الغنى والاستغناء، وبرهان على نجاح الحضارة الحديثة في تحويل كل ما يحتاجه الإنسان إلى سلعة قابلة للشراء.
وقد يحذر «المتعالمون» المناهضون لترف الحضارة، من خطر تحويل مقاصد الرغبة، باعتباره مؤشرا على اضطراب عقلي، لكنهم يتجاهلون معطى غير متوفر في الكتب مؤداه أن الإنسان الحديث صنع أدوات سعادته وأن أوان شراء أقراص العواطف و المشاعر ليس ببعيد، و أن عهد الندرة قد ولى.
لم يقرأ المهتمون بأخبار «البوبية» قصة بجماليون، وكيف بكى وترجى الآلهة أن تهب الحياة لمنحوتته  البديعة جالاتيا التي استحالت إلى أنثى في قصيدة أوفيد العابرة للعصور، ولم يطلعوا على الدراسات النفسية التي تقدم الفيتيشية كمرض، ولو سألتهم إن كانوا صادفوا “البوبية» طيّبة الذّكر في مكان ما، سيكون جوابهم بالنفي لكنهم سيؤكدون أن وجودها لا ريب فيه.
ثمة مشكلة في الحديث المتأخر عن “جالاتيا السيليكونية» في بلاد المغرب وما جاورها، وسواء أظهرت حقا وعجزت الشرطة عن تحديد موقعها أو تخيلها الناس الذين كثيرا ما برعوا في التخيل إلى درجة يتطابق فيها ما تخيلوه مع الواقع، فإن الأمر يتعلق، فعلا، بحالة خطيرة لا ضرورة في تشخيصها  إلى استدعاء المؤامرة الخارجية وفق عادة حراس الأوطان من طبائع العدوان، لأننا أمام مرض داخلي ناتج كما هو شأن شقيقاته وأشقائه عن سوء تدبير حاجات طبيعية.
سؤال عالـق
كيف تذهب إلى المستقبل شعوب لم تجد السبيل، بعد، إلى إشباع رغباتها البدائية؟ 

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com