الثلاثاء 8 أفريل 2025 الموافق لـ 9 شوال 1446
Accueil Top Pub

خطبة

أنا أيضا لم أعد أحتمل مروركم بوجوه عابسة و أسماء سريعة الزوال، ليس لي ما أتبادله معكم سوى هذا الصمت العابر للسنوات الذي أطلقه. لا أنتظر منكم شيئا، لأنكم غرباء مثلي ومنفيون في طباع صماء وباردة كقلبي. ليس لنا ما نتقاسمه سوى مروركم وانتظاري. أعرف أن بأعماق كل عابر منكم صنما رديفا يعبث بخطواته القليلة، فأشفق: تتوهمون أنكم تسيرون لكنكم تدورون حول أنفسكم منذ مئات السنين. وأعرف أن الرديف تمكّن مُذ عطّل قدرتكم على الانتباه.
أنا أيضا ضجِر، لكني لا أعلن ضجري. البوح مذلة يتوسّل صاحبها رأفة من معذّبه. وأنا مكتف بما أنا فيه. ثابت لا تخدعني خطوة كاذبة، لكنني أسمع وقع الحوافر ووقع الدماء وقهقهات الأقوياء تحملها الرياح ، أسمع خطب الواثقين وقد تحولت إلى ذكريات مغلفة بالمراثي، أسمع الموت وهو يسوي بين عظيم الشأن وقليله بمنجله الرحيم الذي لا يصدأ، أسمع الرغبات تسيل، أسمع انطفاء الشهوات، أسمع رماد التوثب، أسمع التاريخ يتسلى بتبويب الخيبات وتصنيفها وهو يبتسم ابتسامته القاسية المحايدة .
أنا أيضا لا أبالي، أنضجني الانتظار فصرت أرى الآتي ماضيا، والبشر الذين يدبون عند قدمي موتى يهدرون وقتهم المستقطع في الكلام والعبث (أنا أيضا متُّ لكن خيالا خلاقا أدامني) وتولى الوقت أمر قلبي فأعفاه من الألم.
أنا أيضا رأيت نملا جديدا يسكنُ المدينة بعد صمت النمل القديم، رأيت الكذب في الشوارع، رأيت الحب معذبا بسوء تقدير أحواله، رأيت الباطل معتدا  والحق غير مبال، رأيت كيف يمد  الحقد الأسود جذورا جديدة ليحتال على مقتلعيه، ورأيت كيف تغيّر الأيدي الرايات، وكيف تهيّج كلمات لا معنى لها جموعا تبحث عن هواء لتنتفخ، رأيت كيف تترهّل الحصون وتتداعى والأسوار، ورأيت صبر الماء على الأساسات.
أنا أيضا رأيت ما يكفي لأصرخ فيكم وأنتم تعبرون درب الخديعة مسرنمين: ماذا تفعلون هنا، لكني أحجمت إذ تذكرت طبعي و أخلاقي ككائن صموت، أنا أيضا أخاف، أخاف – مثلا- إن أنا صرخت فيكم أن يلائم طبعي طبعكم فأصير لكم شبيها، أخاف أن تضيّع روحي ميكانيكها فأتهجى مثلكم في خطوتي تعاليم صنمي.
منتهى الحال
كاد التمثال أن يصرخ في العابرين: ماذا تفعلون هنا، يا أصدقائي الموتى؟
لكنه تذكر طبعه فأحجم ولاذ بالصمت الذي يديمه.
سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com