طغت المسائل الهيكلية للأحزاب على النقاش السياسي في الجزائر، وباتت وضعية التشكيلات السياسية الحدث الأبرز الذي يستقطب الصحافة و الرأي العام، الأمر الذي أعفى الأحزاب من وظيفتها الحقيقية إلى الحد الذي أصبح فيه وجودها صوريا في الحياة العامة.
هذا التحول سينجب مفاهيم جديدة لممارسة السياسة، فالنضال سيصير طريقة في التقدم إلى قمرة قيادة المركب بغض النظر عن وضعية المركب في الماء، وخوض الاستحقاق سيصبح مرتبطا بقدرات الطامح الشرائية والتفاوضية، بداية من تحصيل موقع في الحزب وانتهاء بمكانة في قلوب الناخبين الذين يعتقد أنهم يفضلون المرشح الكريم في درجة ثانية بعد مرشح القبيلة وسفيرها إلى المؤسسة (الاختراع المتأخر الذي لم يغيّر طبع العشائر)، ولم تسلم مقاصد العمل السياسي من أثر الرياح بعد أن أصبح رواد السياسة هم رواد الأسواق الذين لا يهمهم زرع الأفكار بل جني الثمار و لا يريدون التغيير بل تحصين المكانة. ولن يحتاج الزعيم كي يصير كذلك إلى تمرّس في المؤسسة الحزبية، لن يحتاج إلى أفكار، لن يحتاج إلى خطاب، لن يحتاج إلى كاريزما، لن يحتاج إلى معارف في السياسة والاقتصاد، لن يحتاج إلى معارف في الحياة، لن يحتاج إلى الخوف، لن يحتاج إلى الحذر، لن يحتاج إلى الخجل، لن يحتاج إلى أدوات لأنه طُبخ في مكان ما ليكون ما هو عليه، ويكفي أن يُقنع المستمعين والمتفرجين وهو يواجه غابة الميكرفونات التي أصبحت تمتد هذه الأيام لكل من يحرك شفتيه رغبة في الكلام.
لا يحتاج المشتغل بالسياسة إلى إيديولوجيا فاليسار لم يعد يسارا مذ تحول الرفاق إلى أرباب عمل يستلذون استعباد فئة اقتنعوا، أخيرا، أنها خلقت لذلك، ومذ اكتشف “الإخوان” أن “الجنة” ممكنة في الدنيا أيضا، ومذ اكتشف أهل اليمين أن الجهات خدعة وأن العجلة تدور لتستقر في نفس المكان. لا يحتاج المشتغل بالسياسة إلى معارف اقتصادية، لأن المنتجين الكبار سيحفرون مجراهم والسياسي الجيد هو من يحسن التموقع في المجرى. لا يحتاج إلى عين ترى أو أذن تسمع، لأن ما يُسمع يسمع وما يرى يرى.
لكن المجتمع يحتاج إلى تنظيمات سياسية تمثله وتعبر عنه و تقترح التدابير وتعد كوادر شابة للقيادة ومواجهة المشاكل الاقتصادية الناجمة عن تزايد عدد السكان وتراجع أسعار النفط ومنسوب الأفكار. وتلك مفارقة نعيشها جراء الاهتمام المفرط بالهيكل وإهمال الجوهر.
سليم بوفنداسة