الجمعة 10 جانفي 2025 الموافق لـ 10 رجب 1446
Accueil Top Pub

مقاومة!

أغلق طلبة كلية بإحدى جامعات الشرق احتجاجا على «الإهانة» التي ألحقتها أستاذة بطالب. الطلبة الغاضبون نجحوا في إخراج عميد الكلية إلى البوابة حيث تفاوض معهم على رد الاعتبار للطالب الذي أُهدرت كرامته و وعدهم  بإحالة الأستاذة المعنية على لجنة التأديب.
القصة التي نقلتها الصحافة، التي سارعت إلى تغطية الحدث، تبدو محيّرة في الكثير من فصولها، وأول الحيرة كيف لأنثى أن تهين ذكرا في مجتمع ذكوري إلى الحد الذي يتسبّب في استياء عام؟ ثم كيف لأستاذة جامعية أن تهين طالبا؟
و ما حجم الإهانة التي تستدعي غضب الطلبة وتوقيف الدراسة وخروج  العميد إلى البوابة المغلقة للتفاوض المشفوع بوعد العقاب؟
أسباب الغضب، والعهدة على الصحافة، أن الأستاذة طلبت من الطالب أن يستحم وينظف ملابسه. و السؤال المحيّر: لماذا طلبت الأستاذة ذلك؟ و يمكن أن نعثـر على الجواب في سلسلة لا نهائية من الأسئلة: هل أن الطالب لا يستحم؟ هل أن ملابسه لم تكن نظيفة؟ هل تتمتع الأستاذة بحاسة شم وبقدرات بصرية لا شك فيها؟ هل يتمتع الطلبة (وبينهم المعني بالأمر) بنعمتي البصر والشم؟ هل تعاني الأستاذة من مشكلة تجعل تقديرها للنظافة خاطئا؟ هل يعاني الطلبة من فقر اصطلاحي يجعلهم ينزلون الإهانة في غير منزلتها؟ وما دخل البوابة في الكلام المنطوق؟ هل تعاني الأستاذة من مشكلة إلقاء تجعلها – مثلا- تقول بصوت عال ما كان يجب أن يقال بصوت مهموس؟ وهل تعاني منطقة الهضاب العليا التي شهدت الواقعة من ندرة حادة في الماء؟
قد تكون فصول القصة خاطئة، لكن الثابت أن «مقاومة» النظافة ظاهرة موجودة في مجتمعنا قريبا من هذه القصة أو بعيدا عنها، وربما لن نجد الجواب الشافي دون الاستنجاد بميراث المعلم الأكبر، الطبيب النمساوي مكتشف المجاري السرية للنفوس، حيث تعلّمنا أدبياته أن جذور بعض الأمراض تمتدّ إلى فترات الطفولة الأولى، وسوف نجد  جواب مشكلتنا في ثاني مراحل نمو الكائن المدعو إنسان وهي المرحلة الشرجية (نحو عامين) حيث يجد الطفل لذة في الاحتفاظ بالبراز ويشعر بالفقد في حال خسارته وعلى ضوء هذه الثنائية ستتحدّد معالم شخصيته بخصوص البخل والجود والاستحواذ ورفض التفريط في أشيائه، كما تعرف هذه المرحلة تدريبا على النظافة  يرد عليه الطفل بالتمرد، حيث يجد بعض الأطفال لذة في الاعتراض العدواني على النظافة، وبين هؤلاء من سيعاني المجتمع كثيرا من ساديتهم فيما بعد! وتنشأ الأمراض عن الاختلال في إشباع هذه الرغبات البدائية حيث تكون نتيجة لإفراط  أو العكس.
ويرجع بعض المحللين مشكلة التفريط في النظافة إلى رغبة غير واعية في اكتساب صلابة ونضج تؤهل صاحبها إلى انتزاع مكانة الأب،  و لعلّ ذلك ما يجعل الظاهرة منتشرة بين فنانين ومتعلمين وباحثين يتطلعون إلى مقاعد المجد الأولى.
لكل ذلك فإن حلّ المعضلة لن يكون بالكلام، بل بمراجعة المجاري العميقة للأفراد والجماعات وذلك تحدّ أصعب من أن تنهض به أستاذة هندسة!

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com