أغلق طلبة كلية بإحدى جامعات الشرق احتجاجا على «الإهانة» التي ألحقتها أستاذة بطالب. الطلبة الغاضبون نجحوا في إخراج عميد الكلية إلى البوابة حيث تفاوض معهم على رد الاعتبار للطالب الذي أُهدرت كرامته و وعدهم بإحالة الأستاذة المعنية على لجنة التأديب.
القصة التي نقلتها الصحافة، التي سارعت إلى تغطية الحدث، تبدو محيّرة في الكثير من فصولها، وأول الحيرة كيف لأنثى أن تهين ذكرا في مجتمع ذكوري إلى الحد الذي يتسبّب في استياء عام؟ ثم كيف لأستاذة جامعية أن تهين طالبا؟
و ما حجم الإهانة التي تستدعي غضب الطلبة وتوقيف الدراسة وخروج العميد إلى البوابة المغلقة للتفاوض المشفوع بوعد العقاب؟
أسباب الغضب، والعهدة على الصحافة، أن الأستاذة طلبت من الطالب أن يستحم وينظف ملابسه. و السؤال المحيّر: لماذا طلبت الأستاذة ذلك؟ و يمكن أن نعثـر على الجواب في سلسلة لا نهائية من الأسئلة: هل أن الطالب لا يستحم؟ هل أن ملابسه لم تكن نظيفة؟ هل تتمتع الأستاذة بحاسة شم وبقدرات بصرية لا شك فيها؟ هل يتمتع الطلبة (وبينهم المعني بالأمر) بنعمتي البصر والشم؟ هل تعاني الأستاذة من مشكلة تجعل تقديرها للنظافة خاطئا؟ هل يعاني الطلبة من فقر اصطلاحي يجعلهم ينزلون الإهانة في غير منزلتها؟ وما دخل البوابة في الكلام المنطوق؟ هل تعاني الأستاذة من مشكلة إلقاء تجعلها – مثلا- تقول بصوت عال ما كان يجب أن يقال بصوت مهموس؟ وهل تعاني منطقة الهضاب العليا التي شهدت الواقعة من ندرة حادة في الماء؟
قد تكون فصول القصة خاطئة، لكن الثابت أن «مقاومة» النظافة ظاهرة موجودة في مجتمعنا قريبا من هذه القصة أو بعيدا عنها، وربما لن نجد الجواب الشافي دون الاستنجاد بميراث المعلم الأكبر، الطبيب النمساوي مكتشف المجاري السرية للنفوس، حيث تعلّمنا أدبياته أن جذور بعض الأمراض تمتدّ إلى فترات الطفولة الأولى، وسوف نجد جواب مشكلتنا في ثاني مراحل نمو الكائن المدعو إنسان وهي المرحلة الشرجية (نحو عامين) حيث يجد الطفل لذة في الاحتفاظ بالبراز ويشعر بالفقد في حال خسارته وعلى ضوء هذه الثنائية ستتحدّد معالم شخصيته بخصوص البخل والجود والاستحواذ ورفض التفريط في أشيائه، كما تعرف هذه المرحلة تدريبا على النظافة يرد عليه الطفل بالتمرد، حيث يجد بعض الأطفال لذة في الاعتراض العدواني على النظافة، وبين هؤلاء من سيعاني المجتمع كثيرا من ساديتهم فيما بعد! وتنشأ الأمراض عن الاختلال في إشباع هذه الرغبات البدائية حيث تكون نتيجة لإفراط أو العكس.
ويرجع بعض المحللين مشكلة التفريط في النظافة إلى رغبة غير واعية في اكتساب صلابة ونضج تؤهل صاحبها إلى انتزاع مكانة الأب، و لعلّ ذلك ما يجعل الظاهرة منتشرة بين فنانين ومتعلمين وباحثين يتطلعون إلى مقاعد المجد الأولى.
لكل ذلك فإن حلّ المعضلة لن يكون بالكلام، بل بمراجعة المجاري العميقة للأفراد والجماعات وذلك تحدّ أصعب من أن تنهض به أستاذة هندسة!
سليم بوفنداسة