الأحد 24 نوفمبر 2024 الموافق لـ 22 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

الداعية

يجاهر بالدعوة التي لم تعد تتطلب مكابدة ومواجهة وحروبا وهجرة، يكفي أن ينقر بأصابع العبقرية رسالته أو يعتدل أمام الكاميرا ويقولها مشافهة حتى تشيع.
 يتقمّص الداعية بطريقة غير واعية النبيّ. وحتى و إن انزاحت التسمية إلى الحقل الديني دون سواه، فإن الدوافع إلى ممارسة “الدعوة” واحدة في جميع الحقول.  
ولا يمكن أن ننتظر رواج هذه الوظيفة سوى في المجتمعات العربية الإسلامية التي تواجه صعوبة في الانتماء إلى عصرها فتعود إلى ذاكرتها لانتقاء بطولات تعتقد أنها ناجعة لمواجهة مشكلات آنية.
يحاول الداعية الديني استقطاب الجماهير وتوجيهها  إلى الطريق القويم مستفيدا من وسائل الاتصال الحديثة التي تحمل خطابه إلى جميع الأمصار، وكذلك يفعل الكثير من المفكرين والكتاب والشعراء، بل وحتى بعض المذيعين والمواطنين العاديين الذين أصابهم شيء ممن سبقوا و من سيلحقون  ولا يتخلف رجال السياسة الذين يجمعون بين النبوة والعسكرة.
في أعماق الداعية الديني كما في أعماق المفكر والشاعر... نبي كامن يجعله يلوّح برسالته التي يرى فيها الخلاص ويتفوّق عليهم السياسي بتوفره على أدوات وضع الرسالة موضع التنفيذ.
ويبدو المثقف أشدّ الدعاة تعاسة لأنه يتوهّم بأنه يقدم مشروعا مضادا لرجل الدين ورجل السياسة وهو يخضع بدوره لنفس الدوافع التي تحرّك خصميه، فحتى وهو يدعو إلى العلمانية يتصرف كنبي صاحب رسالة، بل ويقدّم حياته كسيرة عطرة وكنموذج يقترح إتباعه ويحاول إبهار الأتباع به ففي حياته المنمركة هدى للناس: كيف يأكل وكيف يلبس وكيف يقود السيارة وكيف يذهب إلى البحر وكيف ينام.
ورغم حسم التحليل النفسي في الأمراض المرتبطة بادعاء النبوة، إلا أن غياب النقد الذاتي والمراجعات الضرورية جعلت الأنبياء يتكاثرون بالطريقة المشؤومة ذاتها ولم ينفعهم الاحتكاك بالميراث العقلاني ولا بالثقافة الغربية التي انتسب البعض إليها وتبنى مقولاتها في الدين والعلمنة والعقل والسياسة والاجتماع. وتشجع المجتمعات التي تتعاطى الخرافات أسطورة الرجل المخلّص الذي يظهر فجأة ويظهر معه الخير، حيث يختزن اللاوعي الجمعي نماذج تدفع بعض الأفراد إلى تلمّس طريق النبوة سواء بممارسة وظائف دينية أو سياسية أو بالنبوغ في الفنون والآداب وما يصاحب ذلك من بروز بين القوم، ويجتمع هؤلاء وأولئك عند الفعل التعيس: “دعا”.
سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com