يحمل صحافيون السكاكين ويتوجهون إلى بلاتوهات التلفزيونات لتشريح إقصاء المنتخب من نهائيات كأس إفريقيا للأمم، ويبلغ بهم الأمر إلى حد إطلاق شتائم وعبارات عنصرية ضد لاعبين مغتربين ذنبهم أنهم ولدوا خارج الوطن فانخفض منسوب وطنيتهم حسب معاينة ذوي المنسوب الزائد عن الحد.
وفي عملية “التشريح” ينعمون على الجمهور بمعلومات غير مسنودة، وبين المشرّحين من يسطو على مادة إعلامية وينسبها إلى نفسه قولا بعد أن تبناها كتابة على أساس أن مصادر من الجن أسرت له بها، وبينهم من يجهل القوانين المنظمة للرياضة التي يتحدث عنها كفقيه. يلوم اللاعبين والمدرب ورئيس الاتحاد على فشلهم، وهو لا يتقن مهنته ولا يعرف أين تبدأ مهام الصحفي وأين تنتهي، بل أنه يعتقد أن مهامه لا تنتهي، فلا نميز فيه بين صفة الإعلامي المكتوبة أسفل الشاشة وصفة القاضي وشيخ القبيلة وصاحب القرار
و حامل السكين. يطالب الآخرين بأداء مهامهم على أكمل وجه وهو يتخبط في مهمته.
وإذا كان مختصون قد نبهوا منذ سنوات إلى دور الصحافة الرياضية في إثارة العنف، فإن أهل المهنة يعرفون جيدا الارتباطات غير الأخلاقية بين الصحافة والرياضة ويعرفون كيف يتحول الصحفي إلى مانجير ينفخ في لاعبين محدودين ويحولهم من فريق إلى فريق بمقابل مادي، ويعرفون كيف “يُسكت” مسيرو أندية هؤلاء وأولئك.
الضجيج الذي أثير في الأيام القليلة الماضية يعطي الانطباع بأن كل شيء يسير على الوجه الصحيح في بلادنا باستثناء منتخب كرة القدم، و يكشف أيضا عن عملية إزاحة غير سوية تم بموجبها تحميل المنتخب ومسيريه كل الاحباطات الشخصية و الاجتماعية، بعد عملية مضاربة في هذه البورصة المفتوحة دون سواها، فلو فاز المنتخب بمقابلتين لا أكثـر، لرأينا وسمعنا عكس ما نرى ونسمع، والظاهرة تحيل إلى فقر في حياة الناس وفراغ في المجتمع وفراغ في صحافة لا تستطيع مقاربة المسائل الجوهرية فتلجأ إلى الصخب والعنف!
ولا يختلف حملة السكاكين في البلاتوهات عن حملة السكاكين في الشارع، فالفئة الثانية تسعى لفرض نفسها بالتلويح بإحداث الأذى لأنها تواجه فشلا أو ضعف حجة، وكذلك تفعل الفئة الأولى، وربما كان الفرق بين الفئتين أن عناصر الثانية تتعرض للتوقيف أحيانا فيما لم تجد الفئة الأولى من يوقفها.
سليم بوفنداسة