ارتفعت أصوات الغضب ضد مرسوم ترامب القاضي بحرمان رعايا سبع دول إسلامية من دخول أمريكا، بين الإعلاميين والمثقفين العرب، وأسهبت تحاليل في كشف أعراض العنصرية التي أصابت الغرب مصدر النور والحرية.
وربما نسي الغاضبون أن مرسوم تحديد دخول المسلمين وبناء الجدار مع المكسيك ترجمة لوعود انتخابية أطلقها المرشح الذي اختاره الأمريكيون لإدارة شؤونهم، وأن قرارات مماثلة سيتخذها قادة آخرون سيخرجون من الصناديق في صورة مارين لوبان التي تسير بخطى واثقة نحو قصر الإليزي في فرنسا!
وبالمختصر، فإننا أمام واقع جديد تُترجم السياسة فيه نزوات المجتمعات في العودة إلى الذات والانغلاق داخل الهوية الخاصة ورفض القادمين من ثقافات أخرى لاحتلال البيت والعبث بأثاثه.
وقد يكون الدفع بأطروحات الأنسنة في هكذا حال، رغم وجاهته، مرافعة خرقاء، لأن الآليات السياسية غيّرت مفاتيحها في عصرنا السعيد هذا واستغنت عن الميديا التقليدية وموازينها في تمرير الخطاب وترسيخه، مستفيدة من التواصل المباشر بين الجماهير والساسة بكل ما يحمله ذلك من المخاطر التي تنجم عن التفاعل بين طرفين غير “عاقلين”.
فالرئيس القادم في هذا البلد الغربي أو ذاك، لا يحتاج إلى دعم مفكرين أو مثقفين، لأنه سيخاطب غرائز الجماهير مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيخوّفها ويعدها بالحماية و الرفاه. وتلك وإن بدت مشكلة فهي مشكلة الغرب الذي يمتلك أساليب النضال والمقاومة، والإسراف في طرح المشكلة عربيا هو قطعا هروب من الواقع، فمشكلة النخب العربية ليست في صعوبة الدخول إلى أمريكا ولكن في صعوبة البقاء في أوطانها المقفلة دونها! ومشكلتها ليست في تقلّص هوامش الحرية في الغرب، بل في غياب هذا المصطلح في القواميس المحلية، حيث يجتهد الساسة ورجال الدين في تحويل الحياة إلى سلسلة لا نهائية من الممنوعات وحيث تتحوّل المجتمعات إلى آلات ضخمة لقمع الفرد وتعذيبه، إلى درجة أن الحديث عن الحريات الدينية وحرية التعبير يتحول في بعض الأحيان إلى ترف حين تكون حياة الفرد ذاتها مطروحة على الطاولة.
وحين ينصرف المثقف كلية إلى بحث مسائل الكون ونسيان مشكلته الأساسية، ويهتم بأبواب الآخرين وينسى أبوابه المغلقة ، وحين يفعل الإعلام ذلك، فإن الأمر قد يتعلّق بعملية تضليل تعيسة تخدم الوضع القائم وتديمه.
سليم بوفنداسة