الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

إخراج الجن

لم يكتف بالفضاء الواسع الذي مكنه منه خيال الإنسيّ ولا بالسلطات المطلقة التي اختلقها له. لم يكتف بمنازعة الرقاة على جميلات يريد هو أن ينام في أعماقهن ويريدون صدّه لحاجة في أعماقهم. لم يكتف بالمرح في البيوت المهجورة والشعاب والوديان، وها هو يقتحم الهواتف النقالة ويروّع صغارنا، وها هو يتسلّل إلى نشرات الأخبار والصفحات الأولى للجرائد!
يحتاج الجنّ إلى مساءلة لأنه أخلّ بالمواثيق وخرج من سرية هي خاصيته  و بات يمارس نشاطات علنية تستدعي التغطية الإعلامية، إلى درجة أن زملاء في باتنة سجلوا قيامه بتحريك طاولات التلاميذ وحرق مصابيح حجرات الدراسة، وفق ما نقلوه في تقارير إخبارية متلفزة، وهي سلوكات يعاقب عليها القانون وتضع المشرّع في ورطة لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار الأفعال التي يقوم بها شركاؤنا غير المرئيين.
أجل، تتطلب تحركات الجن تحركا مضادا  من أهل العقل في هذا البلد، ليس لإيذائه،  ولكن لإخراجه من حياتنا والتخفيف من أضراره التي ارتفعت حصيلتها في السنوات الأخيرة بشكل بات يهدّد السلامة العقلية للجزائريين.
وقد تواجه عملية «إخراج الجن» صعوبات موضوعية، نظرا لكثـرة شركائه المرئيين وحلفائه من شيوخ ورقاة  وأصحاب قنوات وصحف وأساتذة  يحوزون على «حصرية» التعامل معه والتحدث باسمه ومكنهم ذلك من فتح عيادات يرتادها نجوم مجتمع ويدافعون عنها بشراسة ( انظر قصة بلحمر) وكسب زبائن نوعيين وقراء ومشاهدين كرام يصل كرمهم أحيانا إلى درجة يصعب تصديقها، ودفعهم نجاحهم في الواقع إلى الاستثمار في العالم الافتراضي بنشر الجن في التكنولوجيا  بشكل يعزّز مكانته ومكانتهم في صفقة مربحة مع المستقبل.
وقد يكون الردع غير كاف لمواجهة الظاهرة ما دام المناخ العام  يساعد على انتشار الجن وغيره من الكائنات غير الظاهرة وغير الموجودة أصلا في وقت يجري فيه إنكار العقل وتسفيهه و تحويل الإنسان الظاهر إلى ضمير مستتر لا تقدير له وقبوله بذلك طمعا في أمان يجود به التواري ومزايا يغدق بها الامحاء.
   يبدأ إبعاد الجن بتعطيل «الميكانيكا» التي تشيعه وتشيع الخرافة بمنع وكلائه من النشاط  و تجريدهم من المنابر الخطيرة التي يحتلونها حاليا، وتنتهي قصة الجن ببناء إنسان غير قابل «للركوب».
سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com