النصر تقضي يوما مع قافلة الخير بمناطق الظل في ولاية ميلة: سكان في مواجهة قسوة الطبيعة والفقر بمشاتي عميرة أراس

رافقت مؤخرا النصر قافلة الخير و الفضيلة، التابعة لجمعية كافل اليتيم الوطنية، فرع 200 مسكن فرجيوة، نحو مناطق الظل بشمال بلدية عميرة أراس، بولاية ميلة، المتاخمة لحدود ولاية جيجل، و وقفت على حجم معاناة السكان، و مختلف الصعوبات التي يواجهونها من أجل توفير لقمة العيش، و الحصول على بعض الدفء، لمواجهة البرد القارس و الصقيع بهذه المناطق التي تتهاطل بها الثلوج، و تستقر بها و لا تذوب إلا بعد أشهر، قد تمتد من الشتاء إلى فصل الربيع.
النصر لاحظت خلال الرحلة أن ربات البيوت المعوزات و الأرامل، تقربن من القافلة للتعبير عن معاناتهن، و طلب يد المساعدة من أعضاء القافلة لتوفير بعض الاحتياجات الضرورية، خاصة المواد الغذائية و الأغطية و المدافئ، في حين امتنع عديد الرجال عن الكلام، ربما لتأثرهم الشديد بظروفهم، أو لتجنب الحرج.
وسائل التدفئة حلم عدة عائلات
توجهت القافلة التي كانت محملة بالمواد الغذائية، الأفرشة، الأغطية، الألبسة ، و الأحذية بمختلف المقاسات، و حتى مبالغ مالية  لمواجهة أي طارئ، إلى مناطق الظل ببلدية عميرة أراس، المتمثلة في مشاتي براهم بن علي، رأس الواد، الوازطة، بويطان  و تفالكوت ، التي تحصي أكبر عدد من شهداء ثورة التحرير المظفرة بولاية ميلة، فبادرت ثلاث سيدات بوصف الظروف المعيشية القاهرة التي يعانين منها، بمعية أفراد عائلاتهن، و قد سبقتهن دموعهن، حيث طلبت السيدة الأولى من عناصر القافلة، إحضار لمسكنها المتصدع الجدران، مدفأة حطب في زيارتها القادمة للمنطقة ليتمكن أفراد أسرتها من الحصول على بعض الدفء لمواجهة برد الشتاء.
أما السيدة الثانية، و هي عجوز تعيش بمفردها، فالتمست من  أعضاء  القافلة إحضار قارورة غاز لها لأن قارورتها، كما قالت، سرقت منها، أما السيدة الثالثة فقالت بأنها أصبحت المعيلة الوحيدة لأسرتها، و عاتبت رئيس جمعية كافل اليتيم ، لأن القافلة تأخرت في إحضار المواد الغذائية التي نفدت منذ أيام بمنزلها، مشيرة إلى أن أغلب سكانه نسوة، إلى جانب زوجها المريض و المقعد.
و بالرغم من المعاناة و الدموع و الحسرة و قسوة الظروف المعيشية في تلك المناطق النائية، لاحظنا أن الصبر هو العامل المشترك بين السكان، و أغلى ما يملكون،  لمواجهة الفقر و الحرمان.
الخرشوف الشوكي و « القرنينة» لسد الجوع
 و واصلت سيدات المناطق النائية تكسير حاجز الصمت و الكبت الذي كانت تفرضه العادات و  التقاليد في المجتمعات المحافظة و المغلقة على نفسها، و ذلك تحت وطأة الفقر و الجوع و البرد، حيث اشتكت ربة بيت أخرى لأفراد القافلة بؤسها و معاناة أفراد أسرتها من العيش الضنك، مؤكدة أن في شهر رمضان الماضي، لم تجد سوى الخرشوف الشوكي البري «القرنينة» لتقدمه بعد طهيه في الماء، كوجبتي إفطار و سحور لعائلتها المتعددة الأفراد، و إذا ما تعذر الحصول عليه، يتم تعويضه بالحليب في الوجبتين.
و أضافت المتحدثة أن فرحة العائلة كانت كبيرة جدا عندما حصلت على الشطر الأول من الإعانة المالية التي قدمتها لها الدولة، في إطار المساعدة في إنجاز البناء الريفي، فرغم معاناتها من أزمة السكن، إلا أنها اضطرت لصرف تلك الإعانة في اقتناء مواد غذائية لسد جوع أفرادها، و تابعت السيدة بتأثر كبير، و قد سبقت دموعها كلماتها الحزينة، بأن الله سخر جمعية كافل اليتيم، لإنقاذ عائلتها من محنتها، حيث تكفلت ببناء مسكن جديد لها و تجهيزه بمتطلبات العيش الكريم.    
* رئيس جمعية كافل اليتيم للمنطقة دين علينا..
 لاحظنا خلال مرافقتنا لقافلة الخير والفضيلة، أن رئيس جمعية كافل اليتيم  نور الدين كوراس، كانت دموعه أكثر من مرة و هو يستمع لشكاوى و أنين العائلات المنتشرة بالشمال الميلي، فوضعية كل عائلة تنسيك حالة التي سبقتها، كما قال.
 و قد خصص المتحدث يوم الجمعة من كل أسبوع لزيارة مناطق الظل و مساعدة سكانها قدر المستطاع، بعدما قضى الشهور السابقة في التكفل بالعائلات، ضحايا الزلزال، الذي ضرب في شهر أوت الماضي عدة أحياء ببلدية ميلة.
و أكد للنصر أن من بين مشاريع الجمعية، بالإضافة لما تقدمه و تحمله معها قوافل الخير و الفضيلة من مؤن و مساعدات لعائلات المعوزين و  الأرامل، و الأيتام، انجاز  مساكن للعائلات المعدمة منها ، وقد تم انجاز خلال السنة الجارية ثمانية مساكن،  ضمن مبادرة تحمل شعار « من أجل شتاء دافئ «.
و أضاف المتحدث «علينا أن نعترف بأن هذه المناطق لها دين في أعناقنا، بالنظر لمعاناة و تضحيات أبنائها أيام ثورة التحرير، و ينبغي لنا ألا نتنكر لها اليوم ، وهي لا تنتظر أكثر من التفاتة تشعر سكانها بانتمائهم للوطن».
* رئيس بلدية عميرة أراس
الفقر نشأ و ترعرع في هذه المناطق
 رئيس بلدية عميرة أراس، رمضان عميرات، رافق القافلة في رحلتها الخيرية و الإنسانية ، و قد  أكد في حديثه للنصر أن إقليم البلدية يعتبر كله منطقة ظل في حقيقة الأمر ، أما الفقر والبؤس فقد ترعرع، على حد تعبيره،  في شمالها  المتكون من مشاتي راس الواد،  الوازطة ، بويطان ، وتافالكوت، مضيفا أن أبناء هذه التجمعات استفادوا هذا العام، لأول مرة في تاريخ المنطقة،  من حافلتين للنقل المدرسي، مما أنهى معاناتهم مع النظام الداخلي، فبعدما كانوا موزعين على مؤسسات باينان ووادي النجاء،  تم تحويلهم هذه السنة الدراسية نحو مؤسسات مركز البلدية بتاصافت و يغادرون منازلهم في حدود الساعة السادسة صباحا نحو المدرسة ، ويعودون إلى حضن عائلاتهم في ساعة متأخرة من مساء كل يوم ، مع الإشارة إلى أن البلدية تعاني من مشكلة نقص كبير في سائقي الحافلات، مما أرغمها على تكليف عمال آخرين لتولي قيادة الحافلات.
 و قد وجه المير جزيل الشكر لجمعية كافل اليتيم، التي تنظم بقوافل الخير و اعتبرها السند الثاني، بعد الولاية، في تقديم الدعم للبلدية  و التكفل بالعائلات المعدمة، خاصة في زمن كورونا الذي اجبر أرباب العائلات على العودة للديار من هجرتهم الداخلية نحو تيزي وزو و العاصمة، كما قال.
  أما عن المشاريع المسجلة لفائدة مناطق شمال البلدية، ضمن الأرصدة المالية التي منحتها الولاية  للبلدية و يقدر مبلغها الاجمالي 45 مليار سنتيم ، قال رئيس البلدية أنها عبارة عن مشاريع قاعدية ، مثل طريق سمطة المنجز ، ومشروع طريق مشتة لعور الذي بلغ انجازه حدود 70بالمئة ، كما تم بناء مطعم مدرسي بابتدائية الشهيد رابح بالثلج ، و آخر بابتدائية الشهيد غويلة عثمان،  إضافة إلى التهيئة الجارية بهذه الأخيرة .
و من بين النقائص المسجلة على المشاريع المنجزة في مجال الأشغال العمومية بشمال البلدية،  ضعف الدراسة التقنية المناسبة لطبيعة التربة ، وعدم أخذ عملية تشجير حواشي الطريق في المشاريع المنجزة  لمنع انزلاقها ،حسب المتحدث، مختتما حديثه للنصر بالقول بأنه يشرف حاليا على عملية معالجة النقاط السوداء التي تم إحصاؤها على الطريق البلدي الرابط بين راس الواد والوازطة، بعد تخصيص غلاف مالي يقدر ب 3مليار سنتيم للعملية .
إبراهيم شليغم