مخابز تعيد تدوير البقايا و تتفنن في رمضان: استهلاك الخبز العادي يتراجع لصالح أنواع صحية أكثر

يعجز الكثيرون خلال رمضان،  عن مقاومة رائحة الخبز التي تنبعث بقوة من المخابز، كما يسقطون غالبا ضحايا لونه الذهبي، رغم نصائح الأطباء بضرورة التقليل منه، خصوصا وأن أصنافه تتنوع و تزيد و يزيد معها استهلاكه، دون مراعاة شروط التغذية السليمة، لكن و خلافا لسنوات ماضية، يؤكد خبازون، بأن الطلب عليه تراجع، وبالأخص الخبز العادي، الذي عوضته أصناف صحية باتت أكثر طلبا، كما قالوا، مشيرين إلى أن ثقافة استهلاكه عرفت تحولا كبيرا منذ بداية الجائحة، بعدما قرر العديد من الناس تطليق السكر و تقليل الدهون و الابتعاد عن تناول الفرينة.
هدى طابي
الخبز الكامل ينهي هيمنة الصنف العادي
التقينا خلال جولة استطلاعية ببعض  أحياء مدينة قسنطينة، عددا من صناع الخبز الذين حادوا عن القاعدة و تخلى بعضهم نهائيا عن صناعة وبيع الخبز العادي أو المدعم، و عوضوه بالخبز الكامل  وأنواع أخرى، خصوصا على مستوى مخابز بعض الأحياء الراقية، وقد علمنا منهم، بأن تنويع الأصناف وإدخال نكهات جديدة وإضافات على العجين، من أهم طقوس الشهر الفضيل في المخابز، لأن رمضان هو فرصتهم، كما عبروا، لمغازلة الزبائن و تسويق الأنواع التي يتراجع الإقبال عليها خلال الأيام العادية بسبب أسعارها، إذ يمكن أن تكلف الخبزة الواحدة أحيانا مبلغ  100 دج، أو أكثر، وعليه فإن استهلاك هذه الأنواع يعد امتيازا لا يتمتع به إلا الميسورون في العادة و الصائمون في رمضان، وهو تحديدا ما يشجع الخبازين على التفنن و تقديم الجديد، كما أخبرنا وائل، خباز بحي النجمة، و قال، بأن أهمية التنويع في رمضان تتعدى الحاجة إلى زيادة عدد الزبائن، فالشهر يعتبر فرصة لصناعة صورة تجارية دائمة للمخبزة، فكلما تميزت الأصناف و زادت جودة الخبز، كلما ذاع صيت المخبزة واكتسبت سمعة جيدة و شهرة أوسع، فصناعة الخبز حسبه، حرفة متوارثة وعمر بعض المخابز بقسنطينة، يتعدى 50 سنة، لذلك فإن الاسم مهم جدا في هذه المهنة، كما علق.
خلال تواجدنا في المكان لاحظنا بأن  الطلب على الخبز المدعم شحيح جدا و أن غالبية من قصدوا المخبزة اشتروا  الخبز الكامل، و لدى سؤالنا بعضهم عن السبب قالوا، بأنه خبز صحي أكثر و سريع الهضم، كما أنه لا يسبب الانتفاخ ولا السمنة، مقارنة بالخبز العادي الذي يحضر بطرق غير صحية، لاحظنا أيضا طيلة جولتنا، بأن هناك أنواعا معينة يتكرر طلبها دون غيرها، وهي  الخبز المصنوع بزيت الزيتون والذي تشتهر به كثيرا مخبزة « فلامون» بوسط المدينة.
 أردنا الاستفسار من بعض الزبائن، عن سر هذا التحول نحو الخبز الكامل و الأنواع الصحية ، فأخبرونا بأن غالبيتهم اكتسبوا ثقافة غذائية جديدة خلال الجائحة، مؤكدين، بأن بعض أفراد عائلاتهم، تخلوا بشكل نهائي عن تناول الخبز بكل أنواعه.
تدوير الخبز القديم لتجنب رميه
 من جانبه قال لنا مبروك آيت أومزيان، صاحب مخبزة « لاباغيت دور»  بحي المنظر الجميل، وهي واحدة من أكثر المخابز شهرة في المدينة، بأنه تخلى كليا عن صناعة الخبز العادي، بسبب كلفته العالية و تراجع الطلب عليه، و عوضه بأنواع أخرى، منها الخبز الكامل و خبز الشعير و خبز التوابل، مؤكدا بأنه لا يستخدم أية إضافات كيميائية في عجين خبزه ، بل يعتمد على كل ما هو طبيعي، مع تجنب استخدام السكر و التقليل من الزيت و إدخال تعديلات صحية على الكثير من الوصفات الفرنسية الشهيرة، أما المكونات الرئيسية، فهي الشعير و النخالة بنسبة أكبر، مع إضافة نسب قليلة من الفرينة أو السميد أحيانا، من أجل ضمان تماسك العجينة.
 محدثنا قال، بأن هذا التوجه الصحي أكسب مخبزته شهرة سمحت له بتكوين زبائن أوفياء زاد عددهم كثيرا منذ بداية الجائحة، إذ يقصدها بعضهم من أحياء أخرى و حتى بلديات قريبة، مضيفا بأنه يتوقع إقبالا مضاعفا في الأيام القادمة، لأن الطلب على الخبز الصحي يزيد عادة في رمضان، كونه أسهل من ناحية الهضم و لا يسبب أي انتفاخ، كما أن سعره يبقى مناسبا.
 الجديد في مخبزة « لاباغيت دور»، هو اعتماد طريقة مبتكرة في تدوير بعض أنواع الخبز القديم، لتجنب رميها، على حد ما أعلمنا به صاحبها، إذ يتم تجفيف خبز التوابل أو  ما يتبقى من الخبز الكامل، ثم تقطيعه إلى قطع صغيرة تباع في أكياس مقابل 50 دج إلى 100 دج للكيس، وتستخدم حسب المتحدث، في تحضير الوجبات الخفيفة « طارتين الجبن أو المربى أو المقبلات العصرية»، علما أنه منتج يلقى رواجا، كما أكد، كاشفا، بأنه يستعد في غضون الأشهر القليلة القادمة، لافتتاح مخبزة صناعية بالمدينة الجديدة علي منجلي، ستقدم أنواعا صحية مختلفة تلبي أذواق الكثيرين.
خبزا الزيتون و الحليب موضة رمضان
خلال حديثنا إلى الخباز، علمنا بأن أصنافا معينة ترتبط برمضان دون غيره من شهور السنة، على غرار خبزي الزيتون و خبز الحليب  «خبز الدار»، مضيفا، بأن موضة هذين الصنفين لا تموت أبدا، لأنهما ببساطة يتماشيان مع طبيعة الأطباق التي يحضرها القسنطينيون، كما قال، و أغلب زبائنه يفضلون القطع الصغيرة من الخبز الكامل على  «الباغيت» وذلك لأن النوع الأول يسمح بالتحكم في الاستهلاك ويكون أخف عادة.
 من جانبه أوضح إلياس مقراني، خباز بشارع بن مليك عبد الرحمان، بأن الخبز الأبيض « البريوش» يعتبر أكثر الأصناف طلبا في رمضان، بالإضافة إلى خبز الحليب و الخبز الكامل، مشيرا إلى أن الاهتمام بهذه الأنواع أصبح يتعدى فترة الصيام، إلى باقي أشهر السنة، وهو تحديدا ما دفعه إلى التفكير في التخلي مستقبلا، عن إعداد الخبز العادي المدعم والتخصص في أنواع أخرى، على غرار خبز الزيتون و خبز زيت الزيتون الذي يحظى بشعبية كبيرة، والذي قال، بأنه يفكر في الإكثار من إعداده هذا الموسم، بسبب أزمة الزيت النباتي، التي دفعته أيضا، إلى التوجه أكثر نحو استخدام السمن النباتي كبديل.
الصنف المحسن تجربة قسنطينة حققت رواجا
تشتهر في قسنطينة أيضا ، أنواع أخرى من الخبز، توظف فيها مكونات مختلفة كالفلفل و القرع و البصل و الطماطم و بذر الكتان و الزبيب و غيرها، وهي أصناف تقدمها مخبزة عمي الطاهر، ببلدية ابن زياد، حسب صاحبها، فإن هذه الأصناف لا تخبز سوى في رمضان، لأن الطلب عليها يزيد، حيث تتراوح أسعارها بين   50 و 80 وحتى 100دج للخبزة.
أما نجم السنوات الأخيرة في المخابز المحلية والوطنية عموما، فهو النوع المحسن، صنف أخبرنا عمي الطاهر، بأنه جرب لأول مرة في قسنطينة سنة 2013 خلال معرض وطني للخبز والحلويات، و لقي نجاحا ورواجا كبيرين، حيث أصبح منافسا قويا للخبز العادي و الخبز الكامل، و يتكون خليط هذا الخبز من  70 بالمئة من مادة الطحين أي الفرينة البيضاء و 30 بالمئة من السميد.
وللمرضى نصيب
استطلاعنا بين بوضوح اهتماما متزايدا في أوساط الخبازين، بالأشخاص المرضى ، فهناك رفوف خاصة بكل المخابز التي زرناها، توفر خبزا موجها لمرضى ضغط الدم و آخر خاصا بمرضى السكري، بالإضافة إلى الخبز الخاص بمرضى السيليلاك و من يعانون من مشاكل هضمية، إذ يعد الشوفان و الشعير و السكر الأسمر،  من بين المكونات التي زاد استخدامها في السنوات الأخيرة.