أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، لدى إشرافه باسم رئيس الجمهورية، القائد الأعلى...
يمثل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق رئيس حكومة الكيان الصهيوني « نتنياهو» و وزير دفاعه السابق» غالانت» بتهمة ارتكاب جرائم ضد...
تعد الضجة الكوميدية التي تثيرها بعض الأوساط السياسية والفكرية الفرنسية حول حالة بوعلام صنصال، دليلا إضافيا على وجود تيار «حاقد» ضد الجزائر. وهو لوبي لا يفوّت...
أكد الأمين العام لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، حميد بن ساعد، اليوم الخميس بالجزائر العاصمة، أن التمور الجزائرية بكل أنواعها تمكنت...
ابن مدينة قسنطينة و سليل عائلة مناضلة قدمت للثورة ابنها الشهيد عواطي مصطفى و أنجبت للوطن أحد أهم أطباء الاستقلال، البروفيسور أحمد عواطي عميد كلية الطب سابقا و رئيس مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى ابن باديس الجامعي و أحد رواد الطب بقسنطينة و الجزائر.
ذكريات طالب جزائري ثائر
البروفيسور أحمد عواطي من مواليد سنة 1943 بقسنطينة، قضى طفولته بين أزقة المدينة القديمة الضيقة و تشبع بحب الوطن و مبادئ الثورة، فهو قريب الشهيد البطل عواطي مصطفى، الذي دفع حياته ثمنا للحرية، فكانت دماؤه درسا في الشجاعة حفظه ابن أخيه أحمد عن ظهر قلب، و تعهد بمواصلة العمل لإعلاء راية الجزائر المستقلة، كيف لا و هو الطفل الذي مر ذات يوم بزنزانات سجن الكدية، أين كان يقبع عمه الشهيد رفقة أبطال الثورة بلقاسم منتوري، زعموش عمر و بن عباس السعيد، بعد أن ألقي عليهم القبض في 28 نوفمبر 1955 أثناء عودتهم من بسكرة، قبل أن تصدر المحكمة العسكرية الدائمة بقسنطينة حكما بإعدامهم.
ذكريات الثورة لم تفارق مخيلته و لا تزال محفورة في قلبه بعمق، هكذا أخبرنا البروفيسور أحمد عواطي خلال زيارتنا لمكتبه بمصلحة الأمراض المعدية بمستشفى قسنطينة، و هناك كشف لنا عن الجانب الإنساني البسيط في شخصيته ، ابن الجزائر الذي لم ينكر فضلها عليه يوما، فهي التي علمته و فتحت له أبواب النجاح، كما قال، فلولا الروح الوطنية التي زرعتها فيه طفولته الثورية، لما استطاع المضي قدما و تسلق قمة النجاح، ليتمكن يوما من رد الجميل.
قصته مع الثورة بدأت باستشهاد عمه، ثم بنشاطه الطلابي المستمر و مشاركته في مظاهرات 5 جويلية 1961 التي دعت لها الحكومة المؤقتة آنذاك للتنديد بقرار تقسيم الجزائر و فصل الصحراء عن باقي ترابها.
يقول محدثنا:" أذكر تماما ذلك اليوم، كما لو أنه كان بالأمس القريب فقط، فعلى يميني رأيت طالبة تسقط برصاصة في الرأس، و على يساري لمحت رصاصة تخترق ذراع طالب آخر، التقيته بعد 50 سنة من الاستقلال و اكتشفت بأنه فقد ذراعه في ذلك اليوم، ضحى بها في سبيل وحدة الوطن".
من معلم في طور الإبتدائي إلى محارب للأمراض المعدية
يجهل الكثيرون أن البروفيسور أحمد عواطي كان معلما لتلاميذ الطور الابتدائي بواحدة من مدارس قسنطينة، وهي مهنة اختارها كبداية لمساره العملي بعد انتهائه من الدراسة في الطور الثانوي بثانوية رضا حوحو سنة 1960، أخبرنا بأن اختياره للتعليم كان وليد قناعة و تكريس لرسالة نبيلة ورثها عن أحد أعمامه و الذي كان أستاذا و مربيا للأجيال في العشرينات من القرن الماضي، وهو، كما قال، من علم والده ولقنه أصول الكتابة والقراءة.
بعد نجاحه في مسابقة لدخول المدرسة العادية لتكوين المعلمين خلال نفس السنة، بدأ التدريس مباشرة و شغل منصب معلم لمدة ثلاث سنوات كاملة، غير أن حلم التدرج و التفوق و النجاح ظل يراوده دائما، فقرر سنة 1963 ترك التعليم و التوجه للدراسة في شعبة متعددة التقنيات ، أين برز تفوقه في مادتي الرياضيات و الفيزياء لكنه قرر التوجه لدراسة الطب، علما بأن كلية الطب بقسنطينة لم تكن تمنح تكوينا يتجاوز السنتين إلى غاية سنة 1971، وهو ما حتم على الطلبة التنقل إلى العاصمة لمواصلة دراسة الطب.
محدثنا أوضح، بأن الجزائر المستقلة فتحت الأبواب واسعة لتكوين أبنائها، فكان للطالب حرية اختيار التخصص الجامعي الذي يريده دون قيود، وهو ما سمح له بمباشرة دراسة الطب سنة 1970 بجامعة الجزائر العاصمة.
و أضاف: "الفضل كل الفضل يعود لوطني المستقل، منحنا الفرصة للدراسة و وفر لنا كل الإمكانيات، مكانة الطالب الجزائري في تلك المرحلة كانت كبيرة، فنحن كما جاء في أحد الأناشيد الوطنية "طلاب الجزائر و آمال الجزائر".
و واصل حديثه: "كان عددنا قليلا حظينا بغرف أبناء المعمرين و كانت منحتنا الجامعية تصل إلى 300 دج، وهو مبلغ كان يعتبر جد محترم، أذكر أنه في تلك السنة تحديدا، بدأ العمل بقيمة 1دج، ثمن الوجبة في المطاعم الجامعية.
كان زمن جميلا حقا، كنا طلبة مجتهدين أنا و البروفيسور عبد الحميد أبركان، البروفيسور يحيى قيدوم، و أسماء أخرى لها باع وصيت في مجال الطب حاليا، تتلمذنا على يد أستاذة من شرق أوروبا و فرنسا كالبروفيسور بونابوس و تيري بورن، إضافة إلى دكاترة جزائريين كبار على غرار أخصائي أمراض القلب البروفيسور تومي، وبوجلاب و إيدور، و آيت أويحيى و بن علاق، تلقينا تكوينا في مختلف التخصصات على غرار الطب الباطني، أمراض النساء و طب الأطفال".
عميد لكلية الطب في سن الثلاثين
واصل البروفيسور عواطي سرد قصته مع النجاح، التي بدأت معالمها تبرز جليا سنة 1968، عندما تم الإعلان عن مسابقة داخلية للأطباء المقيمين بالمؤسسات الاستشفائية الجامعية، فتمكن من التفوق فيها ليعود سنة 1970 رفقة زميله عبد الحميد أبركان إلى قسنطينة، لمزاولة نشاطهما كطبيبين ممارسين برتبة أستاذ مساعد، تحت إدارة المجاهد عبد القادر بوشريط الذي كان مسؤولا عن مستشفى قسنطينة الجامعي آنذاك.
قال الدكتور بهذا الخصوص: " العمل كان جادا في تلك المرحلة، كنا نتمتع بروح وطنية عالية و أردنا أن نبرز تفوق العنصر الجزائري و ننافس الأجانب، خصوصا و أن استقلالنا كان فتيا و حديث العهد، كانت ظروف العمل صعبة في البداية، لكن الأوضاع تغيرت بعدما أقرت الحكومة مشروع إصلاح المنظومة الصحية سنة 1972، و تبنت النموذج الكندي القائم على تكوين 100 طبيب سنويا، وقد أسندت المهمة للبروفيسور محمد عبد المومن، الذي نجح في تطوير القطاع و رفع التدرج في الطب إلى 4 سنوات بكلية قسنطينة، كما قدم اجتهادات شخصية أبرزها مشروع توأمة مع جامعة ستراسبوغ سنة 1976، فكان أول خطوة نحو توسيع مجالات الصحة العمومية و إقرار
التخصصات الطبية في الجزائر".
و تابع حديثه : " بدأت كأستاذ مساعد في الفيزيولوجيا خلال نفس السنة، سافرت لفرنسا لاستكمال دراستي لكنني عدت إلى وطني مجددا، وفي سنة 1978 ناقشت أطروحتي الجامعية في اختصاص الأمراض المعدية، و واصلت التدرج . في تلك المرحلة لم يكن مستشفى قسنطينة يتوفر سوى على 6 أساتذة مساعدين، بروفيسورين اثنين و أستاذ ممارس واحد، رغم ذلك كونت قسنطينة إطارات غطت احتياجات مستشفيات الشرق عموما، بالأخص باتنة و سطيف و عنابة".
سنة 1974 كانت سنة فاصلة في مسار الدكتور محمد عواطي، حيث عين كعميد لكلية الطب و لم يتجاوز سنه 30 عاما، ثم رقي سنة 1987 لتقلد منصب مدير مستشفى قسنطينة الجامعي، وهي محطة اعتبرها المتحدث مفصلية، لأنها شهدت إنجازات هامة بقسنطينة، كافتتاح عيادة سيدي مبروك و المنصورة و الدقسي و الرياض، إضافة إلى مصلحة مرضى السرطان بمستشفى ابن باديس، وذلك في الفترة الممتدة بين 1988 و 1989.
كنا ننام في المستشفى لإسعاف ضحايا التفجيرات
رحلته مع الطب عرفت مطبات كبيرة، صقلت خبرته وزادته إيمانا بأهمية رسالته الإنسانية، يذكر الطبيب أن أبرزها سنوات العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، مرحلة حفرت عميقا في ذاكرته وهو الذي كان آنذاك مديرا لمستشفى قسنطينة الجامعي.
قال : " لم تكن يومياتنا تخلو من الدماء و الجرحى و الجثث، حتى أننا كأطباء كنا تحت وطأة التهديد، فالمثقف الجزائري كان مستهدفا في تلك الفترة،، أذكر أياما لم نكن نعود فيها إلى منازلنا، بل كنا نقضي الليالي في إسعاف ضحايا الاعتداءات و التفجيرات، البروفيسور يحيى قيدوم كان ينام في المستشفى.بالنسبة إلي كمدير للمستشفى، عانيت أصعب الأوقات في رمضان 1994، فقد كانت معركة غير متكافئة القوى، لأننا عانينا في تلك المرحلة من ندرة حادة في الأدوية، كانت الصيدلية تفتح ليلا، و الأطباء نسوا طعم النوم، كان الموت يعيش بيننا".
جبهة ثانية حارب فيها الدكتور عواطي و انتصر أمام خصم أكثر فتكا من الإرهاب، هو داء الكوليرا الذي ظهر سنة 1975،حيث قاد المختص معركة ضده رفقة زميله البروفيسور سقني، و تمكنا من السيطرة على الوضع، غير أن الوباء عاد سنة 1986، ومجددا نجح رئيس مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى ابن باديس في مواجهته، حيث سجلت مصلحته حالتي وفاة لمسنين اثنين فقط، من أصل 900 مصاب استقبلتهم المصلحة. نفس التجربة تكررت سنة 2011 مع فيروس أنفلونزا الخنازير.
رد الجميل
بعد 60 سنة عاد مجددا البروفيسور لعمادة كلية الطب بقسنطينة، كان ذلك سنة 2009 تحديدا، لكنه مع ذلك يعتبر أن ترؤسه لها وهو في سن الثلاثين يعد أكبر إنجاز في حياته، داعيا إلى منح الفرصة للشباب الجزائري و منحهم ثقة أكبر للبروز و حمل المشعل.
محدثنا قال بأنه اختار الطب خدمة لوطنه، و بالرغم من أنه لم يتقلد يوما مناصب وزارية، إلا أن تفانيه في سبيل خدمة القطاع لا يزال مستمرا، مؤكدا بأنه ما كان ليحقق النجاح، لولا دعم زوجته التي قابلها وهو في سلك التعليم و كانت هي مستشارة تربوية تخلت عن وظيفتها للتفرغ لتربية الأولاد و دعم زوجها معنويا، قبل أن تقرر العودة لدراسة الطب و عمرها 42 عاما ، ما اعتبر محدثنا مدعاة للفخر.
نور الهدى طابي