أول من لوّن الفيلم الثوري «أولاد نوفمبر» كامـلا: مهنـدس يرمـم و يلـون الأفـلام القديمـة و يكشـف أسـرار قسنطينـــة

يستعمل المهندس المعماري و الكاتب و الباحث عبد الرحمان حاجي، جهاز كمبيوتر و كاميرا صغيرة محمولة، ليجسد شغفه بمدينته قسنطينة، و بالتاريخ و الثقافة و الفن و الإبداع، و ذلك عبر قناتين فتحهما عبر يوتيوب، تستقطبان آلاف المتابعين، من داخل و خارج الوطن، الأولى تحمل تسمية «دي زاد ويك»، يقدم من خلالها فيديوهات، يرفقها بالترجمة إلى الإنجليزية و الفرنسية و المعلومات التقنية و التاريخية، عن أبحاثه و مغامراته، لإماطة اللثام على أسرار و خبايا المدينة الطائرة، على غرار الكشف أن جسر صالح باي هدمه المستعمر الفرنسي عن آخره، و تسليط الضوء على النفق الرابط بين مطاحن سيدي مسيد العتيقة و شارع عواطي مصطفى، و كذا أعلى مصعد سري في العالم حفر في قلب جبل، و أعلى جسر حجري داخل مغارة، و هي معالم لا يمكن العثور على مثلها في أي مكان آخر بالعالم.

إلـــــهام طالـــــــب

عتاده كمبيوتر و كاميرا محمولة.. و مطبخ بيته هو الأستوديو و الورشة
 أما قناة ابن الستين، المهندس حاجي الثانية، التي اختار لها تسمية» تلوين الذاكرة»، فنشر بها أغاني فضيلة الدزيرية و أم كلثوم و خطب الرئيسين هواري بومدين و جمال عبد الناصر، و مشاهد خالدة من اسكاتشات و أفلام جزائرية قديمة، من زمن الأبيض و الأسود، كما يعتبر عبد الرحمان حاجي، أول جزائري، تمكن من تلوين أفلام طويلة كاملة، و تتمثل في الفيلم الثوري»أولاد نوفمبر» لموسى حداد، ثم «نزل المشنوق» لمصطفى بديع و فيلم «الطريق» لمحمد سليم رياض، مستخدما في ذلك الذكاء الاصطناعي،  معربا خلال زيارته للنصر، عن استعداده لترميم و تلوين  كافة  الأفلام الجزائرية القديمة، بجودة عالية، لتستمتع بها الأجيال الجديدة، مع تصحيح بعض الأخطاء الواردة في الأفلام القديمة و المعاصرة، مشيرا إلى أنه يتخذ من مطبخ منزله أستوديو و ورشة، و عتاده  عموما عبارة عن جهاز كمبيوتر و كاميرا محمولة صغيرة.  
ال»يوتيوبر» الذي تخرج في 1988 من معهد الهندسة المعمارية، بجامعة قسنطينة، و عمل كمهندس معماري بمكتب دراسات و عدة مؤسسات وطنية بمختلف ولايات الوطن، ثم تنقل للعمل في نفس التخصص بشركة قطرية، قبل أن يستقر مجددا بمدينته قسنطينة في العام المنصرم،  أوضح  خلال  زيارته للنصر مؤخرا، بأنه بحكم ممارسته لمهنته كان يستعمل «الإظهار المعماري»، و يتمثل في إعداد تصاميم و مجسمات افتراضية، لمخططات المباني، في شكل فيديوهات، لأن الزبائن يطلبون عادة، الاطلاع على الشكل النهائي للمشروع، قبل تجسيده، و يقدمون  ملاحظاتهم حوله، قبل مباشرة البناء.
مستعد لترميم و تلوين كل الأفلام الجزائرية القديمة
من هذا المنطلق، كما قال المتحدث، ولد اهتمامه  بأدوات و برامج  الكمبيوتر المتخصصة، على غرار «فوتوشوب»، «ثري دي ماكس» و برامج مونتاج الفيديو مثل «أفتر إفكتس» و غيرها، و تعلق بعالم الإعلام و المعلوماتية، ثم راودته فكرة تلوين و ترميم الصور الثابتة، و لبى طلبيات عديد المحيطين به  الراغبين في إعادة الحياة و الوهج و الرونق، لعديد صور أقاربهم القديمة، و شجعته فرحتهم و هم يرونها بأحسن شكل و لون على مواصلة جهوده. و سرعان ما التفت إلى عالم الفيديوهات، باعتبار الفيديو يتكون من 25 إلى 60 صورة متتالية في الثانية، فشرع في «تفكيك» كل صورة، و تلوينها بمفردها، ثم جمعها و تركيبها مجددا في فيديو مدته 10 ثواني.
و أضاف المهندس حاجي»كنت ألون الصور يدويا، و هذا أمر متعب و يستغرق وقتا، ما جعلني أقرر الدخول إلى عالم الذكاء الاصطناعي، و اعتمدت على نفسي في الدراسة و البحث، فلا أحد يوجهك بشكل صحيح أو  يعطيك  أسرار المهنة، بدأت  بتعلم لغة البرمجة بايتون» Python».
و أردف المتحدث «عملت لمدة 06 سنوات بشركة في قطر، كمهندس معماري، و في 2020، في أوج جائحة كورونا، كنت لا أزال مقيما بقطر، عندما توقفت كافة النشاطات، حتى المهنية، و بما أنني كنت في غرفة بمفردي، انهمكت في تجسيد عديد الأفكار و الهوايات، فكتبت رواية باللغة العربية عنوانها «رحيل» ، نشرتها بالدوحة، ثم ترجمتها إلى الفرنسية و الإنجليزية، و هي معروضة حاليا على منصة أمازون للبيع، حسب الطلب، كما خصصت صفحة في موقع التواصل فايسبوك لمولودية قسنطينة، استقطبت 04 آلاف مشارك، و نشرت بها آلاف الصور حول فريق القلب، و في نفس الوقت كنت منهمكا في تطوير معلوماتي و معارفي حول الذكاء الاصطناعي «.
و أشار بهذا الخصوص، إلى أنه قضى ثلاث سنوات كاملة في التعلم و البحث، معتمدا على نفسه، فلا أحد و جهه أو أعطاه أسرار المهنة، إلى  أن  تمكن  من  وضع برنامجه الخاص لتلوين المشاهد، بعد ضبط  درجة اللون و الضوء  بشكل آلي .
و أكد لنا أنه كانت تحز في نفسه رؤية أفلام جزائرية قديمة ذات نوعية رديئة، لا يمكن للمشاهد أن يستمتع برؤيتها، مثل «ريح الأوراس» و «الأفيون و العصا» و «دورية نحو الشرق»، حسبه، بينما بإمكانه أن يرممها و يخرجها بشكل رائع بمفرده، دون أن يحتاج إلى فريق عمل، أو عتاد مكلف، فهو يعتمد في كل أعماله على جهاز كمبيوتر محمول و كاميرا صغيرة، فجرب  تلوين    مشاهد  من أعمال كلاسيكية عربية و أجنبية و اسكاتشات جزائرية من بطولة رويشد و محمد توري و حسان الحساني و غيرهم، و كذا الفيلم الوثائقي «قسنطينة سنة 1913  بعيون هولندي» ، و حفلات فضيلة الدزيرية و أم كلثوم و نور الهدى و عبد الحليم حافظ و مطربين عراقيين،  إلى جانب خطاب الرئيس الأسبق هواري بومدين خلال زيارته لكوبا في 1974 ، و خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في1969 ، و كلما كان ينشر عملا عبر قناته «تلوين الذاكرة»، كان عدد متابعيه يزيد، و كذا تعليقاتهم المشجعة و المدعمة، كما قال حاجي للنصر.

و قرر بعد ذلك المراسل السابق لجريدة «المنتخب»الرياضية، الالتفات إلى الأفلام الجزائرية الطويلة التي تزيد مدتها عن ساعة و نصف، ليصقل تجاربه السابقة، فكانت البداية في صائفة 2020 بالفيلم الثوري «أولاد نوفمبر» للمخرج موسى حداد، الذي فكك صوره و عددها135  ألف صورة، و لونها صورة بعد صورة، باستخدام الذكاء الاصطناعي، قبل أن يركبها، و كان، كما أكد المتحدث، أول فيلم يلون كاملا بالجزائر، عندما نشره عبر قناته، فوجئ بزيادة أعداد متابعيه و دعمهم، فقرر أن يلون فيلم «نزل المشنوق» من بطولة حاج عبد الرحمان «المفتش الطاهر»، و إخراج مصطفى بديع، فارتفع أكثر عدد متابعيه، ما شجعه على تلوين فيلمه الثالث «الطريق» لمحمد سليم رياض. و أكد المتحدث استعداده لاستغلال التكنولوجيا الحديثة، لترميم و تلوين المزيد من الأفلام القديمة، حفاظا على ذاكرة الثقافة و التراث الفني و السينما، و لكي يقدمها للأجيال الجديدة، بشكل معاصر جذاب يحفزهم على متابعتها، مشيرا إلى أنه يمكن أن يقدمها بشكل أفضل، لو حصل على النسخ الأصلية، أو ترخيص لمن يملكون حقوق نشر بعض الأعمال .
نافذة على التاريخ و التراث و السياحة بقسنطينة
يميط  المهندس حاجي، اللثام، عبر قناته التي فتحها قبل 08 أشهر تقريبا، و أطلق عليها تسمية «دي زاد ويك» عبر يوتيوب، و تستقطب آلاف المشتركين و المتابعين، عن خبايا مدينة الصخر العتيق، و أسرارها الدفينة، على مر الحقب الزمنية و الحضارات المتتالية التي مرت بها، عبر فيديوهات تستقطب آلاف المتابعين من عشاقها، سواء من سكانها، أو أبنائها المغتربين، و أيضا الأجانب الذين زاروها من قبل، أو سمعوا عن جمالها و سحرها الأسطوري، مشيرا إلى أنه يعتمد على البحث و الاستكشاف و الوثائق و الصور و المراجع التاريخية القديمة، و أيضا بعض الشهادات الحية، في جمع المعلومات حول مختلف معالم و مواقع و آثار قسنطينة، و لا ينشر أي شيء عبر قناته الخاصة الثانية في يوتيوب، إلا بعد أن يتنقل بنفسه إليها، و يتحقق من كل تفاصيلها، فيخوض مغامرات أحيانا صعبة و خطيرة، عبر مسالك وعرة و أنفاق و مغارات، رغم أنه في الستين من عمره، لكنها شيقة يحبها و يستمتع بها، ما دامت تكشف عن الوجه الخفي لمسقط رأسه.
يخصص حاجي فيديوهات، مدعمة بالتعليق و التحليل و الشرح و المعلومات التاريخية التقنية و الدقيقة و الصور القديمة النادرة و أيضا الحديثة، و المخططات و التصاميم و الرسومات التوضيحية، إذا لزم الأمر، و يثريها بالغرافيك و المونتاج و الترجمة من العربية إلى الإنجليزية و الفرنسية، للتعريف بتحف و كنوز سيرتا النادرة منذ عصور غابرة، مسلطا الكثير من الأضواء الكاشفة على مصعد محفور بأحد جبال المنطقة، و طوله 132 مترا، و جسر بني  داخل مغارة الحمام في 1933، و لا يوجد مثلهما في أي مكان آخر بالعالم، إلا  بالمدينة الطائرة، كما خصص فيديو لخبايا و أسرار بناء جسر سيدي راشد، و جسور أخرى لا تزال صامدة..
و ينقل متابعيه في رحلة تحبس الأنفاس، إلى كهوف و مغارات تعود إلى حقب غابرة، تعانق عدة آثار و أدوات تعود إلى ما قبل التاريخ، و بحيرة لا تزال تتحدى الزمن و العوامل الطبيعية تحت فندق بشارع العربي بلمهيدي، و نفق عتيق يربط بين سيدي راشد و سيدي مسيد، و قناة هيدروليكية تحت حي السويقة طولها 08 كلم، كاشفا عن أسرار كدية عاتي، و ضريح ماسينيسا بالخروب، و فندق بني عباس التاريخي في رحبة الجمال، و ذاك النفق المظلم و المرعب المحفور في قلب الصخر العتيق، الذي كان مخصصا لنقل الحبوب من شارع عواطي مصطفى إلى مطاحن بسيدي مسيد و طوله  1.2 كلم، و جسر وسط مغارة الحمام أو كاف شكارة، الوحيد من نوعه  في العالم، و  أقدم  مطار بقسنطينة، و مسبح منسي بحي السطوح  إلخ، و أسرار تسميات عديد أحياء و شوارع سيرتا، و بورتريهات شهداء لم يسلط عليهم الضوء من قبل.
و تمكن المهندس في الفاتح من جانفي الجاري، بعد بحث طويل، أن ينقل متابعيه بالصور و الرسومات البيانية و الفيديوهات، في رحلة إلى أسفل جسر باب القنطرة العتيق، ليميط اللثام عن أسرار جسرين آخرين، مما يعني أن قسنطينة لا تضم الجسور المعروفة فقط، حسب السيد حاجي، الأول روماني مخصص لنقل المياه، بناه قسطنطين في 613 م، و لا يزال  صامدا و يحمل نقوشات لفيلة و أسماك و غيرها، كما أكد.
أما الجسر الذي بني في عهد الحاكم العثماني صالح باي و حمل اسمه، و ذلك في سنة 1792م ، بإشراف  مهندسين أوروبيين، و هو الأول من نوعه المخصص للمشاة و يربط بين ضفتي وادي الرمال، فعندما مرت فوقه الجيوش الفرنسية بأحصنتها و آلياتها، انهار قوس من أقواسه، لأن الجسر لم يتحمل الثقل، و ذلك في 1857 ، كما قال المهندس للنصر، و بقي على حاله إلى غاية 1861 ، عندئذ قرر نابليون الثالث، هدمه تماما، لبناء آخر، مشددا بأن الجسر الروماني لا يزال موجودا، و درب السياح بناه الفرنسيون، و ليس هو جسر صالح باي.
و تعتبر قناة حاجي نافذة مفتوحة على التاريخ و التراث و العمران و السياحة بقسنطينة، في الماضي و الحاضر و أيضا المستقبل، و قد خصص فيديوهات للمشاريع و المرافق الجديدة، و كذا للقاءاته مع السياح و الحرفيين، و شخصيات أخرى مؤثرة، و يتمنى أن تثمر جهوده بالمزيد من الاهتمام و المتابعة من قبل
الجمهور.
إ. ط