قال رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، أمس الاثنين بالجزائر العاصمة، إن من يهاجمون الجزائر اليوم في فرنسا هم أحفاد المعمرين الذين مارسوا سياسة الأرض...
* تعزيز الأمن الطاقوي ابتداء من 2027أشرف الوزير الأول، السيد نذير العرباوي، أمس الاثنين بحاسي مسعود بولاية ورقلة، بتكليف من السيد رئيس الجمهورية،...
التقى وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، السيد إبراهيم مراد أمس الاثنين بمدريد بنظيره الاسباني السيد فرناندو غراندي مارلاسكا قوماز، حيث تم تناول...
دعا وزير الاتصال، محمد مزيان، اليوم الاثنين بالجزائر العاصمة، الصحافة الوطنية إلى التحلي بالاحترافية المطلوبة والالتزام بالمسؤولية في معالجة...
* الإيطاليون تصرفوا كالجزائريين في أزمة الحليب عند إعلان الحجر
يروى الكاتب الجزائري عبد المالك سماري، ابن قسنطينة المقيم بمدينة ميلانو الإيطالية منذ ما يقارب الثلاثة عقود، في هذه الرسالة الموجهة للنصر، تفاصيل من يومياته في المنعزل تحت إجراءات الحجر الصحي العام، حيث يستعيد لحظات إنكار حقيقة الفيروس ما قبل قرار غلق المدارس، إلى الأخطاء التي وقع فيها في تخمين حقيقة الوضع، ثم مرحلة مواجهة الحقيقة، وتحول مدن وبلدات إلى أماكن شبه مهجورة بعد أن توقفت النشاطات التجارية وقُوّضت حريّة الحركة إلا للضرورة القصوى. ويؤكد الكاتب أن تنظيم البرنامج اليومي هو سلاحه لمواجهة الروتين المفروض عليه في ظل الانعزال، فيما يصف تضامن الإيطاليين مع بعضهم ويدعو الجزائريين إلى الاقتداء بهم في الالتزام بتعليمات السلطات، متمنيا مرور هذه الأزمة بخير على أبناء شعبه، كما يرى فيها اختبارا لمدى صدق المواطنة.
نقلها : سامي حبّاطي
«كنت أعتقد واثقا أنها مجرد إنفلونزا عادية»
وعنون الكاتب عبد المالك سماري رسالته التي رد فيها على أسئلة النصر حول ظروف إقامته في ميلانو تحت ظروف الحجر الصحي العام بعبارة «إنها الفرصة الوحيدة ليكون الفرد مواطنا حقيقيا أو لا يكون أبدا»، مبتدئا كلامه بالتأكيد على أنه نوى من قبل أن يكتب تفاصيل عيشه لوباء كورونا في إيطاليا التي ينتشر بها أكثر من غيرها، غير أنه «صدق متأخرا خطورة الوضع على المستوى العالمي، مثلما تأخر في ملاحظة وتسجيل ما يحدث». وأضاف الكاتب أن «الإيطاليين لم يبكروا إلى الشعور بمدى خطورة فيروس «كوفيد 19» قبل أن يداهم الخوف جميع أفراد المجتمع بسرعة كبيرة».
ويعود الكاتب إلى ما قبل يوم 27 فيفري، تاريخ غلق المدارس، حيث يقول أنه كان يشرح لزملائه بكل ثقة أن الأمر عبارة عن إنفلونزا عادية، موضحا أنه كان يجهل المضاعفات التي يمكن لهذا الفيروس أن يتسبب بها لجسم الإنسان، بينما جاء الدور على الطاقم الإداري لمغادرة المؤسسات التعليمية بعد التلاميذ والأساتذة، «لتنهمر التوصيات والإجراءات الوقائية بعد ذلك من لدنِ الحكومة»، مثلما عبّر سماري. ويضيف نفس المصدر قائلا «في البداية اعتقدت أن الأمر يتعلق بمؤامرة قد حيكت ضد الصين من طرف الدول المتضررة من منافستها الاقتصادية، ظننتها حرب أفيون جديدة...حربٌ تستهدف كسر زخم الصين الاقتصادي وإضعاف قدرتها الهائلة على منافسة الأنظمة الاقتصادية المهيمنة تقليديا، إلا أن الأحداث التالية جعلتني أقتنع أنني ما كنت مصيبا».
وعدّد الكاتب أخطاء أخرى وقع فيها عندما حاول تخمين ما يجري من حوله، حيث يؤكد أن خطأه الثاني يكمن في اعتقاده أن فيروس كورونا ليس مميتا وأن البشر يبالغون، ورأى في المرحلة الأولى أن البشر بحاجة إلى التعامل بهستيرية لإفراز الخوف والقلق الذين تراكما بدواخلهم بسبب ظروف الحياة السيئة، فيما ذكر «خطأه الثالث» المتمثل في إعراضه عن متابعة النشرات التلفزيونية، التي بدت له نوعا من الهستيريا الإعلامية التي تسعى إلى مضاعفة جمهورها. ولم يكتشف عبد المالك سماري حجم الأخطاء التي وقع فيها إلا بعد عدة أيام، وأدرك حقيقة الوضع «عندما لم يعد هناك ما يمكن إنكاره: الفيروس موجود وهو قاتل في عدد من الحالات».
ويصف الكاتب تصرفات الإيطاليين عند إعلان الحكومة عن اتخاذ أولى إجراءات الحجر بأنها «سلوكيات من يواجه تهديدا مميتا» وشبهها بظروف الحرب أو «أيام الجزائريين سنوات أزمة الحليب وأزمات الندرة الأخرى»، مشيرا إلى أن مراكز التسوق ظلت الوحيدة التي لم تغلق أبوابها فـ»داهمها» المواطنون الإيطاليون. وأضاف نفس المصدر أن وسائل الإعلام الثقيلة لا تتحدث طيلة اليوم عن هذه المأساة التي حلت بإيطاليا، البلد المزدهر والمثقف، من أجل إعلام المواطنين بالفيروس والإجراءات الواجب اتخاذها من أجل تحصين النفس من الإصابة وحماية الآخرين.
وشاءت الصّدف أن تسجل الإصابات الأولى بالفيروس على بعد حوالي أربعين كيلومترا من مدينة ميلانو التي يقيم بها الكاتب، حيث يقول «فمن المعلوم أن الملايين من العمال يغادرون ميلانو ويتدفقون عليها يوميا من أجل تحصيل قوت اليوم... يمكننا أن نتصور الكائنات المجهرية مثل البكتيريا والفيروسات». ويستعيد سماري إجابته على صديقة تساءلت عن سبب استفراد الفيروس بالإيطاليين، حيث عزا الأمر إلى الطبيعة المهاجرة للإيطاليين، وانفتاحهم وطيبة قلوبهم، ووصفهم بـ»الإنسانيين جدا». وقال أيضا أنه يعتقد أن الفيروس «الغادر» قد وجد في طيبة السريرة التي تميز الإيطاليين وممارستهم الحياة دون مسافات ظروفا ملائمة لإهلاك الآلاف من الأشخاص إلى غاية اليوم، «وقد جعل إيطاليا تركع»، على حد تعبيره. ودعم الكاتب كلامه بحقيقة أن أول حالة إصابة بفيروس «كوفيد 19» سجلت في الجزائر كانت لدى مواطن إيطالي.
الحجر الصحي يغير الروتين اليومي ويفرض تنظيم الوقت
ويحدثنا عبد المالك سماري عن يومياته في ظل الحجر الصحي، فيشير إلى أن عطلته الإجبارية دفعته إلى تنظيم نفسه لمواجهة الفراغ الذي وجد نفسه فيه، لكنه لم ينكر قلقه الدائم وانشغاله بالوضع، رغم الابتهاج الذي يشعر به خلال العطلة والشّغور الهاديء، دون عمل أو ضغوط تدفع للتوتر. وينطلق البرنامج اليومي للكاتب بالاستيقاظ مع الضحى، تناول طعام الفطور ثم التوجه إلى جهاز الكمبيوتر لساعة أو ساعتين، قبل الخروج من البيت لممارسة المشي لتفعيل الدورة الدموية في المُنعزَل الذي لا تتجاوز حدوده الحي الذي يقيم فيه، ليعود بعد ذلك إلى البيت للاستغراق في القراءة لحوالي الساعتين.
أما بالنسبة للوجبات، فيكتفي محدثنا بتناول اثنتين في اليوم فقط، موضحا أن الأمر يتعلق بحمية غذائية يتبعها، كما يخرج في يومه المخصص للرياضة من أجل العدو في الحدائق العامة لساعتين فقط. وقد أعاد هذا الروتين الجديد إلى مشاهدة القنوات التلفزيونية التي كان يرى في وقت سابق أنها تلتهم حياة الإنسان وتستهلك وقته، لكنها اليوم تتضمن برامج ترفيهية صار يشعر بالحاجة إليها، بالإضافة إلى أفلام وثائقية مفيدة. ويستغل عبد المالك سماري فواصل الوقت بين النشاطات التي فرضها روتينه الجديد من أجل ممارسة الأعمال المنزلية والتسوق.
ويؤكد عبد المالك سماري، انطلاقا من سكناه بميلانو، أن جميع الإيطاليين معتكفون في منازلهم، ولا يخرجون إلا قليلا للضرورة فقط، معتبرا أن نتائج هذه الإجراءات ستبدأ في البروز بعد أسبوع، بينما قال أن «القاتل ليس الفيروس، وإنما هي ظروف الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية، فهم معرضون لمضاعفات كبيرة في حال التقاطهم للفيروس». وشرح نفس المصدر وضع الهياكل الصحية في مواجهة «كوفيد 19» بإيطاليا مثلما يراه، حيث أوضح أن المشكلة الحقيقية تتمثل في عدد المصابين وعجز القاعات المخصصة للإنعاش عن احتوائهم، كما أن الطواقم الطبية والوسائل غير كافية للتكفل بجميع المرضى.
قرى خاوية على عروشها وطوابير للحصول على الخدمات
ونبه سماري أن الإيطاليين يثقون بحكامهم ويبذلون ما بوسعهم لمواجهة هذا «الشر يدا بيد مع السلطات الصحية»، بينما دعا الجزائريين إلى أن يتبعوا النموذج الإيطالي، فالجميع في حجر صحي، وعدد الذين يعملون قليل جدا، كما أن الخروج أو السفر غير مقبول إلا في حالة الضرورة القصوى ويكون مبررا بتصريح ذاتي، فضلا عن أن كل مخالف لهذه التعليمات يُعاقب بغرامة مالية أو إجراءات أخرى مع السلطات.
وباتت البلدات والمدن شبه مهجورة بسبب غلق جميع الأنشطة فيها، باستثناء متاجر المواد الغذائية والصيدليات ومكاتب البريد والبنوك ووسائل النقل العمومي، حيث يؤكد لنا عبد المالك سماري أنه ينبغي على الفرد الوقوف في الطابور للحصول على أي خدمة، مع ضرورة احترام مسافة لا تقل عن المتر بين كل شخص وآخر. وتوقف البشر في إيطاليا عن تبادل التحية إلا من بعيد «بابتسامة متوارية خلف قناع أو بإشارة يد يغطيها قفاز»، مثلما عبر محدثنا، الذي قال «هكذا هم الإيطاليون يحاربون من أجل هدف واحد: فؤوس الكبرياء والانقسامات تُدفن عندما يرتبط الأمر بالمصلحة المشتركة. أنا شاهد عيان على ذلك».
وشرح الكاتب ما يراه في الشعب الإيطالي قائلا: «رغم أنه لا يوجد شكاك أكثر من الفرد الإيطالي في العالم، فهو لا يثق في شيء... خصوصا في «حكومة اللصوص»، (مثلما يسمونها) في أيام السلام، وفي الحقيقة فإن الإيطالي لا يفوت الفرصة لإطلاق هذه العبارة، حتى لمجرد سوء الظروف الجوية فيقول «حكومة اللصوص»». ولم تُجرّد الظروف الصعبة الشعب الإيطالي من روحه المرحة مثلما توثقه فيديوهات منتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تُظهِر أشخاصا يُغنّون ويصفقون من شرفات شققهم، ويوقدون مصابيح وشموع للتعبير عن تضامنهم ومحبتهم، بحسب عبد المالك سماري الذي يؤكد أن كل هذا يحدث مع بقائهم متباعدين.
على الجزائريين التأسّي بالإيطاليّين والصينيين
ويعتقد سماري أن الإيطاليين سيتجاوزون الأزمة دون خسائر فادحة، بل يذهب إلى التأكيد على أنهم سيخرجون بديناميكية حياة أكبر ويحولوا هذه المأساة إلى تجربة بناء تضاف إلى تراثهم الحضاري المتنوع، فيما أوضح أنه لا يخشى عليهم بقدر خشيته على الجزائريين، الذين يتابع مستجدات الوباء لديهم، بسبب «الشرخ الموجود بين أبناء الشعب أنفسهم، قبل أن تكون بين الحاكم والمحكوم». ويتوقع الكاتب أن بني جلدته سيتجاوزون الوباء أيضا لكن بأضرار أكبر، إلا في حالة تحول سلوك الجزائريين إلى التأني والتفهم.
ويضيف «لقد استمعت إلى خطاب رئيس الجمهورية، السيد تبون، الموجه إلى الأمة، وإن كان مطمئنا في حد ذاته، إلا أنه يجعلنا ندرك صعوبة المهمة، ومُدتّها ومستوى تعقيدها، وهذا لا يعود إلى تعسف أو تقتير من الجزائر، وإنما سببه الموضوعي يكمن في نقص الوسائل... ويكفي أن نرى «اللهفة» والأنانية التي تملكت الجزائريين متسببة في ندرة مفتعلة للمواد ذات الطلب المُلح والأدوية والارتفاع المبالغ فيه للأسعار، حيث (تكفي) رؤية هذا الجنون وهذا السلوك البدائي والأناني، لإدراك النقص القاتل في الوسائل البشرية، وهي الضامن الحقيقي لنجاح الحجم الضئيل من الوسائل المادية التي نحوزها».
ودعا الكاتب الجزائريين من صفحات النصر، إلى الاقتداء بالإجراءات المتخذة من طرف الصينيين والإيطاليين للحد من انتشار فيروس كورونا، مشددا على ضرورة عدم الاستهانة بالفيروس، لخطورته على البلدان التي لا تملك بنية صحية قادرة على احتوائه وكافية، كما أكد على أهمية الالتزام بالتوصيات والتوجيهات الوقائية التي تصدرها السلطات.
وينبغي، بحسب الكاتب، عدم الالتفات إلى الأخبار الكاذبة المنتشرة بشبكات التواصل الاجتماعي وعدم الإصابة بالهلع والحفاظ على الهدوء دون انسياق وراء الأنانية، فضلا عن ضرورة تجنب الوضعيات التي يكون فيها الاتصال بين الأشخاص مقربا. ويتمنى محدثنا أن يتمكن الجزائريون من الالتزام بالنصائح وألا يضعوا الهياكل الصحية المتواضعة للبلاد مقارنة بما تحوزه إيطاليا، في اختبار مجهول
العواقب. س.ح