أعرب الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الاثنين بالكويت، لدى استقباله من طرف...
أكدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أمس الاثنين، الشروع في معالجة انشغالات طلبة العلوم الطبية، من بينها رفع مبلغ المنحة الدراسية ومراجعة...
شهدت العيادة الطبية المتخصصة في جراحة قلب الأطفال ببوسماعيل أمس الاثنين إجراء عمليات جراحية على حالات معقدة، أشرف عليها طاقم طبي إيطالي متخصص...
أطلقت شركة سونطراك مسابقة وطنية مفتوحة لتوظيف خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس الأكاديمية في المجالات التقنية، بالشراكة مع الوكالة الوطنية للتشغيل. وبحسب ما...
اقتحمت وردة معمري ، صاحبة 35 عاما، من ولاية قسنطينة مجال الحدادة، بإرادة و شجاعة كبيرتين، فعلى مدار 20 سنة من العمل و الاجتهاد، استطاعت أن تنافس الرجال في مجال يعد حكرا عليهم و قليلات جدا في الجزائر و العالم العربي، امتهن هذه الحرفة التي تتطلب جهدا جسديا كبيرا و عضلات مفتولة.
النصر زارت وردة في ورشتها المتواجدة ببلدية عين السمارة، أين تمضي وقتها في قطع الصفائح الحديدية و تشكيلها لتصنع منها الأبواب و النوافذ و حتى بعض قطع الأثاث، و تتفنن في تصميم موديلات عصرية تتماشى و رغبات و أذواق الزبائن.
امرأة أثبتت أن المستحيل غير وارد..
زارت النصر ورشة وردة المكتظة بصفائح الحديد و آلات القطع و التلحيم و رائحة الشظايا المتناثرة بحي الشمسية، فوجدناها منهمكة في عملها و هي ترتدي زيا رياضيا ملطخا ببقع سوداء و تضع قبعة رياضية على رأسها و فوقها نظارات سوداء، تستعين بها عند قطع و إلصاق الحديد، بيدين ملطختين بالسواد المائل إلى الرمادي القاتم، جراء حملها و ملامستها للقضبان الحديدية و الصفائح.
روت لنا وردة حكايتها مع حرفة الحدادة بصوت تملؤه الثقة و الإرادة، و عادت بنا إلى الوراء، و تحديدا عندما كانت في سن 16 سنة، عندما قررت أن تجعل منها مصدر رزق، فقد أجبرها الفقر على التكفل بإعالة أسرتها المتكونة من سبعة أفراد، بعدما تعثرت في دراستها.
خلافا لبقية الفتيات اللائي يكون مصيرهن المكوث في البيت بعد مغادرة مقاعد الدراسة، كسرت وردة منذ صغرها القاعدة و صنعت الاستثناء، فعملت في بيع «المحاجب» لفترة، من أجل كسب بعض المال لمساعدة والدها في مصاريف أسرتها.
و أكدت المتحدثة للنصر، أن انطلاقتها الحرفية الحقيقية، كانت في ورشة خالها الأصغر العربي بعداش الذي علمها الحدادة منذ 20 سنة، فكانت ترافقه و هي طفلة صغيرة، لكن نظرتها للحرفة كانت أبعد و ارتباطها بها كان قويا، حيث كانت تراقب خالها و هو يعمل، و اكتسبت منه أسرار الحرفة و تفاصيلها، و بعدما اقتصر عملها على تقديم المعدات لمعلمها و ترتيبها، بدأت تساعده في أشغال التلحيم و قطع المعدن، لتجعل من حمل المرأة لآلة التلحيم و قطع الحديد ، منظرا مألوفا في محيطها ، صانعة الاستثناء.
نجحت وردة بفضل إرادتها و إصرارها على النجاح، و تشجيع خالها لها، في أن تصنع لها اسما محترما في هذا المجال، و كثيرا ما كان أصحاب الورشات الأخرى، يستعينون بمهارتها و خبرتها، فقد كانت تعمل لساعات إضافية في ورشات أخرى، بعد نهاية الدوام اليومي بورشة خالها، من أجل توفير مبلغا ماليا إضافيا يمكنها من تلبية احتياجات أسرتها.
النعومة تنافس أقوى العضلات
بأياد ناعمة يمتزج فيها الفن بالمهارة، استطاعت وردة أن تفرض نفسها في حرفة الحدادة التي بقيت مقترنة بأصابع الرجال و عضلاتهم القوية، دون غيرهم، و جعلها شغفها و حبها للمهنة، تبدع فيها دون الحاجة لأي تكوين في هذا التخصص.
أما عن مدى تقبل ممارسة فتاة لحرفة طالما كانت رجالية من قبل أسرتها و المجتمع ككل، قالت وردة إن والدها و إخوتها الذكور دعموها و شجعوها، و كانت تحظى خارج محيطها الأسري في الغالب، بالتقدير و الاحترام، سواء من قبل الزبائن، خاصة النساء ، أو باعة الحديد و المعدات و أصحاب الورشات.
و أضافت المتحدثة أن حبها لعملها، جعلها تبدع نماذج و تصاميم عصرية منفردة مختلفة عن الموجودة في السوق، مشيرة إلى أنها تمزج بين رغبة الزبون و إبداعاتها لتنجز نماذج جميلة و مميزة، جميعها مستوحاة من مخيلتها و بحثها الدائم عن كل جديد.
و أشارت إلى أن الرجال و النساء يقصدونها لتصنع لهم ما يحتاجونه من أبواب و نوافذ و أثاث و واجهات المحلات و غيرها، مؤكدة بأن النساء يستغربن ممارستها للحدادة، لكنهن يفرحن و يفتخرن بها لأنها استطاعت تحدي الرجال في حرفة تحتاج إلى أقوى العضلات، كما أنها تتيح لهن الفرصة أكثر من الرجال لاختيار و اقتراح تصاميم تعجبهن، مضيفة أن إسعاد زبائنها من الجنسين و إقناعهم بما صنعته أناملها، هو هدفها الأسمى بغض النظر عن المقابل المادي، الذي يكون مقابل جهد و عمل متقن يقنع الزبون.
صلابة الحديد لم تنسها مهارات الطبخ
تواجدها يوميا داخل الورشة، وسط الحديد و تشكيله بيديها اللتين فقدتا نعومتهما، لم ينسها، كما قالت، مهارة الطبخ ، فهي تهوى الأطباق التقليدية كالشخشوخة، التي تحرص على تحضيرها، خاصة في الولائم و الأفراح، و كذا المناسبات الدينية، أما تحضير المحاجب، فهو بالنسبة إليها، هواية و حنين لماض كان صعبا و قاسيا، لكنه صقل شخصيتها و جعل منها اليوم امرأة قوية تتحدى الصعاب، و بين عشية وضحاها، قد تتحول وردة من صاحبة ورشة للحدادة، إلى وردة الطباخة الماهرة، خصوصا عند اجتماع الأهل، كما أكد خالها للنصر .
«حياتي كانت صعبة و مليئة بالمطبات»، قالت وردة للنصر، فهي تنتمي إلى أسرة أنهكها ضيق العيش، فتعلمت تحمل المسؤولية مبكرا، و إلغاء المستحيل من طريقها، فلجأت إلى العمل و الاجتهاد، و لم تؤثر الظروف على عزيمتها.
وتذكرت خلال حديثها مع النصر، و هي تصمم نافذة ، أنها عملت في مطعم كبير بولاية وهران، و كانت بعد الدوام تحضر المحاجب و تبيعها في المساء للسياح و المصطافين، لتوفر دخلا إضافيا و تتمكن من تغطية مصاريف أسرتها.
و أضافت أنها تعيش اليوم رفقة والدتها فقط، بعدما نجحت في تزويج جميع إخوتها و أخواتها، كما تساعد خالها بما تيسر من مال، بعدما حرمه المرض من مواصلة العمل كحداد داخل ورشته.
أطمح لفتح ورشة بمقاييس عصرية
وردة التي تعمل بإمكانيات جد بسيطة، تطمح لتوسيع نشاطها و الحصول على دعم من أحد الصناديق المخصصة لذلك، لتتمكن من فتح ورشتها الخاصة، فهي تعمل حاليا في ورشة استأجرتها، و في أحيان كثيرة تواجه صعوبات كبيرة في دفع أقساط الكراء، كما أكدت لنا.
و أضافت أنها تحلم باقتناء معدات و آلات تلحيم و تقطيع عصرية، تساعدها على انجاز طلبياتها في وقت قصير و بتصاميم مبتكرة، مشيرة إلى أنها تلجأ في أحيان كثيرة إلى الورشات التي يملك أصحابها مثل هذه المعدات، من أجل تجسيد أشكال و زخارف متنوعة، خاصة العصرية، مشيرة إلى أن نقص الإمكانيات لم يعق يوما نجاحها، لكنها تطمح إلى الذهاب بعيدا في هذه الحرفة، في حال حصولها على الدعم اللازم.
و ذكرت المتحدثة أنها عملت بورشات أخرى، و ابتكرت رسومات و تصاميم، كان صاحب الورشة يبيعها أو يعرضها في التظاهرات الحرفية، على أنها من صنعه و تصميمه، و هي من الأمور التي تأثرت بها كثيرا، مشيرة إلى أن
أن بعض أصحاب الورشات، يقصدونها لانجاز موديلات استعصى عليهم تجسيدها، فحبها لحرفتها جعلها تتفنن و تبدع ، فلا يكاد يوجد تصميم لا تستطيع تجسيده ، و هي كثيرة البحث عن كل جديد يتعلق بحرفة الحدادة عبر المواقع الإلكترونية و فكرها مشغول دوما بصناعة أشكال جديدة، تجمع فيها بين المتانة و الأمن و الجانب الجمالي .
هيبة عزيون