مختصون يحذرون من الإفـراط في استهلاكه: الباراسيتامول.. إدمـان خـفي قـد يقتـلك!

يحمل كثيرون دواء الباراسيتامول، في حقائبهم ويضعونه في أدراج مكاتبهم أو في الثلاجة مع الطعام، و يتناولونه بشكل دائم عند أبسط شعور بالتعب أو الصداع، لأنه علاج لكل المشاكل و دواء سحري، سعره في المتناول يباع دون وصفة ويستهلك دون الحاجة إلى استشارة الطبيب، وهو تصور خاطئ يحذر منه أطباء و صيادلة، و يؤكدون بأن هناك مخاطر كبيرة قد تترتب عن فوضى تناول الباراسيتامول، الذي يمكن أن يتسبب في سكتة قلبية أو جلطة دماغية مفاجئة، داعين مقابل ذلك إلى ضبط عملية بيعه.

  لينة دلول

الجائحة حوّلته إلى منتـج واسـع الاستهـلاك
تناول الدواء واستخدامه بشكل مفرط، زاد كثيرا مع ظهور جائحة فيروس كورونا وتحديدا منذ انتشار متحور  « أوميكرون»، وذلك على اعتبار أنه واحد من الأدوية التي يصفها الأطباء في عملية العلاج، إلى جانب فعاليته في خفض حرارة الجسم و تخفيف الآلام و صداع الرأس.
 وقد حذرت دراسة حديثة من مخاطر الإكثار منه، على اعتبار أنها ظاهرة عالمية ولا تقتصر على الجزائر فقط، و بينت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة إدنبرة باسكتلندا، بأن تناول الباراسيتامول، بشكل منتظم، يزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية، كما أشارت إلى مخاطر الاستخدام طويل الأمد للحبوب التي لا تستلزم وصفة طبية، خصوصا بالنسبة لمن يعانون من ارتفاع في ضغط الدم.
وقال الباحثون، بأن تناول حبتين من مسكن الألم باراسيتامول يوميا، يزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية بنسبة 20 بالمائة، لمن يعانون من هذا المشكل مشددين على ضرورة أن يقلل الأطباء من جرعاته في وصفاتهم.
 يذكر أيضا، بأن الوكالة الفرنسية للأدوية، كانت قد منعت بداية من 15 جانفي 2020، الاستخدام الشخصي للأدوية التي تحتوي على الباراسيتامول، وأبرزها دواء دوليبران و الأسبيرين و ديفل، بعد ثبوت وجود مخاطر حقيقية على صحة متعاطيها.
و وفقا لما أوردته الوكالة، فإن بيع الأدوية المذكورة للمواطنين للاستخدام الشخصي، ممنوع إلا بوجود وصفة طبيب، كما أنها أدوية لا يجب أن تباع سوى في الصيدليات.
وخلال استطلاع قامت به النصر، بوسط مدينة قسنطينة  أجمع صيادلة تواصلنا معهم، على أن استهلاك هذا الدواء أصبح غير عقلاني ومفرط، في أوساط مواطنين من مختلف الفئات العمرية خصوصا الشباب والكهول، فهناك من يطلبونه لعلاج أعراض كورونا، دون استشارة طبية  بل يعتمدون على وصفات موحدة يتداولونها فيما بينهم، بالمقابل يعتبره آخرون علاجا شاملا لكل عارض أو ألم مهما كان.
وأعتبر أحد الصيادلة أن القرص، تحول إلى قطعة حلوى يستهلكها أشخاص بشكل يومي، فيما شبهه آخرون بالماء أو الخبز لكثرة تعاطيه، إذ قال باعة في عدد من الصيدليات، بأنه بات علاجا شائعا جدا، وأن سهولة اقتنائه هي ما خلف هذه الفوضى، على اعتبار أنه يباع بسعر جد منخفض 70دج، ودون وصفة طبية، كما يشاع، بأنه لا يسبب مضاعفات جانبية ولا موانع لاستعماله في الغالب، ولعل ذلك هو ما يدفع بمواطنين إلى أخذه دون احتراز ودون تحديد حجم الجرعة و توقيت تناولها و الحاجة الفعلية إليها.
هوس وإدمـان
أوضح صيدلي بشارع عبان رمضان، بأن أعلى نسب استهلاك للباراسيتامول، تسجل مع تصاعد مسار العدوى و زيادة عدد المصابين، خصوصا بعد ظهور « أوميكرون» و استفحال ظاهرة التداوي الذاتي، وحذر محدثنا، من أن الإكثار من الدواء قد يضر بالكلى وأن أثاره الجانبية قد تشكل خطرا على القلب  و الأوعية الدموية، كما قد ترفع احتمالية حدوث سكتة قلبية، خاصة في حال اعتماده لمدة طويلة وبجرعات مفرطة.
وقال صيدلي آخر، بأن هناك أياما يصل فيها بيع الدواء إلى معدلات قصوى، قد تعادل 120 علبة في اليوم، وقد يتعدى الأمر هذا الحد في فترات أخرى، مرجعا السبب إلى ما وصفه « بهوس» البعض بالباراسيتامول.
مواطنون تحدثنا إليهم قالوا، بأن علبة البراسيتامول، تعد من الأولويات الواجب توفرها في حقيبة كل إنسان وفي كل منزل وحسب نعيمة 40سنة، فإن أقراص الدواء تعتبر جزءا من روتين حياتها، وذلك نظرا لمعاناتها الدائمة من الصداع بسبب طبيعة عملها الذي يبقيها لفترات طويلة أمام شاشة الحاسوب، كما أخبرتنا بأنها لا تستطيع إكمال يومها دون شرب حبة من الدواء لتخفيف الألم.
وقالت شابة 26سنة، بأنها على دراية بالأخطار الناجمة عن هذا الدواء وبالتالي فهي تفضل أن تشربه عندما يصفه لها الطبيب، لأنها تخاف من أن تدمنه وتهلك كليتها. وأخبرنا رجل آخر، بأنه يتناول الباراسيتامول، كثيرا للضرورة، وذلك بسبب معاناته المتكررة من ألم في المفاصل، مشيرا إلى أن الألم يدفعه إلى إنكار مخاطر الإفراط في أخذ الدواء دون استشارة طبية. و الظاهر من خلال استطلاعنا، أن هناك نوعا من إدمان هذا الدواء بين الموظفين، و السبب هو الصداع الذي يعتبر عاملا مشتركا بينهم، كما أن النوع الخاص بـ 1000غرام هو الأكثر استهلاكا، لأن حبة منه تكون كافية في العادة لتخفيف الألم، بالمقابل فإن النوع الثاني500 غرام، كثيرا ما يكون قليل الفعالية حسب البعض.
rبخديجة الطيّب طبيب عام
احذروا الحساسية تجاه مكونات الدواء
يقول الطبيب العام بخديجة الطيب، إن الاستهلاك المتزايد  للباراسيتامول، في هذه الفترة، يعود إلى فعاليته السريعة في تخفيف الآلام و  خفض الحمى المصاحبة لأعراض فيروس كورونا، خصوصا ما تعلق بألم الرأس. وحذر المختص، من خطورة استهلاك كميات كبيرة  من المسكن، خاصة إذ تعدى الأمر الجرعات المسموح بها لأن المريض الذي يعاني من أمراض الكبد أو الكلى، سيكون عرضة لمضاعفات خطيرة قد تسببها الحساسية تجاه مكونات هذا الدواء، مشيرا، إلى أن مادة الباراسيتامول يتم امتصاصها   وتحليلها على مستوى الكبد، وهو ما يوجب علينا كمستهلكين تقنين كميات أخذ أقراص الدواء وتجنبها إن لزم الأمر، واللجوء إليها فقط في الحالات التي تتطلب ذلك و بناء على وصفة طبية متخصصة موضحا، بأنه لا يجب علينا تجاوز نسبة 3غرام من الدواء في اليوم الواحد، كشرط لحماية الكبد وتفادي أية مضاعفات جانبية.
rالدكتور حسام مخلوف
تناول الباراسيتامول يقلل من فعاليته العلاجية
من جانبه، شدّد الدكتور حسام مخلوف، طبيب عام رئيسي بالعيادة متعددة الخدمات ديدوش مراد، على ضرورة وضع قوانين صارمة تمنع الصيادلة من بيع الباراسيتامول دون وصفة طبية، خاصة بعد تزايد الإقبال على استهلاكه بشكل ذاتي ودون معاينة.
ويوضح الطبيب، بأن التعاطي المفرط لهذا الدواء و للمسكنات العلاجية عموما، من شأنه أن يسبب مضاعفات جانبية قد تظهر مستقبلا، خصوصا ما تعلق بالإضرار بالكبد، مشيرا، إلى أن هناك مواطنين أصبحوا يتناولونه دون دواع فعلية، و بمجرد الشعور بأي ألم طفيف غير آبهين بخطر ذلك على صحتهم، مشيرا، إلى أن تناول البراسيتامول، بشكل متكرر يقلل من فعاليته العلاجية على المديين المتوسط والبعيد، كما يمكن أن  يكون له تأثير عكسي يحول الألم من ظرفي إلى مزمن بحيث لا تنفع معه أية مسكنات أخرى، ولهذا ينصح الدكتور مخلوف، بضرورة استشارة الطبيب قبل تناول أي مسكن يباع في الصيدليات دون وصفة طبية.
وحذر الطبيب من جانب آخر، من غياب ثقافة الاستهلاك الصحية لدى المواطن، خاصة بعد تنامي ظاهرة التطبيب الذاتي وشراء الأدوية دون وصفة، بالنظر إلى انعكاساتها السلبية على الصحة العمومية، فضلا عن أن الاقتناء العشوائي للدواء منذ بداية الجائحة، تسبب في ندرة البراسيتامول في الصيدليات، وهو ما يوجب تقنين عملية بيعه و اعتماد الوصفة الطبية كشرط.
 ل. د