أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، لدى إشرافه باسم رئيس الجمهورية، القائد الأعلى...
يمثل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق رئيس حكومة الكيان الصهيوني « نتنياهو» و وزير دفاعه السابق» غالانت» بتهمة ارتكاب جرائم ضد...
تعد الضجة الكوميدية التي تثيرها بعض الأوساط السياسية والفكرية الفرنسية حول حالة بوعلام صنصال، دليلا إضافيا على وجود تيار «حاقد» ضد الجزائر. وهو لوبي لا يفوّت...
أكد الأمين العام لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، حميد بن ساعد، اليوم الخميس بالجزائر العاصمة، أن التمور الجزائرية بكل أنواعها تمكنت...
بالرغم من ساعات الصيام و العمل الشاقة، تحت حرارة شمس تتعدى أحيانا 40 درجة، يتجاهلن آذان الإفطار ليلبين نداء صفارات الإنذار، يحملن خوذاتهن الواقية و عتاد التدخل السريع، و ينطلقن مسرعات نحو شاحنات الإطفاء و سيارات الإسعاف، و لسان حالهن يقول: «حياة الآخرين مسؤوليتي». هن فتيات جامعيات، اخترن الانخراط في صفوف جهاز الحماية المدنية بقسنطينة، و سيدات فوق العادة يتحدين حرارة النيران و قسوة صور الدماء و مشاهد الموت، لإنقاذ الأرواح، حتى وإن كان ذلك على حساب راحتهن.
13 سيدة تتراوح أعمارهن بين 20 إلى 45 سنة، بينهن أعوان، طبيبة برتبة نقيب، و 5 ضباط برتبة نقيب و ملازم، لم تخف بذلة العمل الزرقاء الداكنة جمال ملامحهن، قابلناهن بالوحدة الرئيسية للتدخل بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة ، ساعات قليلة قبل آذان الإفطار. كن على أهبة الاستعداد في انتظار صوت صفارات الإنذار، التي قد تنطلق في أية لحظة معلنة عن بدأ تحد جديد للخطر، قد يكون عنوانه حريق مهول، أو حادث مرور مميت، وربما حادث انتحار، أو سقوط، أو تدخل عاجل لإنقاذ حياة إنسان ارتفاع ضغطه الدموي أو تعرض لأزمة قلبية و ربما نوبة سكري، يرتبط مصيره بوصولهم في الوقت المناسب.
تماما كباقي زملائهم الرجال ، يلتزم العنصر النسوي في الوحدة، بالعمل وفق نظام مناوبة لمدة 24 ساعة دون توقف، و دون أي استثناء خاص برمضان، حيث يتعين عليهن ضمان تغطية كاملة و التدخل عند أي طارئ، حتى وأن تزامنت الحوادث مع آذان المغرب، كما أكدته النقيب ونيسي حياة، طبيبة الوحدة، مشيرة إلى أنها و زميلاتها غالبا ما تفطرن داخل سيارات الإسعاف، على حبة تمر يقدمها لهن مواطنون وهن في طريقهن لتلبية نداء الاستغاثة، و قد يضطررن لتأخير الإفطار إلى ما بعد المغرب ،بما يزيد عن ساعة، إلى غاية التأكد من إسعاف الضحايا و التحكم في الوضع، لتتقاسمن بعد ذلك وجبة الإفطار مع مواطنين و عائلات، كثيرا ما يأبون إلا استضافتهن على موائدهم الرمضانية من باب التآخي و التضامن، أو عرفانا بالجميل.
محدثتنا وهي واحدة من أقدم ضباط الوحدة بسنوات خبرة تتعدى 20 عاما، قضتها في إسعاف ضحايا الحوادث على اختلافها، أخبرتنا بأن ساعات المناوبة أيام رمضان تعد الأكثر ضغطا بسبب ارتفاع نسبة التدخلات، خصوصا ما تعلق بحوادث المرور القاتلة و التدخلات الخاصة بإسعاف مرضى السكري و ارتفاع ضغط الدم، الذين يصرون على الصيام رغم وضعهم الصحي المعقد.
تقول: « طيلة مسيرتي المهنية، كان رمضان مناسبة خصوصية، لأنه شهر يرتبط في ذاكرتي بحادثين مؤلمين، الأول حادث مرور راحت ضحيته فتاة صغيرة عمرها15 سنة، دهستها شاحنة تاركة جزءا كبيرا من دماغها منفصلا عن الرأس، و الثانية حريق مهول أتى على منزل عائلة تفحم أفرادها جميعا، كل ما أتذكره أنني صدمت حين دخلت المنزل و لمحت صغيرا متفحما في حجر والدته التي احترقت هي الأخرى، الحادثان تركا أثرا عميقا في نفسيتي، لدرجة أنني لم أتمكن من الإفطار لأيام عديدة». تتوقف تم تضيف بتأثر :» عملنا يضعنا دائما أمام مشاهد يتطلب تحملها جهدا كبيرا و إنسانية أكبر، أحيانا لا نتناول شيئا بعد العودة إلى مقر الوحدة، فما نراه من هول الحوادث يفقدنا الشهية، مع ذلك نبقى دائما على تأهب للتدخل مجددا حتى وقت السحور و إلى غاية الساعة التاسعة من صباح اليوم الموالي للمناوبة «.
استفسرنا عن تأثير ضغط العمل على حياة أعوان الحماية المدنية النساء، فأوضحت لنا النقيب حياة ونيسي، بأن العمل وفق نظام 24 ساعة مقابل 48 ساعة راحة، يخلق نوعا من التوازن، و يسمح لها و لزميلاتها في المهنة بتنظيم حياتهن و التواجد أكثر مع أسرهن.
مع ذلك يبقى للتأثير النفسي للتدخلات جانب لا يمكن إغفاله على حد قولها، بالرغم من وجود برنامج متابعة نفسية و مرافقة معنوية دوري، للتكفل بكافة عناصر الجهاز و مساعدتهم على مواجهة الصدمات و تحمل الضغط. قيدور فيروز صاحبة 25 سنة، عون تدخل لم يمض على التحاقها بالوحدة المركزية بعلي منجلي ثلاثة أشهر، مع ذلك حدثتنا بدورها، عن صعوبة العمل خلال رمضان، بسبب ضغط الحوادث و جسامتها، مؤكدة بأن ما يخفف ساعات العمل الطويلة هو روح التآزر و تقاسم المسؤولية التي تسود فريق العمل، مؤكدة بأن ظروف الإفطار جيدة داخل الوحدة، فالوجبة المقدمة لا تختلف كثيرا عن المنزل، فهي متوازنة و متنوعة.
بالصدفة تزامن تواجدنا داخل مقر الوحدة، مع ليلة الاحتفال بنصف شهر رمضان، سألنا عن مكونات وجبة الإفطار المبرمجة، فكان الرد مفاجيء: شربة فريك، سلطة، شخشوخة و تحلية. و حسب ما أخبرتنا به العون بولهام فاطمة الزهراء، 23 سنة ، فإنها و زميلاتها لا يشعرن بالغرابة في المناسبات التي يتواجدن خلالها في العمل، لأن الأجواء تكون عائلية بين جميع الزملاء ،كما عبرت.
و أضافت زميلاتها دنيا زاد معلقة :» مثلا في أول أيام رمضان أفطرنا على شربة الفريك، البوراك و طاجين الحلو، و حتى الزلابية، اخترنا الانسحاب إلى الغرفة المخصصة لنا نحن النساء لنكون أكثر راحة، أما خلاف ذلك فظروف الإفطار جيدة ، حتى و إن كان صوت آذان المغرب كثيرا ما يختلط لدينا بصوت صفارة الإنذار، فنضطر لترك الملاعق بعد أول لقمة، لنلبي نداء الواجب، و كذلك الأمر بالنسبة لوجبة السحور».
قبل أن تكملن حديثهن إلينا ،انسحبت كل من الدكتورة حياة، فاطمة الزهراء و دنيا زاد، مسرعات نحو الباحة الرئيسية للوحدة، لدى سماعهن لصفارة الإنذار، التي انطلقت مرارا خلال تواجدنا بالمكان. كانت الساعة تشير إلى الرابعة إلا ربع بعد الظهر، فاعتذرن إلينا موضحات بأن الواجب يناديهن،و انطلقن مسرعات، عرفنا لاحقا بأن الأمر يتعلق بحادث مرور.
قبل خروج سيارة الإسعاف التي كانت تقلهن بدقائق، دخلت مقر الوحدة سيارة إسعاف أخرى، كانت تقل فريقا ثانيا من الأعوان من بينهم سيدة، عادوا لتوهم من مهمة إخماد حريق شب بأحد المنازل بحي شعبي بقسنطينة، أخبرنا الأعوان الرجال، بأنهم يركزون على إدماج زميلاتهن في الوحدة بشكل دائم خلال التدخلات، لأن الكثير من العائلات ترتاح لتواجد عنصر نسوي بين أعوان الحماية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع ضحايا إناث و بعض المواقف المحرجة الأخرى ، فالطبيبة و الأعوان السيدات، يسهلن عملية التواصل مع الضحايا و التكفل بهن بشكل أفضل، وهن كما علقوا مازحين، عناصر لا مجال للاستغناء عن خدماتهن، ما عدا داخل ملاعب كرة القدم.