* الجزائر تخطو اليوم خطوات نحو ضمان الأمن المائي أكد خبراء اقتصاديون، أمس، أن مصانع تحلية مياه البحر الجديدة، تعتبر مكسبا كبيرا في إطار تعزيز الأمن...
نظم المجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجيات، مساء أمس، حفلا لتتويج الفائزين في منافسات «هاكثونات ابتكار الجزائر آفاق 2027 « بحضور أعضاء من الحكومة...
أعلن وزير الصناعة، سيفي غريب، اليوم السبت بالجزائر العاصمة، عن إطلاق شبكة وطنية لقطع غيار المركبات والسيارات، تضم كل المنتجين المحليين لهذه القطع،...
اتفق وزير السكن والعمران والمدينة محمد طارق بلعريبي، ووزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري يوسف شرفة، على إنشاء لجنة تقنية مشتركة تعمل على...
تحافظ مخابز تقليدية بقسنطينة، على بعض زبائنها القدامى رغم الحداثة والتطور وكثرة المخابز العصرية، حيث يقود الحنين مواطنين إليها طيلة أيام الشهر الفضيل، و يزيد الإقبال مع اقتراب العيد، فبينهم من يقصدونها لأجل الخبز الطازج الطري المطهو داخل الأفران الحجرية، وبينهم من يعتبرون خبز حلويات العيد فيها، تقليدا سنويا قارا و جزءا مهما من التحضيرات التي ترتبط بحنينهم إلى أحيائهم القديمة وإلى تفاصيل الماضي.
رميساء جبيل
قادتنا الخطى نحو أقدم المخابز الحجرية التقليدية بقسنطينة وصلنا إلى أول مخبزة في حدود الساعة الثانية زوالا، وقد كان زبائنها كثرا، فحسب العاملين فيها، تعتبر المخبزة قبلة لسكان الحي وغيرهم، و هي أيضا عنوان يتردد عليه حتى من رحلوا من المنطقة قبل سنوات، لكنهم متمسكون بها و أوفياء لتجارها.
مخابز تحافظ على زبائنها القدامى
بدأت جولتنا من مخبزة عمي محمد ساحلي، بحي كوحيل لخضر المعروف بـ « جنان الزيتون»، حين وصولنا كانت رائحة الخبز الشهي الممزوجة بعبق ماء الورد والزهر الذي صنعت به الحلويات، تنبعث من المكان، أما نهاية الاستطلاع فكانت عند باب مخبزة « مزيود» بحي المحاربين، وهما من بين أقدم المخابز التقليدية بالمدينة، و لازالتا تواصلان النشاط منذ 60 سنة.
استقبلنا الخبازون في المخبزتين ببشاشة ورحابة صدر وسمحوا لنا بالعبور إلى غرف التحضير والإعداد، التي توجد في الخلف، وقد كانت في العموم غرفا صغيرة بإضاءة بسيطة و تهوية محدودة، وأشبه بممرات سافرنا من خلالها عبر الزمن، لنستمع إلى قصص عن أيام رمضان وتحضيرات العيد في الماضي.
في مخبزة « جنان الزيتون»، كانت الحرارة كبيرة جدا، مع ذلك كان العمال نشيطين كخلية نحل، بعضهم ينقلون الخبز إلى الرفوف و البعض الآخر يتكفلون بصواني وقوالب الحلوى التقليدية « البقلاوة و المقروض و الكوكي»، تنقلنا معهم إلى داخل غرفة الفرن، وقد كان من الصعب علينا تحمل درجة الحرارة العالية.
كان هنالك رجل منهمكا في تحضير عجين الخبز، في زاوية من الغرفة، وفي باقي الزوايا توزعت صناديق الخبز الجاهز و الساخن، إلى جانب قوالب الحلوى المطهوة و تلك التي تنتظر دورها لتدخل الفرن، فكما علما من أحد الخبازين ينطلق النهار بتحضير الخبر أولا، ثم يبدأ خبز الحلويات التي يحضرها أصحابها في الفترة المسائية.
شد انتباهنا الحجم الكبير للفرن الحجري المغطى بالآجر صغيرة الحجم، وقد ثبتت في وسطه بوابة حديدية صغيرة بطول أربعين سنتيمترا تقريبا وعرض يناهز المتر، ظهرت النيران داخله ككتلة لهب حمراء تلوح ألسنتها من حين إلى آخر لتداعب قالب البقلاوة الذي كان الخباز يحرص على تفقده بين الفينة والأخرى في انتظار أن يكتسب اللون الذهبي المطلوب، وقد علما منه، بأن ما يخبز في هذا الفرن يتميز بجودة عالية، لأن الحرارة عالية و ثابتة تحتفظ بها الحجارة بشكل كبير، فالفرن كما أوضح، مصنوع بطريقة ذكية و بأبعاد خاصة ومواصفات دقيقة.
كانت الحلويات التقليدية وبالأخص البقلاوة والمقروض، أكثر ما يزاحم الخبز في المكان الضيق، و السبب كما قال صاحب المخبزة عمي محمد ساحلي، هو أنها فترة الذروة فكل العائلات تنطلق مع بداية الأسبوع الأخير من رمضان، في تحضير الحلويات للعيد، وكثيرون لا يزالون يفضلون خبز هذين النوعين تحديدا من الحلوى في المخابز الحجرية القديمة، لأن طريقة طهيهما تعد الخطوة الأهم في نجاح الوصفة، وقليلون جدا هم الخبازون الذين يتحكمون فيها و يعرفون المدة الأنسب للطهي و اللون المثالي للحلوى.
كانت الحركية كبيرة عند مدخل المخبزة، طلب مستمر على الخبز بنوعية « البغيت و خبز الدار»، و قوالب كثيرة أوصلها أصحابها و وضعوها على الرفوف في انتظار أن تنقل إلى غرفة الفرن بعد خروج القوالب الجاهزة، أخبرنا الخباز، بأنها حركية تتجدد في كل موسم، لأن للمحل زبائن أوفياء يعودون دائما، حتى من غادروا الحي إلى أحياء وتوسعات حضرية أخرى، و السبب هو حنينهم إلى الماضي و ثقتهم في العاملين بالمكان، فكل شيء هنا ثابت ولم يتغير حسبه، بما في ذلك العمال الذين قضوا سنوات في المخبزة.
300 قطعة من خبز « الفوغاس» يوميا
و إلى جانب تحضيرات العيد في الأيام الأخيرة، يزيد الإقبال خلال الشهر الفضيل، على اقتناء خبز الفوقاس والشريك مقارنة بالخبز السميد و البريوش وخبز الدار وخبز الشعير والبيتزا، ولهذا السبب تضاعف المخابز التقليدية كما قال محدثنا، الكمية المنتجة منهما، فيتم تحضير ما بين 150 إلى 200 حبة من الشريك يوميا، وما يقارب 300 خبزة من الفوغاس و حوالي 160 قطعة من خبز السميد بنوعيه الدائري والعادي، مؤكدا بأن الكميات التي يتم تحضيرها لا تلبي الطلب أحيانا.
ويقبل الناس كثيرا، على اقتناء الخبز التقليدي المعروف بخبز الفوقاس وخبز الكيلو والنصف كيلو، الذي تشتهر به الأفران و المخابز التقليدية، وهي أنوع تستقطب زبائن من البلديات المجاورة لقسنطينة، مثل عين سمارة و المدينة الجديدة علي منجلي.
و لخبز الفوغاس، عشاق يقصدون المخبزة من مختلف الولايات و خصوصا سكيكدة، كما يشتهيه أفراد من الجالية الجزائرية في الخارج ويأخذون منه في حقائبهم و هم مغادرون، خاصة أن خبز الفرن الحجري يحافظ في العادة على جودته وقوامه لمدة ثلاثة أيام على الأقل.
من جانبه، ذكر إسلام صاحب مخبزة « مزيود» بحي المحاربين، بأن تحضير الخبز العادي يتراجع في رمضان لحساب أنواع تقليدية أخرى، خاصة وأن سكان المنطقة يفضلونها أكثر، كما يقصد المحل أشخاص من خارج الحي يحبون طعم الخبز المطهو داخل الفرن الحجري، الذي قال بأنه طور فيه قليلا بحيث صار يشتغل بالغاز، ويسع بالعموم 25 قالبا صغيرا و15 قالبا كبير الحجم، من مختلف أنواع الخبز.
أسعار ثابتة و خدمات صنعت شهرتها
وتحافظ المخبزتان على الأسعار المعتمدة منذ سنوات، وذلك عكس العديد من المخابز الأخرى بقسنطينة، فسعر خبزة الشريك هو 5 دنانير، مقابل 10 دنانير لخبز الفوغاس.
وتشتهر مخبزة ساحلي مثلا، بطهو الحلويات وتحميص الكميات الكبيرة من المكسرات، التي يحضرها تجار و صناع حلويات « الجوزية والكاوكاوية والنوقة»، كما توزع الخبز على تجار التجزئة، أما فتشتهر حد قول صاحبها إسلام بصناعة الفوغاس و البيتزا وتقدم خدمات أخرى منها طبخ الدجاج المحمر و شوي اللحم في الفرن الحجري.
ويتغير توقيت العمل في رمضان، أين يباشر عمال مخبزة جنان الزيتون عملهم على الساعة الثالثة صباحا، فيتوجه الابن البكر للعم محمد، نحو المحل أولا، ويبدأ بخلط مكونات خبز السميد ثم الشريك، وفي نفس الوقت يجهز الفرن الذي يأخذ مدة ساعة إلى ساعة ونصف ليسخن جيدا، ليلتحق به والده في حدود الساعة السادسة صباحا، و يحضر بقية المنتجات.
عند الساعة الثامنة صباحا، تفتتح المخبزة أبوابها أمام زبائنها لتعرض عليهم الخبز الطازج الذي يجود به فرنها الحجري وتختلف درجات حرارة طهي المعجنات والحلويات باختلاف النوع حسب صاحب المخبزة، فالخبز يتطلب حرارة عالية جدا، أما المكسرات والحلويات فتطهى على حرارة منخفضة أو معتدلة، و هي عملية تتم في الفترة المسائية عادة.
و على عكسهم بفضل أصحاب مخبزة مزيود، البدء في العمل عند السادسة صباحا، و إعداد خبز السميد ثم الشريك وفي حدود الساعة الثامنة والنصف، تجهز البيتزا وخبز الكيلو وخبز الفوغاس، ويتوقفون قبيل أذان المغرب بدقائق معدودة، و يستمر العمل إلى غاية الفترة الليلية مع اقتراب عيد الفطر المبارك.
و يزيد الإقبال على المخابز أكثر في آخر عشرة أيام من رمضان، من أجل خبز الحلويات، فيضاعف أصحاب المخابز ساعات عملهم، و يعملون بوتيرة مستمرة دون توقف ليلا ونهارا لتلبية كل الطلبات كما أخبرونا. حيث لاحظنا خلال استطلاعنا، بأن تحضيرات العيد بدأت باكرا، بدليل الحركية الكبيرة في المخبزتين، وقد تزامنت جولتنا مع حضور شباب يحملون صواني القطايف والبقلاوة و المقروض و الكروكي.
وقال صاحب مخبزة ساحلي، أن فرنه مجهز ليسع 20 صينية كبيرة أو قالبا من الحلوى، مع ذلك فإن العمل يكون مضاعفا في هذه الفترة بالنظر إلى حجم الطلب، موضحا بأن الناس يفضلون فرنه الحجري لأنه لا يحتوي على مادة الأميونت.