أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، لدى إشرافه باسم رئيس الجمهورية، القائد الأعلى...
يمثل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق رئيس حكومة الكيان الصهيوني « نتنياهو» و وزير دفاعه السابق» غالانت» بتهمة ارتكاب جرائم ضد...
تعد الضجة الكوميدية التي تثيرها بعض الأوساط السياسية والفكرية الفرنسية حول حالة بوعلام صنصال، دليلا إضافيا على وجود تيار «حاقد» ضد الجزائر. وهو لوبي لا يفوّت...
أكد الأمين العام لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، حميد بن ساعد، اليوم الخميس بالجزائر العاصمة، أن التمور الجزائرية بكل أنواعها تمكنت...
منذ أن ظهر الإسلام لم يكد يغيب عن ميدان السياسة؛ ليس لأن طبيعته غير الكهنوتية تأبى الانفصال فقط؛ ولكن لأن الذين يملكون خيوط السياسة وزمام السلطة في العالم الإسلامي قديما وحديثا ما يزالون يجدون فيه مبررا إيديولوجيا لمواقفهم من القضايا الفكرية والتشريعية والسياسية، ومسوغا لإجراءاتهم حتى لو كانت إجراءات قمعية؛ ولهذا وجدت الفتاوى السياسية التي تجلى فيها الخلاف والاختلاف، والرأي ونقيضه، وربما سالت بسببها دماء وانتهكت أعراض واستبيحت أموال؛ مما يستدعي التعامل معها بحذر وضرورة وضعها في إطارها التاريخي ونسقها الاجتماعي وملابساتها السياسية، وعدها ضربا من وجهات النظر أكثر منها فتاوى شرعية وإن دبجت وأصلت لمقولاتها بنصوص من الشرع الحنيف.
ففي أول خلاف سياسي حول منصب الأمير استند كل فريق من فرق أهل السنة والخوارج ومن جاء بعدهم من الشيعة في مواقفه السياسية إلى نصوص من الكتاب والسنة، التي لم يعزه فيها التأويل المسوغ لموقفه ونظريته في السلطة ومعترك السياسة، لدرجة أن التبرير تعدى عالم الإمكان والفروع في السياسة إلى عالم القطع والأصول في العقيدة، وأضحى المخالف في نظر مخالفيه نظيرا للكافر والزنديق؛ وعلى مر القرون لم يكد هذا المنهج يبرح إطاره.
وفي العصر الحديث عادت الفتاوى السياسية التي تختلف هنا عن فتاوى السياسة الشرعية للظهور مجددا، ليس على لسان منظري جماعات العنف فحسب؛ بل على لسان فقهاء منضويين تحت لواء الوسطية أو تابعين للسلطات الرسمية في بلد ما.
ففي الجزائر وقع خلاف امتد إلى تونس والمغرب سنة 1914م حول مدى جواز قبول التجنيد الفرنسي والمشاركة تحت لواء جيشها في الحرب العالمية الأولى، وانقسم الموقف الفقهي إلى فريقين فريق يجيز التجنيد، وفريق يحظره، ولم تكن حجة هذا الفريق الفقهي الأخير وضعية الدولة الفرنسية المستعمرة التي يجب قتالها؛ بقدر ما كانت وضعية الدولة التركية المتحالفة مع ألمانيا ضد فرنسا؛ حيث يحرم قتالها لأنها مسلمة.
ربما كانت تركيا وقتها رمزا للخلافة الإسلامية التي تمثل الإسلام والمسلمين، ولكن أحدا من المجيزين لم يتساءل وهو يحرم قتال الترك عن سبب تحالف تركيا مع ألمانيا الكافرة، وعن صمت تركيا دار الخلافة عن الاحتلال الفرنسي للجزائر ولأقطار المسلمة من قبل الاحتلال الإيطالي والاسباني والانجليزي، فلو كانت تركيا زمن الحرب العالمية الأولى حاملة لواء تحرير الشعوب المسلمة لكان واجبا الوقوف معها لا ضدها، أما وأن الموقف كان سياسيا مصلحيا؛ فإن الكثير من الفقهاء رفضوا الانسياق وراء العواطف الدينية واحتكموا هم أيضا إلى ما رأوا فيه مصلحة للجزائريين، بل استحضر بعضهم صفحات سوداء من صفحات التواجد التركي بالجزائر وذكر بها من نسي، ولا أدل على ذلك من أن الموقف إبان الحرب العالمية الثانية كان شبه موحد تجاه القبول أو الصمت خيال التجنيد الفرنسي للجزائريين لأن الموقف بدا وكأنه يخدم مصلحة الجزائر.
استند المحرمون لقبول التجنيد الفرنسي إلى نصوص دينية تتعلق بالولاء و البراء، وتحظر على المسلم التحالف مع الكافر لقتال أخيه المسلم، دون أن يقنعوا خصومهم بتحقق المناط في النازلة التي يكيفونها فقيها، وكان من السهل سرد عشرات النصوص في هذا الاتجاه الفقهي.
ولكن الموقف يتكرر بعد قرن من الزمن غداة الحراك العربي، فقد وجدنا فقهاء يجيزون التحالف مع القوى الغربية ومنها فرنسا وأمريكا وانجلترا لقتال المسلمين من نظام الرئيس الليبي الراحل، وكذلك يتكرر المشهد في الأزمة السورية واليمينية، فما كان محظورا قبل قرن أصبح مباحا أو واجبا، وقبل هذه المأزق بعقدين انقسم الموقف الفقهي حيال حرب العراق الأولى وبعدها الحرب الثانية حين أبيح التحالف مع الكفار لقتال المسلمين من نظام صدام حسين.
إن خلط الموقف الفقهي بالموقف السياسي أدى إلى تناقضات وويلات لم يعد يتحملها المسلم المعاصر، وهو يشاهد يوميا دماء المسلمين تسيل بأيدي الكفار وفقهاء من هذا التيار أو ذاك يبررون لهم جرائمهم وقتلهم للمؤمنين، بل إن المسلم المعاصر يقبع حائرا من مواقف فقهية متقلبة بتقلب الأنظمة وتعاقب الدول، ففي دولة ما يعد بعض الفقهاء التظاهر بغيا والثورة حرابة والديمقراطية بدعة، لأن النظام الذي يتفيأون في ظلاله يأبى شرعنه هذه القضايا، بينما يقفون موقفا إيجابيا حيال هذه القضايا خارج حدود دولهم فيغدوا التظاهر تغييرا للمنكر وصدعا بالحق، والثورة جهادا والديمقراطية شورى، وهكذا دواليك.
إننا لا نطالب بفصل الدين عن الحياة فذلك مناف لطبيعته ولكننا نطالب بوقف توظيفه لتبرير مواقف سياسية وإجراءات أنظمة تخطئ وتصيب، تبعا لما تحققه من مصالح. وعلى المجتمع المتلقي لهذه الفتاوى أن يكون حذرا، فليست هي من قبيل الفتاوى التي تؤطر حياته التعبدية بل هي آراء تتلوّن تبعا للون أصحابها.
ع/خ