أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، لدى إشرافه باسم رئيس الجمهورية، القائد الأعلى...
يمثل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق رئيس حكومة الكيان الصهيوني « نتنياهو» و وزير دفاعه السابق» غالانت» بتهمة ارتكاب جرائم ضد...
تعد الضجة الكوميدية التي تثيرها بعض الأوساط السياسية والفكرية الفرنسية حول حالة بوعلام صنصال، دليلا إضافيا على وجود تيار «حاقد» ضد الجزائر. وهو لوبي لا يفوّت...
أكد الأمين العام لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، حميد بن ساعد، اليوم الخميس بالجزائر العاصمة، أن التمور الجزائرية بكل أنواعها تمكنت...
يأتون من أقصى الجنوب حاملين معهم أدوات بسيطة لتحضير الشاي الصحراوي الذي يعشقه مواطنو الولايات الشمالية، ويتخذون من البلديات الساحلية مستقرا لهم أغلب أشهر السنة، ليصنعوا جوا من الفرح والمتعة .. إنهم شباب ولايات بشار وتمنراست و أدرار و تندوف الذين أصروا على نقل نكهة الشاي الصحراوي والأجواء الساحرة بالجنوب إلى الولايات الساحلية.
اعتادوا على أجواء الصيف بالمناطق الساحلية، واعتاد عليهم كل من يقصد شواطئ البحر للاستجمام والاصطياف، حيث أصبح كأس الشاي يرافق الأسر والمصطافين وهم يستمتعون بهواء البحر المنعش وبأشعة الشمس الذهبية، ويتخذ باعة الشاي من الأرصفة المطلة على واجهة البحر مواقع دائمة لهم طيلة أشهر الصيف، على غرار واجهة البحر بولاية بومرداس وعديد البلديات الساحلية بالعاصمة. و يبدأ توافد شباب الجنوب على البلديات الساحلية ابتداء من دخول فصل الربيع، حيث تدب الحركة والحيوية من جديد على النشاط التجاري، ويزيد تنقل المواطنين نحو أماكن الترفيه والتسلية، على غرار الحدائق العمومية والمساحات الخضراء، ومراكز التسلية...لا يكثرون الحديث مع الزبون، فقط يستمعون لطلباته، و يتسقبلونه بابتسامة هادئة... ليشرعوا فورا في إعداد الشاي مرفوقا بالمكسرات.
العمل لسنوات عدة بالشمال و إتقانهم الجيد لهذه الحرفة وحسن تعاملهم مع الزبائن، جعلهم عنصرا فاعلا وأساسيا في تنشيط ليالي الصيف الحارة بالمناطق الساحلية، فلا احد يمكنه أن يستغني عن ارتشاف الشاي الصحراوي وهو جالس مقابل البحر، كما أصبحت السلطات المحلية لا تستغني عن باعة الشاي الصحراوي، فهي تخصص لهم حيزا غير بعيد عن واجهة البحر ليمارسوا نشاطهم التجاري، على غرار كافة التجار الموسميين، وأصحاب الحرف التقليدية الذين يعرضون ما جادت به أناملهم على المساحات التي يقصدها المصطافون.
مدخول يومي ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف سنتيم
ولا يقصد شباب أقصى الجنوب الشمال هروبا من الحرارة المرتفعة، التي تتجاوز 45 في غالب مناطق الجنوب، أو من أجل الاستجمام والراحة، فهم يقطعون مئات الكيلومترات بحثا عن مصدر رزق، بعد أن ضاقت بهم السبل، ومنهم من يخصص فترة الشتاء للعمل في الفلاحة أو حرف مختلفة، ليهاجروا بعدها نحو الشمال في فترة الصيف، وبحسب شهادات بعض الشباب الذين تقربنا منهم، فإن صلتهم بإبريق الشاي أصبحت وثيقة، ومنهم من غادر منصب عمله القار ليحترف هذه المهنة، لأنها تذر عليهم مالا وفيرا، يمكنهم من ضمان مصروف باقي أيام السنة، على أمل أن تلتفت إليهم السلطات البلدية بالمناطق الساحلية، بمنحهم تراخيص، تسمح لهم بممارسة نشاطهم في ظروف أحسن دون أي مضايقات.
ويصل المدخول اليومي لتجار الشاي ما بين 5 آلاف إلى غاية 10 آلاف سنتيم يوميا حسب تأكيد بعضهم، فهم لا يعرضون الشاي الصحراوي فقط، بل المكسرات على غرار الفول السوداني واللوز والبندق و الفستق و أنواع أخرى عدة من المكسرات التي تزين موائد الجزائريين خلال السهرات الصيفية، ويتم اقتناؤها من تجار مختصين في إعداد المكسرات وتحميصها وبيعها لتجار التجزئة، في حين يكتفي التاجر المتجول بتحضير الشاي فقط، بواسطة موقد تقليدي مربوط بقنينة غاز صغيرة، وقليل من الشاي المجفف وبعض السكر والعسل.
ويوجد من بين باعة الشاي طلبة جامعيون يستغلون فترة العطلة الصيفية لجمع بعض المال لتغطية مصاريف الدراسة، من بينهم شاب ينحدر من ولاية أدرار التقيناه بشاطئ بومرداس، أكد في حديث معنا أنه يدرس في السنة الثانية جامعي تخصص اللغة الإيطالية بجامعة البليدة، ويقضي شهر رمضان وكافة أشهر الصيف بالساحل في بيع الشاي والمكسرات، لتحسين ظروفه المادية، ويستغل بعض الوقت في التنزه رفقة أصدقائه الذين يتقاسمون معه نفس النشاط.
الفلاحة شتاء والشاي صيفا لتأمين لقمة العيش
في حين قال بائع آخر بأنه دأب على ممارسة حرفة بيع الشاي الصحراوي منذ سنة 2008، وانه لا يقوم بأي عمل آخر خلال باقي أيام السنة، بالنظر إلى صعوبة الحصول على منصب عمل براتب مناسب يضمن لهم حياة كريمة، وأضاف آخر بأنه كان يعمل في شركة للمياه المعدنية، لكنه سرعان ما غادرها بسبب ظروف العمل التي لم تناسبه وكذا الأجر الضئيل، فقرر شد الترحال على غرار زملائه إلى الشمال وبالتحديد إلى سواحل العاصمة و بومرداس لبيع الشاي الصحراوي، على أمل أن يحصل على منصب عمل قار، يجنبه الترحال ما بين الشمال والجنوب وقطع مسافات بعيدة.
واشتكى آخرون من صعوبة العمل هذه الصائفة، خلافا لسنوات سابقة، بعد أن رفضت العديد من البلديات الساحلية منحهم تراخيص لنصب طاولاتهم على واجهة البحر، أي في المساحات التي تعج بالمارة والمصطافين، بما يساعدهم على ضمان مدخول مناسب يغطي مصاريف اقتناء أدوات العمل، وكذا تكاليف كراء مقر للمبيت فيه، أصر أحدهم على الحديث إلينا، قائلا :"نحن جئنا هنا كي نسترزق، وحرماننا من نصب طاولاتنا على واجهة البحر وفي الشوارع الرئيسية أثر على نشاطنا الذي تراجع بشكل محسوس"، مضيفا أنهم جاءوا من تمنراست وقطعوا مسافة تفوق ألفي كلم، لذلك هم يبحثون عن يد المساعدة من قبل السلطات المحلية، واستطرد نفس المتحدث أنهم قصدوا البلديات المعنية دون أن يتلقوا الرد الشافي، رغم تلقيهم لوعود بتمكينهم من الترخيص، ليجدوا أنفسهم مجبرين على نصب طاولاتهم خلف واجهة البحر، وفي أماكن غير ظاهرة للمارة، مما اثر على نشاطهم إلى درجة كبيرة.
ويضيف المتحدث أنه بعد انقضاء الصيف ينصرف كل بائع إلى حاله، بحثا عن مصدر رزق آخر ليعيل أسرته، علما أن نسبة هامة من المدخول اليومي يوجه لاقتناء المكسرات من محلات مختصة، وكذا السكر والشاي المجفف، ولا يتوقف نشاط بائعي الشاي الصحراوي إلا بعد عيد الأضحى، وبعضهم يمدد إقامته بالشمال إلى غاية بداية فصل الشتاء.
واستغل بعض من تحدثنا إليهم الفرصة لإيصال ندائهم إلى الجهات المعنية، موضحين أنهم يقطعون مئات الكيلومترات للاسترزاق وليس للفوضى، آملين أن تساعدهم السلطات المحلية للبلديات الساحلية، وأن تتفهم وضعهم وظروفهم الاجتماعية، علما أن باعة الشاي الصحراوي ينتشرون في أغلب المدن الساحلية، على غرار بجاية وتيزي ويزو وسكيكدة و عنابة وغيرها، إذ لا يمكن لأحد أن يستمتع بعطلته الصيفية دون ارتشاف الشاي الصحراوي المعد على الفحم، وتذوق ما لذ وطاب من المكسرات.
خيمات صحراوية بلمسة عصرية تزين المدن الكبرى
كما لا ينحصر نشاط الباعة المتجولون للشاي الصحراوي على شواطئ البحر خلال فترة الصيف، حيث اهتدى العديد من شباب الجنوب إلى تأجير محلات بمختلف بلديات العاصمة، خاصة التي تقع غير بعيد عن الساحل، لممارسة تجارتهم بشكل دائم، أي طيلة أيام السنة، خاصة خلال سهرات رمضان، وكذا في ليالي الشتاء الباردة، حيث يقصد الكثير من الشباب تلك المحلات لتبادل أطراف الحديث وتذوق الشاي الصحراوي، الذي تفوح منه رائحة النعناع والقرنفل وغيرها من الخلطات السرية التي تضاف إلى هذا المشروب الذي له مكانة خاصة في مختلف المناسبات العائلية والمواسم والأفراح، فلا يكاد يخلو شارع من شوارع العاصمة من المحلات المزينة بالزرابي الصحراوية، وبأباريق الشاي المصنوعة من النحاس، ومواقد الفحم التقليدية التي تستعمل لتسخين الشاي، وكذا بعض الحلويات التقليدية منها القلب اللوز أو الشامية، التي لم يعد استهلاكها يقتصر على شهر رمضان فحسب، وتنشر هذه المحلات على وجه الخصوص في الأحياء الشعبية، التي ما تزال تحن لكل ما هو تقليدي ويرمز إلى الأصالة، فلم يعد الشاي الذي تحضره ربات البيوت يستهوي أفراد الأسرة خاصة الشباب، مقارنة بشاي صحراوي بذوق مميز، خاصة إذا تجمع حوله الأحباب والأصدقاء لاستحضار الذكريات الجميلة.
ورغم الحركة الدؤوبة التي تميز ليالي البلديات الساحلية، الواقعة بالعاصمة وولاية بومراس، إلا أن بائعي الشاي يشتكون هذه السنة من تراجع نشاطهم بشكل محسوس وتقلص مداخيلهم اليومية، بسبب ما اعتبروه تقشفا من قبل المصطافين، الذين يكتفون في غالب الأحيان باقتناء الشاي وكمية قليلة من الفول السوداني الذي يعد الأرخص ثمنا مقارنة بباقي المكسرات، في حين أنهم كانوا يضاعفون طلباتهم في زمن البحبوحة المالية، ولا يترددون في اقتناء أفضل أنواع المكسرات، وبحسب أحد البائعين فإن أفضل زبون لديهم لا تتجاوز قيمة الطلبات التي يقتنيها 200 دج، ومنهم ما يكتفي بطلب الشاي فقط، ومع ذلك يصر هؤلاء الشباب على المساهمة في إحياء ليالي الشمال، غير آبهين بما يواجهونه من مشاكل أو مصاعب.
• روبورتاج : لطيفة/ ب/تصوير الشريف قليب