أعرب الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الاثنين بالكويت، لدى استقباله من طرف...
أكدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أمس الاثنين، الشروع في معالجة انشغالات طلبة العلوم الطبية، من بينها رفع مبلغ المنحة الدراسية ومراجعة...
شهدت العيادة الطبية المتخصصة في جراحة قلب الأطفال ببوسماعيل أمس الاثنين إجراء عمليات جراحية على حالات معقدة، أشرف عليها طاقم طبي إيطالي متخصص...
أطلقت شركة سونطراك مسابقة وطنية مفتوحة لتوظيف خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس الأكاديمية في المجالات التقنية، بالشراكة مع الوكالة الوطنية للتشغيل. وبحسب ما...
تخلف خسائر في الأرواح والممتلكات كلما فاضت
وديان تبسـة أو الـموت الصامت القادم مـن الـمرتفعـات
لم تكن مدينة تبسة في يوم من الأيام بمنأى عن الفيضانات، بحيث مازالت ذاكرة كبار السن تحتفظ ببعض الأعاصير ومياه السيول التي أتت على الأخضر واليابس بهذه المدينة العتيقة، مسجلة خسائر مادية وبشرية متباينة، كان آخرها يوم 12 سبتمبر.
وتشير المصادر ذاتها إلى أن أمطارا طوفانية كانت قد اجتاحت المدينة عام 1926 مخلفة وفاة 04 أطفال وخسائر كبيرة في البنية التحتية، كما هلك عدد معتبر من الجزائريين في فيضانات أكثر ضراوة بداية الخمسينيات وكذا في السبعينيات، وظلت وديان تبسة بمثابة الموت الصامت الذي يترصد بين الفينة والأخرى التبسية، فيتلف ممتلكاتهم ويصل أحيانا إلى ما إدخروه للأيام القادمة، ولم تغلق قائمة ضحاياه في العقود الأخيرة، ففي الـ 12 من شهر سبتمبر 2018 فاضت وديان هذه المدينة مجددا، وجرفت في طريقها طفلا في السادسة من العمر، كما جرفت وهشمت أكثر من 90 سيارة من مختلفة الأنواع والأحجام حسب تقديرات المسؤولين المحليين، فضلا عن تسللها للعشرات من المنازل والمحال التجارية، أين عبثت بتجهيزات المواطنين وأتلفت مؤوناتهم وأغطيتهم، ولم تكتف هذه السيول التي حادت عن مسارها، وجرفت معها الطمي والأشجار وحتى بقايا هياكل السيارات القديمة بذلك، بل طالت البنية التحتية للمدينة وبلغ إرتفاع السيول أحيانا المتر والنصف.
وتساءل المواطن التبسي عن الجدوى من المشاريع المنجزة في إطار حماية مدينته وممتلكاته من خطر السيول، كما تساءل عن عجز البالوعات في تصريف هذه المياه، وغياب التدابير الاحترازية التي تنبه ساكنة تبسة لمثل هذه الكوارث الطبيعية لمجابهتها، ويجمع مواطنون على فشل الوصفات المقدمة لوقف هذا الخطر المتحفز القادم دون مواعيد مسبقة، مشيرين إلى غياب الدراسات الجادة التي لم تراع النمو الديموغرافي والتحولات التي عرفتها مدينة تبسة، بينما أشار آخرون بأصابع الإتهام للمواطن، وإلى غياب الوعي والرمي العشوائي للقمامة والنفايات الصلبة وبقايا الردوم وغيرها بقلب الوديان، وهو ما أقرته السلطات وأكدت أنه في حال تكرار مثل تلك الإعتداءات على الوديان سيتم اللجوء إلى الردع، وتماشيا مع ذلك حددت بلدية تبسة توقيتا جديدا لرمي النفايات وهددت باتخاذ تدابير أكثر صرامة حماية للممتلكات العامة والخاصة.
فيضان 12 سبتمبر يكشف عيوب المدينة
في تشخيصها الأولي لفيضان الأربعاء الأسود أرجعت مديرية الموارد المائية ذلك إلى عدة عوامل، لعل أبرزها قوة تدفق مياه الأمطار التي ناهزت الـ 50 ملم في أقل من 45 دقيقة، أي بمعدل 50 لترا في المربع الواحد، كما ساهم سقوط هذه الكمية في مساحة صغيرة بالمنطقة العلوية لوادي الناقص في زيادة قوة وكثافة السيول، بحيث لم يستوعب قطر القناة الإسمنتية بهذا الوادي السيول الجارفة، وقد ساهمت القمامة والأتربة والبناءات بالقرب من حوافي الوديان في زيادة قوة التدفق، الأمر الذي أدى بمياه الأمطار إلى تغيير مسارها والخروج من القناة الرئيسة لوادي الناقص، بداية من نهج هواري بومدين إلى طريق عنابة، وتسببت الفيضانات في إمتلاء النفق السفلي بالمياه وغلقه في وجه حركة المرور لمدة يومين، كما أظهر تشخيص الإدارة المعنية عجز أكثر من 200 بالوعة على مسايرة قوة تدفق المياه و إنسدادها في ما بعد بسبب الأتربة والحجارة و القمامة، ولم يهمل التشخيص موقع تبسة المحاذي للسلسلة الجبلية الممتدة من وادي العنبة إلى غاية مرتفعات تنوكلة، فضلا عن تواجد عدة أودية نشطة وكبيرة، لعل أبرزها وادي الناقص ووادي زعرور ووادي تاغدة والسقي ووادي العنبة وغيرها، أما المواطن التبسي فيبرر ما حدث بغياب الدراسات الجادة لحماية المدينة من الفيضانات، ويقول في هذا الشأن بأنه كان بالإمكان إحتواء تلك السيول بالمناطق المرتفعة قبل دخولها للمحيط العمراني والمنطقة السفلى، مشيرا في هذا الصدد إلى عدم إنجاز مبددات لطاقة المياه للتقليل من سرعة وضغط المياه.
ملايير رصدت لتهيئة الوديان لا لحماية المدينة
أكدت مديرية الموارد المائية أن الإعتمادات المالية التي تدعمت بها الولاية كانت قد وجهت لتهيئة مفاصل كبيرة من الوديان داخل النسيج العمراني، مفندة استفادة الولاية من مشاريع لحماية المدينة من الفيضانات، وأوضح مصدر مطلع في هذا الشأن بأن تلك الأغلفة المالية استهلكت في عمليات تهيئة وتأهيل حواف الوديان وأرصفتها ومنها 60 مليار سنتيم بعاصمة الولاية منذ 2010، وبناء المنشآت التي تقطع المدن الرئيسة لتسهيل عملية مرور مياه الأمطار، ولم تقم المصالح ذاتها بحماية المدن في الأماكن العليا، و إستنادا لمصدرنا فإن وضعية وديان تبسة تحتاج لدراسة معمقة للتخفيف من سرعة المياه المتجهة للمناطق العمرانية السفلية، وهي العملية التي تتطلب التنسيق والتشاور مع العديد من القطاعات ذات الصلة بهذا الملف، وما تجدر الإشارة إليه هو أنه منذ سنوات يجري الحديث عن مشاريع حماية المدن من الفيضانات على غرار تبسة والشريعة والعقلة وبوخضرة والكويف والونزة وأم علي وبئر العاتر وبئر مقدم ومرسط، أين تمت تهيئة بعض الوديان وإنجاز قنوات لصرف المياه، و مبددات لطاقة المياه بالأماكن المرتفعة وفتح بعض التفرعات للأودية وإنجاز بعض القنوات الخرسانية وتغيير بعض مسار المصبات، وإقامة حواجز مائية واقية وغيرها من العمليات حسب التقارير المرفوعة للمجلس الشعبي الولائي في الـ 28 مارس 2017.
مع العلم أن السلطات كانت قد أقدمت على غلق وادي زعرور ووادي الناقص بالإسمنت المسلح على مسافة تقارب 07 كلم، وهو ما سمح بجريان مياه الفيضان في قناتيه المحفوظتين بالاسمنت فاختفت الروائح الكريهة و اختفت معها مخاطر السقوط في الوديان ، غير أن هذا الإجراء لم يتدعم بإجراءات إضافية تراعي حجم المدينة الذي تمدد في كل اتجاه، ولم تراع كذلك دخول مفاصل جديدة من بعض الوديان في النسيج العمراني بكل من الميزاب و رفانة ووادي الناقص، الأمر الذي جعل تلك الوديان بمثابة أماكن للتخلص من النفايات المنزلية والصلبة.
دراسة جادة للقضاء على الخطر بصورة نهائية
والي تبسة عطا الله مولاتي كان قد أكد للمواطنين بتبسة عن عزم مصالحه إنجاز دراسة جادة للقضاء على خطر هذه الوديان بصفة نهائية، مشيرا إلى أنه سيتم الاستعانة بمكتب دراسات متخصص في هذا المجال، كما سيتم الاستئناس بآراء بعض المختصين وحتى المواطنين، وستأخذ الدراسة كذلك بالنمو الديموغرافي للمدينة والجوانب الإستشرافية لكي تكون تبسة بمنأى عن فيضانات أخرى، وستعكف السلطات على حماية عاصمة الولاية انطلاقا من إطلاق دراسة متخصصة لتهيئة وادي الناقص الذي بات يمثل تهديدا لسلامة المواطنين، و بعد الانتهاء منها سيتم رفعها للسلطات المركزية بهدف تخصيص إعتمادات مالية في إطار برامج حماية الأشخاص والممتلكات، وبالموازاة مع ذلك تم اقتطاع مبلغ 500 مليون سنتيم من ميزانية الولاية للانطلاق في دراسة وتهيئة وادي تاغدة، الذي تعتبره السلطات من الأسبقيات بالنظر لمخاطر هذا الوادي على ساكنة المناطق السفلية ووجود عدد معتبر من المساكن الهشة بالقرب من محيط المقبرة.
وستمس الدراسة الجهة العلوية والسفلية على أن ترصد للولاية إعتمادات مالية في إطار البرامج القطاعية لسنة 2019، ولإضفاء المصداقية على الدراستين وتأكيد جدية السلطات في هذا المسعى، قام والي تبسة رفقة رئيس المجلس الشعبي الولائي ومديري الموارد المائية والأشغال العمومية والحماية المدنية بجولة استطلاعية إستبيانية الأسبوع الماضي عبر طائرة هيلكوبتر تابعة لمصالح الحماية المدنية للتعرف على تضاريس مدينة تبسة، وإجراء مقاربة لمنابع هذه الوديان ومساراتها و مصباتها، كما تابع مساراتها داخل النسيج العمراني، ومقاربتها بحقيقة الوضع بعد التقلّبات الجوية الأخيرة، وتأتي هذه الجولة في إطار جمع المعلومات لاستغلالها بنظرة استشرافية في مشاريع إبعاد الخطر عن المواطن وحماية المدينة، وفي رزنامة السلطات حملات دورية لحماية الأدوية من الإعتداءات والرمي العشوائي قد تصل إلى تسليط العقوبات على المخالفين، كما تعتزم السلطات تنظيف نقطة إنطلاق تلك المجاري، وفتح مداخل و شعاب الوديان، والشروع في تنظيف الوديان، والعمل على فتح قناة وادي الناقص بالحي السفلي إلى غاية محور الدوران بجوار ديوان الترقية والتسيير العقاري، والعمل على إعداد تشخيصات لكل وادي، وإجراء صيانة دورية للبالوعات تأخذ بعين الاعتبار مخلفات الفيضانات الأخيرة،ناهيك عن ربط المساكن بحي الأقواس الرومانية وطريق بكارية بشبكة التطهير، وإعادة تجديد الشبكة الإسمنتية بحي الزاوية ولرمونط و بوحبة .
الجموعي ساكر
مجتمـع الأوديــة و الشعـاب بقالـمة
في مرمــى الفيضـان القــاتــل ..
قبل سنوات مضت كان من الصعب الاقتراب من المجاري الطبيعية بولاية قالمة، و الاستيلاء على الجيوب العقارية المحاذية لها، و لو ببناء كوخ من الخشب و الزنك، كانت الرقابة مشددة، و الناس على قدر كبير من الإدراك بمخاطر المجاري التي أنشأتها الطبيعة منذ آلاف السنين لنقل مياه الأمطار بأمان إلى مستقرها الأخير، دون ان تؤذي أحدا.
و مع مرور الزمن و في ظل ما يسمى بأزمة العقار، و توسع المدن و القرى تراجع سلطان القانون مرغما، و أصيب المهندسون و المشرفون على حركة الإعمار بالقصور و الخضوع لفوضى العمران، و سمحوا باستباحة الأودية و الشعاب، و انتهكوا إجراءات الوقاية من الكوارث الطبيعية، عندما رخصوا للاعتداء على هذه الكائنات الطبيعية التي لا تعتدي إلا على من اعتدى عليها، و سلب منها موطنها و بيئتها القائمة منذ عقود طويلة.
اليوم تغير الوضع بعدة مناطق بقالمة، و تغيرت معه الجغرافيا تحت تأثير الفوضى التي طمست معالم الطبيعة، و حولت المجاري إلى أحياء سكنية و شوارع و طرقات، و بدأت المخاطر الكبرى تلوح في الأفق منذرة بكوارث من الصعب تقدير آثارها المدمرة، في ظل التغيرات المناخية المتسارعة التي تعرفها الجزائر في السنوات الأخيرة.
من وادي الزناتي و بوحمدان، إلى قالمة، حمام النبائل و بوكموزة، مدن و قرى أصبحت في مرمى الفيضان القاتل، و هي اليوم تنتظر مصيرها مع كل عاصفة جديدة، و لا حلول في الأفق لان الكتل الخرسانية قد غطت كل شيء، و سدت منافذ التدفق ببعض المواقع، و ضيقت على مجاري طبيعية كبيرة، أصبحت اليوم مصدر خطر حقيقي، يثير قلق مجتمع مغامر، سكن الاودية و الشعاب، و أقام فيها مرافق الخدمات في ما يشبه عملية اغتصاب أرض أنشأتها الطبيعة لتصريف مياهها نحو المصبات النهائية، دون إلحاق الضرر بالوسط المجاور.
شارع التطوع.. الخطر النائم
قبل 30 سنة و في خضم نهضة اقتصادية و عمرانية كبيرة، أطلقت سلطات قالمة آنذاك مشروعا كبيرا للقضاء على الحي القصديري الشهير «شعبة لقواطة»، الممتد على طول مجرى وادي السخون، و بنت نفقا ينقل مياه الأمطار إلى وادي سيبوس الكبير، و أقيمت شوارع كبيرة، و مساكن و مرافق تجارية فوق النفق الذي أنجز بسرعة عن طريق حملات تطوع، شاركت فيها مقاولات عمومية و خاصة.
و بعد نهاية مشروع النفق الممتد على مسافة تفوق 3 كلم تحول مساره المغطى إلى قطب سكني و تجاري كبير، و بدأت التصدعات تطال أكبر منشأة مدفونة تحت الأرض بولاية قالمة، و خاصة قرب سوق شارع التطوع الشهير.
و بالرغم من قدرة النفق على استيعاب كمية المياه التي تدخله قرب القطب الجامعي الجديد فإن مياه حوض المصب الواسع أصبحت تشكل مجرى آخر فوق النفق دون أن تجد منافذ لها نحو المجرى المغطى، و مع كل عاصفة ماطرة يتحول الطريق المزدوج المبني فوق النفق إلى نهر صغير يجرف صناديق الخضر و الفواكه و الدراجات النارية، و يغمر المحال التجارية و المساكن الواقعة قرب المحطة البرية.
و يتوقع السكان حدوث الأسوأ في يوم ما عندما تجتاح عاصفة كبيرة المدينة، و تتجمع المياه فوق النفق باحثة عن منفذ لها عبر الشوارع و بين المباني العملاقة، التي نمت كالفطريات على ضفاف وادي السخون، و تحولت إلى مراكز تجارية ضخمة في قلب مجرى نائم قد يستيقظ ذات يوم و يعود إلى طبيعته الأولى.
و يقول المهتمون بشؤون المدينة بأنه كان على المهندسين ترك الوادي مفتوحا حتى يستوعب كل مياه حوض المصب، و منع البناء على حوافه، لكن قضي الأمر و أصبح من الصعب تدارك الوضع، و فتح المجرى من جديد و إزالة كل البنايات و المراكز التجارية الواقعة في مرمى الفيضان المدمر.
و بمدينة قالمة دائما لم يتفطن المهندسون لمجرى مائي قادم من جبل ماونة و سدوه بهياكل جامعية ضخمة و أحياء سكنية راقية، و بدأت آثار الأخطاء تظهر بوضوح على مستوى الطريق المار قرب كلية سويداني بوجمعة، أين تتجمع مياه الفيضان و تشل حركة السير ساعات طويلة. و كما حدث بمجرى وادي السخون فإنه بات من الصعب تدارك الوضع و فتح المجرى القادم من جبل ماونة، و إعادته إلى مساره الطبيعي الذي ظل يستوعب كل مياه حوض المصب دون مخاطر، و ينقلها خارج المدينة دون أن تلحق الأذى بالسكان و مرافق البنى التحتية.
و بالرغم من المحاولات المتكررة لحل مشكل الفيضان بكلية سويداني بوجمعة و الأحياء السكنية المجاورة لها، فإن الخطر مازال قائما، و يدفع باتجاه البحث عن حلول مجدية قبل وقوع الكارثة، و ذالك بفتح المجرى المائي المسدود، و بناء منشاة فنية تستوعب الفيضان و تبقي على حركة السير الآمنة بين الجامعة و المدينة الجديدة وادي المعيز، التي تعاني أيضا من مخاطر الفيضان بعد ردم المجاري المائية التي ظلت هناك منذ آلاف السنين.
و مازال المهندسون بقالمة يعتمدون على أنفاق صغيرة عندما يقررون ردم المجاري الطبيعية لبناء السكنات و مرافق الخدمات و الطرقات، و في كل مرة تبقى كميات كبيرة من مياه حوض المصب تبحث عن منافذ لها فوق النفق، عندما تعجز البالوعات عن استيعابها و إدخالها إلى الأنابيب الخرسانية المدفونة تحت الأرض.
وادي الزناتي.. الخطر القادم من النهر الكبير
تعد مدينة وادي الزناتي الواقعة بسهل الجنوب الكبير من بين المدن المعرضة لخطر الفيضان بولاية قالمة، حيث يعبرها نهر كبير لم يتوقف عن صناعة المآسي على مدى السنوات الأخيرة، بعد أن تعرض للاعتداء و زحف العمران، حيث أصبحت الأحياء السكنية تلامس ضفافه، و تنتظر موعد الكارثة كما حدث في شهر فيفري 2011 عندما غمرت المياه عدة أحياء مخلفة قتلى و خسائر مادية كبيرة، و مازال السكان يتذكرون تلك الليلة الحزينة كلما تلبدت السماء معلنة عن قدوم عاصفة جديدة.
و ضاق مسار نهر مدينة وادي الزناتي و ملأته النفايات، و حاصرته المباني من كل الجهات، و تبذل ولاية قالمة جهودا مضنية لترحيل السكان الواقعين في دائرة الخطر، و خاصة بأحياء الصفيح القديمة، لكن فوضى العمران المستمرة أنتجت مجمعات سكنية و مرافق جديدة على ضفاف النهر، مما صعب من مهمة المشرفين على برامج الحماية من الفيضانات، و مخطط التدخلات عند حدوث الكوارث الطبيعية.
و في كل مرة يتم فيها الإعلان عن نشرية جوية خاصة يقضي سكان المدينة العريقة ليلة بيضاء ينتظرون قدوم الضيف الثقيل من مرتفعات عين عبيد و عين رقادة، و تقام نقاط مراقبة لمتابعة ارتفاع المنسوب، و اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الفيضان المتوقع، و تفادي كارثة فيفري 2011. و تعمل وزارة الموارد المائية على مشروع كبير لتنظيف الوادي، و تقويم مساره، و بناء جدران إسمنتية عملاقة للإبقاء على مياه الفيضان داخل مسار الوادي، و منعها من التسرب إلى الأحياء السكنية المجاورة.
و بلغ المشروع مرحلة متقدمة، بين الجسر القديم و المخرج الشمالي للمدينة، لكن الخطر مازال قائما قرب المحطة البرية، و أحياء التوت و رابح لوصيف، حيث يتميز مسار النهر بهذه المنطقة بالانحصار و التشوه بسبب النفايات و النباتات المائية.
و غير بعيد عن وادي الزناتي مازال الخطر محدقا بسكان قرية اللوزات و مركز بلديتي برج صباط و بوحمدان الواقعتين ضمن المناطق المعرضة لخطر الفيضان بولاية قالمة.
حمام النبائل نموذج حي لمجتمع الأودية
تتميز مدينة حمام النبائل الواقعة شرقي قالمة بتضاريس معقدة جعلتها عرضة للانزلاقات الطينية و الفيضانات، و يعد النهر العابر للمدينة من أكبر المخاطر المحدقة بالسكان و مرافق خدماتية مجاورة له.
و لم يكن هذا النهر يشكل خطرا عندما كان مساره الطبيعي مفتوحا، لكنه يتعرض في السنوات الأخيرة إلى اعتداءات مستمرة، حتى صار موقعا للبناء، و ضاق مساره بعد ان احتله مجتمع الاودية و أقام فيه مساكن أعمدتها في قلب النهر و سقفها كاد يلامس الماء عند الفيضان.
و لم تتمكن فرق الرقابة و المشرفين على قطاع العمران بحمام النبائل من صد سماسرة العقار و منعهم من احتلال مجرى الوادي خلال السنوات الماضي، و وصل الوضع إلى مرحلة الخطر، و ربما الكارثة في حال حدوث فيضان كبير كما وقع قبل عدة سنوات عندما اجتاحت السيول حمام النبائل، و كادت ان تطهر المجرى الطبيعي من الغزاة الذين استولوا عليه في زمن الفوضى، و الاستهتار بقوة الطبيعة القادرة على طمس معالم مدينة كبيرة في غضون دقائق معدودات.
و مازالت برامج الحماية من الفيضانات تستهلك المزيد من الجهد و المال بولاية قالمة، لكنها أصبحت بلا جدوى بعدة مواقع اكتسحها العمران، و أصبحت اليوم عرضة لغضب الطبيعة التي لا تظلم إلا من اعتدى عليها و حاول العبث بها و تغييرها.
فريد.غ