الضحية سعادة عربان أكدت أن الروائي استغل قصتها في رواية حوريات بدون إذنها أعلنت المحامية الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم اليوم الخميس عن رفع قضية أمام محكمة وهران...
* رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة الالتزام بدعم الحكم الرشيد والشفافية في القارةأشرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته رئيسا لمنتدى دول...
أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء، عزم الجزائر، بفضل أبنائها...
طالب مقررون أمميون من مجلس حقوق الإنسان، الحكومة الفرنسية بتزويدهم بجميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتجاربها النووية في الجزائر، بما فيها المواقع المحددة...
يغادرون " تمازغت " أحياء ويعودون أمواتا ؟
يواصل قصر تماسخت ( أو تمازغت ) الموجود ببلدية تامست ( ولاية أدرار ) الصمود ومقاومة قساوة المناخ الصحراوي . بناه في القرن الرابع الميلادي الزعـيم الأمازيغـي الذي يحمل القصر إسمه وهـو الملك تمازغـت المشهور بالشجاعـة و المروءة و الذكاء . والقصبة ( أو القصر حسب التسمية الصحراوية ) رغـم صمودها تحتاج إلى رعاية أفضل وإهتمام أكبر . وتستحق عـناية خاصة باعـتبارها تراثا وطنيا يمثل سجلا مجسدا كلما زاره أحد من أبناء الوطن أو الأجانب إلا و يتساءل متعـجبا كيف يبقى هـذا الكنز من التراث مهـملا ؟ ، عـدا ما تبذله جمعـية ثقافية محلية من جهود حسب إمكانياتها المتواضعـة من جهـد للحفاظ عـلى القصر أو إستقبال السواح و توجيههم.
تعـد قـصبة تماسخت من أهـم معـالم التراث العـمراني الموجود بصحراء الجنوب الجزائري الكبير لأنها حصن دفاعي حصين مبني فوق جبل . هـي من أقدم قصور منطقة توات يعـود بناؤها إلى القرن الرابع الميلادي .. في الأصل هي مدينة بربرية . أول سكانها هـم البربر كما سكنها اليهود و الأتراك. وظلت عـامرة إلى وقت قـريب قبل أن يغـادرها سكانها تباعا إلى البيوت الجديدة الحديثة بتمويل من الدولة . ونظرا لشهرتها وعـمرانها القائم حتى اليوم و الذي يظهر بشكل واضح ملامح طريقة البناء في ذلك الوقت بإستعـمال مواد محلية من الحجارة والطين المخمرة لمدة طويلة ثم يستعـملونها بمثابة الإسمنت للبناء بعـد مزجها بالسبخة و التبشنت ( خام الكلس ) فتصير صلبة ، ليتم تجفيفها فتصبح كالحجر .. جدرانها تبدو من بعـيد بلون الطين . إذ يتوقع الناظر سقوطها بمجرد نزول زخـة واحـدة من المطر لكنك عـندما تلمسها تجـدها صلبة متماسكة وذلك هـو سر صمودها عـلى مر الأزمان رغـم قساوة المناخ و تعـرضها للعـديد من العـواصف الطوفانية.
اليوم هي مقصد سياحي هام خاصة و أنها مـرتبطة بتظاهـرة سنوية عـزيزة عـلى أهل المنطقة وهـي وعـدة الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف التي تقام يومي 14 و 15 ماي من كل سنة .
يستطيع زائر قصبة تماسخت ، بعـد أن يتجول في دروبها و أحيائها ويشاهـد بناياتها الصامدة حتى الآن رغـم قساوة المناخ الصحراوي المتميز بحرارته الشديدة وزوابعـه الرملية الجارفة ، أن يخرج بفهـم واضح عـن معـنى الحياة في طبيعة صحراوية . ويتخيل صعوبة العيش أو الصراع الذي كابده سكانها مع البيئة أولا ، ثم التطاحن و التصدي للإعـتداءات المتكررة في عـالم البقاء فيه للأقوى والأذكى . لهـذا فأول ما يقوم به زعـماء ذلك الوقـت هـو اخـتيار ـ بعـناية فائقة ـ موقع إنشاء المدينة التي ينوون بناءها .. يخططون فيها لكل الإحتمالات الأكثر سوء. وسندرك بعـد معـاينة قصبة تماسخت أن مؤسسها كان بالغ الذكاء والفطنة.
يظهر الموقع الدفاعي لقصبة تماسخت مدى الإهـتمام بالتحسب لأي عـدوان خارجي فهي مبنية فوق جبل صخري مرتفع عـن المنطقة المحيطة به . تمت إحاطتها بسور عـال يصعـب تسلقه إضافة إلى حفر خندق محيط كان يملأ بالطين و الماء لشل حـركة المهاجمين في حالة وجود أي اعـتداء و ترك فتحات صغـيرة في جدار السور تسمح برمي الغـزاة بالنبال من داخل القصبة. أما البوابة الرئيسية الوحيدة للقصبة فهي عـبارة عـن قنطرة متحركة مـربوطة في مقدمتها بحبال متينة تسمح بسحبها من داخل السور نحو الأعـلى فـيـنغـلق المدخل تماما بعـد أن يلتحق بسرعـة كل الأهـالي الذين كانوا في الخارج يمارسون أعـمال الفلاحة وغـيرها . يحدث ذلك بعـد أن يكون الإعـلان عـن العـدوان القادم قـد تم بأعلى صوت يطلقه البراح من مكان مخصص له عـلى حافة القصبة يسمح بسماعه من الوادي الكبير الذي تنتشر به المزارع .
أهـم ما يحتاجه سكان القصبة أثناء الحصار هـو الماء و الغـذاء ولهـذا فتجهيزات القصر أو القصبة متوفـرة بكفاية في هـذا الجانب و أولها البئر لاستخراج الماء . رغـم أن القصبة مبنية فوق جبل صخـري إلا أن أهـلها استطاعـوا أن يحفـروا بئرا عـميقة بوسائل بدائية.. إخترقت الصخور على عـمق 70 مترا إلى أن وصلوا للطبقة المائية الجوفية التي تكون موجودة بالموازاة مع الوادي الكبير الذي يعـبر المنطقة. وبهـذا ضمنوا وجـود الماء في حالة الحصار لمدة طويلة لأنهم ـ مثلما هـو معـلوم في مثل هـذه الحالات ـ لا يلجأون إلى إستعـمال ماء البئر إلا بعـد نفاذ ما يخزنونه من ماء في الأواني بمنازلهم.
أما الغـذاء وفضلا عـن وجود مخزون منه في كل بيت فقد كانوا ـ كذلك ـ يشكلون مخزونا احتياطيا في المغـارات الكبيرة الموجودة طبيعـيا. ويعـتقد أن عـددها خمس مغـارات أربعـة منها مغـمورة بالرمال لا بد من اكتشافها مجددا . لم تبق سوى واحدة فقط وهي من المعـالم الهامة التي يحرص السواح عـلى زيارتها.
المغـارة في الأصل لم يكن لها مدخل جانبي مثل الآن فاكتشافها كان صدفة عـندما كان أحد السكان في الزمن القديم يقوم بحفر أرضية بيته قصد توسيعه فإذا به يجد ثقبا تبين بعـد تتبعه أنه فتحة في سقف مغـارة كبيرة محفورة طبيعـيا بواسطة المياه حسب أبرز الأقوال إستنادا إلى آثار المياه الموجودة في شكل خطوط متوازية على جدران المغـارة البيضاوية الشكل . أرضيتها مغـطاة برمل ناعـم ومساحتها غـير محسوبة لكنها حسب ما شاهدنا قد تصل أو تزيد عـن 250 مترا مربعا وإرتفاعـها في المركز يتجاوز أربعـة أمتار وهي مجهزة بمصابيح كهربائية و بهـا معـرض بسيط لأواني منزلية طينية تقليدية جمعـتها جمعـية ثقافية مهتمة بالحفاظ عـلى القصبة و تراثها . المغـارة تتسع لقسمين من تلاميذ المرحلة الإبتدائية يدرسون بها عـندما كانت القصبة مأهولة بالسكان قبل مغـادرة السكان لها تباعـا بداية من سنة 1982 من خلال مساعـدة الدولة للسكان بالبناء الذاتي في القرية الجديدة ببلدية تامست التي تبعـد بحوالي كيلومترين عـن القصبة . ومما ذكره لنا الشاب فندو فضيل محمد المرشد السياحي بقصر تماسخت ( ونحن ندين له بفضله علينا و بالمعـلومات التي ذكرناها ) أن جو المغـارة في الشتاء دافىء و قد وجدناه فعـلا دافئا عـندما دخلناها . ويؤكدون أنه صيفا يكون منعـشا . لهـذا يلجأ السكان إليها عـندما يشتد الحر.
الشاب فندو ، يقول أنه آخر من غـادر القصبة سنة 1999 ولكنه مرتبط دائما معـها بمهمة الإرشاد السياحي التي يقوم بها و التي وجـد نفسه يمارسها تلقائيا . فعـندما انتهت فترة إدماجه المهـني كان يستقبل السواح يوميا تقريبا ويرشدهم خلال زيارتهم للقصبة .
زائر القصبة لا يمكنه أن يتجول فيها بدون دليل فإضافة إلى ضرورة حصوله عـلى الشروحات اللازمة حول مرافقها لاشك أنه سيتوه فيها لو دخلها بمفرده بسبب تشعـب دروبها و تشابهها وحاجته إلى تحذيرات المرشد باستمرار للإنتباه إلى المطبات الموجودة لأن الأرض مغـطاة بالرمال التي تخفي تحتها بعـض الحفر وكذلك الإنتباه إلى ضرورة الإنحناء باستمرار عـند الدخول إلى المنازل ومختلف الأماكن مثل المسجد العـتيق ودار الشيخ والمغـارة وغـيرها حتى لا ترتطم رأس الإنسان بحافة المدخل .
وذكر السيد فندو أنه عـضو في جمعـية الأمل لترقية السياحة و حماية الآثار بقصر تماسخت . وهي جمعـية فتية أسست بتاريخ 4 / 4 / 2005 تجمع في عضويتها شباب من المنطقة قاسمهم المشترك هـو الغـيرة عـلى تراث بلادهم يريدون إحياءه و المحافظة عليه و إخراجه من طي النسيان . كما تهـدف الجمعـية إلى ترقية السياحة بالمنطقة والحفاظ عـلى المعـالم الأثرية و التاريخية وجمع تاريخ القصر و التعـريف به و الإشراف عـلى استقبال السواح من الجزائريين و الأجانب وتوجيههم و العـمل عـلى راحتهم. الجمعـية تدعو الباحثين الجامعـيين الذين يرغـبون في إجراء دراسات حول المنطقة و تاريخها إلى زيارة تامسخت. وتذكر الجمعـية في مطوية لها أنها نشأت بعـدما عـرفـت القصبة إهـمالا كبيرا. وقد استطاعـت بعـد تأسيسها أن تحقق في ظرف وجيز عـدة إنجازات كجمع عـينات أثرية نادرة و ترميم المغـارة بغـلق الفتحة الموجودة في السقف وإنشاء باب عـادي في فتحة جانبية يغـلق بالمفتاح من أجل حماية المغـارة من أي عـبث. ولهـذا فكل من يريد زيارة المغـارة لا بد أن يحضر معـه المرشد السياحي حتى يفتح له الباب. و تطمح الجمعـية إلى تحقيق المزيد من الأعـمال منها إنجاز مشروع سياحي يحتوي عـلى عـدة مرافق بما فيه نزل حديث وإقامة تقليدية تحت الخيام لإعـطاء الخيار للسياح بين النزول في إقامة عـصرية أو تقليدية. كما تسعـى الجمعـية للحصول عـلى المخطوطات القديمة المتعـلقة بالقصر وتشجير المنطقة و توفـير الإنارة العـمومية عـلى الطريق المؤدي إلى القصبة و إعـادة تعـبيده ووضع لافـتات إعلامية تسهل الوصول . لهـذا فالجمعـية توجه بالمناسبة نداءها لكل من يستطيع أن يساعـد في تحقيق تلك الأهـداف أن يسعـفها بما يستطيع خاصة السلطات العـمومية التي بإمكانها أن تقدم الشيء الكثير في هـذا المجال.
من ميزات ارتباط سكان بلدية تامست أنهم مرتبطون وجـدانيا بالقصر فهـم رغـم مغـادرتهم له من حيث الإقامة إلا أنهم يعـرفون بيوتهم التي كانوا يسكنونها بالقصر ويحنون إلى زيارتها و تعـريف أبنائهم بها. كما أن الوعـدة السنوية التي ينظمونها في شهر ماي تعـتبر رباطا متينا يحرصون عـلى بقائه . لهـذا فهـم يتسابقون مثلما قيل لنا إلى إعـداد الطعـام الشهي للضيوف الذين يأتون بالآلاف من مناطق بعـيدة لهـذه الوعـدة حيث يقوم كل بيت بتحضير ما يكفي لإطعـام عـدد كبير من الضيوف مائة أو أكثر أثناء تواجدهم في هـذه التظاهـرة التي تلتقي خلالها فـرق البارود و دخول وخروج الرايات أو أعلام باقي الزوايا إلى دار الشيخ و بالتحديد إلى المكان الذي كان يجلس فيه الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف أين تقام مدائح دينية وهي ما يعـرف بـ ( الفقرة ).
ولعـل أهـم ارتباط يجمع السكان بالقصر هـو حرصهم عـلى دفن موتاهـم بمقبرته الموجودة في مكان فسيح في أعـلى القصبة ترى فيه آلاف القبور المستوية تقريبا بالأرض عـدا البعـض منها المحاطة ببناء بسيط لأنها لبعـض المشايخ المعـروفـين .
وبالحنين إلى توسد تربة القصر داخل القبور عـلق مرشدنا بأن سكان القصر غـادروه أحياء ويعـودون إليه أمواتا.