استقبل رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أمس الاثنين، خطيب المسجد الأقصى، فضيلة الشيخ عكرمة صبري، الذي أشاد بالموقف الثابت للجزائر تجاه القضية...
تلقى الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الاثنين، مكالمة هاتفية من رئيس لجنة رؤساء الأركان...
كشف، أمس، وزير الشباب المكلف بالمجلس الأعلى للشباب، مصطفى حيداوي، عن إطلاق مبادرة وطنية جديدة بالشراكة مع وزارة التعليم العالي والتربية الوطنية...
أكد الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين أعمر تاقجوت، أن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون على استعداد لمناقشة كل المشاكل في إطار الحوار...
يحتفظ فندق الزيت الكائن بقلب قسنطينة بوهجه، و تنبض دكاكينه الصغيرة بحركية يومية، لم تعكر صفوها أعداد المحلات المنتشرة في المدينة ، و المراكز التجارية التي تخطف الكثير من الزبائن بجمالية واجهاتها الزجاجية و عروضها المغرية، فللمكان سحر من نوع خاص، تحاكي زواياه و جدرانه تاريخ المدينة التي واجهت بطش الاستعمار، فالفضاء كان مركزا لشرطة المستعمر الفرنسي، يعذب به المشتبه فيهم من الجزائريين، و كان قبل ذلك مائضة يتوضأ فيها المصلون قبل التوجه للصلاة بالجامع الكبير المقابل، ثم تم تحويل المكان إلى مساحة تجارية لبيع الأثاث، و ملابس الأطفال و الرجال و مستلزمات الحج و العمرة و ملابس الإحرام، و لا يزال يحافظ على ذات النشاط إلى غاية اليوم.
وهيبـــة عزيـــــون
بعد مضي أزيد من 50 سنة، لا يزال «فندق الزيت»، مقصد الكثير من القسنطينيين، و حتى القادمين من ولايات مجاورة ، فالجميع يجدون مبتغاهم هناك، فلا يخرج منه الزبون إلا وهو محملا بالمقتنيات التي يريدها .
دعوات المصلين و أنين المعذبين انصهرت بين حجارته
فندق الزيت بني بشكل دائري و له مدخل كبير، تعتليه لافتة حديدية زرقاء كتب عليها بالطلاء الأبيض «مركز شرطة لتعذيب المشتبه فيهم «، و توجد دكاكين صغيرة في جانبيه ، و يتوسطه حوض مائي مغطى بصفائح حديدية، أما جدرانه فهي من حجارة متوسطة الحجم بنية اللون.
قال السيد محمد طباخ بائع ملابس الختان و مستلزمات الحناء بالفندق في حديثه للنصر، أن هذا السوق كان عبارة عن مائضة، تابعة للجامع الكبير الذي كان يمتد من شارع العربي بن مهيدي إلى غاية الرصيف، و يقصدها المصلون للوضوء قبل كل صلاة ، و عندما تم شق الطريق الرئيسي، انفصل الفندق عن المسجد، و في سنة 1954 حولته القوات الفرنسية إلى مركز للشرطة، لتعذيب المشتبه فيهم من الجزائريين، و كان يوجد بمدخله مكتب للتحقيق. أما الفضاء الداخلي، فكان مخصصا لاعتقال المشتبه فيهم و تعذيبهم، و يتوسط الفضاء منبع مائي وحوض يغتسل فيه الموقوفون، بعد إطلاق سراحهم .
و قال من جهته السيد أحمد بلعابد، أقدم تاجر بفندق الزيت، بأن في سنة 1958 قامت قوات الاستعمار بغلق « رحبة الجمال» ، و تحويل تجارها إلى الفندق و تخصصوا في بيع زيت الزيتون، لهذا أطلقت عليه تسمية فندق الزيت، ثم أصبح فضاء تجاريا لبيع الأثاث المنزلي المستعمل.
و في سنة 1979 التحق بالمكان الباعة الذين كانوا ينشطون خارجه و تم تقسيمه إلى دكاكين صغيرة عددها 40 دكانا، تضم طاولات لبيع ملابس الأطفال و الرجال التي تصمم و تتم خياطتها محليا.
و في نهاية الثمانينيات و بداية التسعينيات، أصبح أغلب أصحاب الطاولات يبيعون ملابس الحج و العمرة و مستلزمات الإحرام، كما قال المتحدث.
و أضاف التاجر محمد طباخ، أن الفندق قطب لبيع ملابس الختان و العمرة و الحج و كل ما يحتاجه الشخص المتوجه صوب البقاع المقدسة ، إلى جانب مستلزمات الحناء، فاكتسب شهرة وطنية، كما يعرض ملابس الأطفال و المآزر المدرسية و الألبسة الرجالية ، خاصة « القشابية»، و يحافظ إلى غاية اليوم على حركيته التجارية دون أن يتأثر بالمتغيرات الاجتماعية و الاقتصادية.
«بن يونس» و «بوزوج بيبان».. محلان يفتقدهما القسنطينيون
لفندق الزيت مكانة مميزة لدى سكان المدينة، فهو أحد الرموز العريقة التي ارتبطت بتاريخ المدينة القديمة ، خاصة أنه لم يفقد بريقه كباقي الأماكن العتيقة.
التقينا بالسيدة نورة ، رفقة شقيقتها، أثناء تجولهما بين الدكاكين، فقالت لنا « كلما كلما أزور وسط المدينة التي عشت و ترعرعت بها ، و غادرتها مع عائلتي منذ سنوات إلى منزلنا الجديد بحي زواغي سليمان ، أقوم بجولة داخل الفندق، حتى و و إن كنت لا أنوي شراء شيء، فقط لأشم عبق المدينة القديمة، و أسترجع ذكريات طفولتي، عندما كنت أرافق جدتي و والدتي لشراء ملابس من هنا».
و ترى نورة أن خصوصية الفندق تكمن في توفره على كل ما يحتاجه الزبون من ألبسة ، و كذا مستلزمات الحناء و الملابس الرجالية و حتى النسائية ذات الطراز التقليدي، التي لا تزال تصمم و تخاط ببعض الورشات العتيقة، مضيفة أن أصحاب دكاكين الفندق يختلفون عن باقي التجار، إذ تربطهم علاقة وطيدة بزبائنهم ، و لا تزال تتذكر أسماء بعض الباعة الذين كانت تقصدهم رفقة والدتها و جدتها و غيرهما من سكان قسنطينة ، لشراء ما يحتاجونه، على غرار محل «بن يونس» و «بوزوج بيبان»، و رغم أن التاجرين فارقا الحياة،إلا أن أبناءهما يواصلان نفس النشاط بمحلين، أكدت المتحدثة أنهما لم يتغيرا كثيرا .
و أكد التاجر أحمد العابد، أن زوار الفندق يشعرون براحة كبيرة عندما يتجولون بين أزقته الضيقة و يستمتعون بجمالية السلع المعروضة ، و يحظون هناك بمعاملة الملوك، إذ بإمكانهم، اختيار ما يريدون بكل أريحية، كما يمكنهم استبدال ما يشترون و حتى استرجاع ثمنه.
و قال من جهته محمد طباخ، تاجر شاب استخلف والده هو و شقيقه في دكان لبيع ألبسة الختان و الحناء ، أن خزانة للملابس عمرها أزيد من 30 سنة توجد بمنزلهما، اقتناها والده من فندق الزيت، و لا تزال بحالة حسنة إلى غاية اليوم، لأن تجار الفندق يحرصون على عرض سلع ذات نوعية جيدة، حفاظا على سمعتهم بين زبائنهم.
نبيل، تاجر آخر، قال لنا أن بالفندق ما يربو عن 40 دكانا 90 بالمئة منها، تملكها للبلدية، و ثلاثة أو أربعة محلات ملكية خاصة للتجار، و لا تزال هذه الدكاكين محافظة على شكلها القديم، فهي ذات مساحة صغيرة و بها طاولات لعرض الملابس، بينما قام بعض الباعة بتهيئة محلاتهم بوضع البلاط و تركيب واجهات من الألمنيوم .
و انتعش النشاط التجاري بالمكان ، رغم غلقه طيلة أشهر بسبب جائحة كورونا و تبعاتها، و رغم غزو المحلات العصرية و المراكز التجارية، التي فشلت في استقطاب زبائن فندق الزيت، الذين يقصدونه حتى من ولايات مجاورة.
الدكتور و الباحث عبد العزيز فيلالي
فندق الزيت شهد تحولات هندسية ووظيفية على مر العصور
قال الأستاذ و الباحث في التاريخ عبد العزيز فيلالي، أن فندق الزيت بوسط مدينة قسنطينة، عرف الكثير من التحولات في هندسته، و كذلك في وظيفته ، فكان قبل الاستعمار جزء هاما من الجامع الكبير، الذي يمتد من شارع العربي بن مهيدي إلى حي الأسواق « الرصيف»، و شيد على نموذج مسجد القيروان في تونس ، بعدها تم شطره إلى نصفين بعد شق الطريق الرئيسي خلال الحقبة الاستعمارية، و جعلت منه القوات الفرنسية مركزا للتعذيب و أضيفت إليه بعض الطوابق، بينما بقي سوره الخارجي مبنيا بالحجارة، و ظل على هذه الحال إلى نهاية الخمسينيات ، ثم تحول إلى فضاء لبيع زيت الزيتون لذا حمل إسم فندق الزيت، و بعد الاستقلال بقي فضاء تجاريا لعدة أنشطة كبيع الأثاث و الملابس. و أضاف المتحدث أن قسنطينة كان يوجد بها نوعان من الفنادق، الأول يقطنه التجار الأجانب المسيحيين و القناصل إبان الدولة الحفصية و الزيانية، و كانت مشيدة داخل الأحياء التجارية أو خارج أسوار المدينة، و بها كنائس صغيرة للعبادة و حمامات و غرف للنوم و هي معزولة عن المسلمين، و كانت هذه الفنادق بمثابة السفارة و تحمل أسماء الجالية القادمة إليها، سواء من إيطاليا أو جنوة أو البندقية و غيرها.
أما النوع الثاني فهي فنادق للمسلمين و هي ذات طابع تجاري و اقتصادي ، و كان عددها سبعة منتشرة عبر أحياء قسنطينة، على غرار فندق صالح باي، فندق سوق العاصر، فندق بن نعمون و فندق الخرازين، و فندق الزيت بحي الأسواق، بالقرب من رحبة الصوف، و قد تغيرت وظيفة فندق الزيت من الوظيفة الدينية قبل الاستعمار، حيث كان تابعا للجامع الكبير، إلى مركز للتعذيب ثم إلى فضاء تجاري محض، لا يزال كذلك إلى غاية يومنا هذا .