• إيجاد الحلول للانشغالات المطروحة بالسرعة المطلوبة والاحترافية الضرورية • الشروع بالسرعة القصوى في التنفيذ الميداني • على الحكومة صب كل المجهودات لتحقيق راحة...
شرع الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، ابتداء من يوم أمس الأحد، في زيارة رسمية إلى...
أطلقت لجنة تنظيم عمليات البورصة (كوسوب)، أمس السبت، بالمركز الدولي للمؤتمرات «عبد اللطيف رحال» بالجزائر العاصمة، بوابة إلكترونية ونافذة موحدة للسوق...
أطلقت وزارة الداخلية والجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، أمس، بمعية قطاعات وزارية أخرى حملة وطنية لتحسيس المواطنين بالأثر الايجابي والدور الهام...
تشكل الخيل البربرية، لوحة من لوحات التراث الشعبي في الجزائر، فهذه السلاسة القوية والأصيلة التي تنتشر في شمال إفريقيا عموما، ترتبط ارتباطا وثيقا بالفانتازيا والشعر الملحون في بلادنا، وقد كانت أيضا رمزا من رموز الأصالة في لوحات الرسامين، الذين يختارونها لترجمة معاني البطولة والفروسية والشجاعة، ويعد الحصان البربري ثروة معنوية تحظى بالتقدير شعبيا و توليها السلطات أهمية وعناية، حيث تتوفر ولاية تيارت، على أكبر مركز لتربية الخيول البربرية في إفريقيا، كما أن لسيد الخيول في الجزائر، قيمة كبيرة جدا ولذلك يعد الهدية المثلى للرؤساء والملوك.
خاض هذا الحصان حروبا أدخلته سجل التاريخ الإنساني، فكان بطل الميدان الأول وسيد ساحات المعارك دون منافس، كما ارتبط اسمه بالخرافة الفينيقية، وقيل إنه من الحيوانات الناجية من العصر الجليدي، نظرا لبنيته القوية ومواصفاته المميزة التي تعينه على تحمل الشدائد والصبر على الجوع والعطش.
صنف ضمن التراث الوطني
وحسب محمد طفياني، مدير المركز الوطني لتربية الخيول شاوشي بتيارت، فإن المركز الذي تأسس سنة 1877، يعد أقدم وأعرق مؤسسة لسباق الخيل في الجزائر وشمال إفريقيا، مضيفا بأن الحصان البربري مطلوب بقوة في الدول الغربية، هو محط أنظار كل من فرنسا وإيطاليا والبرازيل وألمانيا، حيث صُدر عدد معتبر من الخيول البربرية إلى هذه الدول في السنوات الماضية.
وأفاد طفياني، أن الخيول البربرية مصنفة، كجزء لا يتجزأ من تراث الوطن، بموجب مرسوم 3 نوفمبر 1999، الذي يُصنِّف المعالم والمواقع التّاريخية، ولهذا تعمل المؤسسة على الحفاظ على هذه الأحصنة، لأنها مهمة لتكاثر السلالات الأصيلة، بفضل تراث جيني لا يقدر بثمن، كما أن الحصان البربري مطلوب من قبل المهتمين برياضات الفروسية كالسباق والقفز على الحواجز وحتى للفانتازيا، لسرعته وقدرته على القفز عاليا وشدة صبره وتحمله للتعب والجوع والعطش ولقامته الممتدة والشامخة التي لا تقل عن 1.65 وسيقانه الغليظة، ولهذا فهو يكتسح المراتب الأولى على مضامير المنافسة.
مطية الأبطال و قيمة تراثية مضافة
يرى الباحث في التراث محمد لعلمي، أن الحصان البربري لعب دورا محوريا ومهما جدا في ترقية الإنسان بشمال إفريقيا، وفي قيادة الحروب والغزوات وكتابة تاريخ البحر الأبيض المتوسط، كما أنه قيمة تراثية مضافة ومميزة للمنطقة، وركن من أركان الهوية والمرجعية الحضارية والثقافية.
وأضاف كذلك أنه، حيوان تحدى الزمن وهو واحد من الكائنات الناجية من العصر الجليدي، ارتبط اسم الحصان البربري بالخُرافة والأساطير ارتباطا وثيقا منذ القدم، إذ يُروى على لسان المؤرخين كما قال الباحث، أن الفينيقيين الذين جاؤوا من جنوب سوريا وشمال فلسطين إلى شمال إفريقيا، أحضروا آلهتهم « ثانيت» وهي معبودة وثنية، فوق صهوة حصان، وبالنّظر للجو المُريح الذي عاشته ثانيث أثناء رحلتها كرمت ذلك الحصان ليكون الأفضل في تلك المرحلة من التاريخ، ليس عند الفينيقيين فقط، بل عند الرومان و القرطاجيِّين والنوميديِّين والعرب وغيرهم.
وقد كان الحصان البربري على واجهة كل الحروب والمواجهات التي عرفها النوميديون وأهالي شمال إفريقيا، وذلك تخلده الفنتازيا الشعبية كرمز من رموز البطولة و الفروسية، وهو أيضا محل فخر واعتزاز نابع من تاريخه الطويل في الانتصارات.
وبالنظر إلى قيمته التاريخية، فقد ارتبط الحصان البربري باسم شخصية مهمة وبارزة في تاريخ الإنسانية، ألا وهي الإسكندر المقدوني، الذي عُرف بامتطائه صهوة حصان بربري أسود يدعى «بوسيفالوس»، وأفاد الباحث، أن الإسكندر حصل على الحصان من والده الذي جاء به من إحدى أخاديد شمال إفريقيا و تحديدا من مدينة «سيرتا».
كما ارتبط الحصان البربري كذلك، بالقائد البونيقي حنبعل، وقد عرف أن أكبر محطة لتربية الخيول منذ الفترة النوميدية بشمال إفريقيا، هي تيارت و منطقة بلزمة بين نقاوس وباتنة، و يقال إن القائد العسكري انتقى منها حصانه، الذي امتطاه في معاركه ضد الرومان، وبالتالي فإن للحصان البربري تاريخا حربيا هاما بل ومحوريا لقدرته على التحمل.
لا يتوقف الأمر هنا فحسب كما قال الباحث، فقد كانت للرومان ردة فعل قوية، إذ حشدوا قوة عظيمة بعد أن تحالفوا مع عدد من البرابرة وعلى رأسهم ماسينيسا، فانضموا إليهم بخيولهم وعتادهم، وحسب « بولي» أحد المؤرِّخين الرومان، فإن معركة زاما الواقعة بتاريخ 202 قبل الميلاد، بالقرب من سوق أهراس على الحدود التونسية، و التي جمعت جيوش الرومان بقيادة سيبيا لا فريكا، ضد جيش حنبعل، كانت ستنتهي لصالح الفينيقيين القرطاجيين، لولا تدخل ماسينيسا وفرسانه البرابرة النوميديين من قبيلة «نازة» الجزائرية، والذين قلبوا الموازين فور دخولهم أرض المعركة.
نجم الألعاب الأثينية الأولى
كما كان للحصان البربري محطّة أخرى مُشرقة بعد هذه الملحمة التاريخية، التي خط سُطورها ابن ماسينيسا مستنبعل وهو أب يوغرطة، إذ امتطى حصانه البربري سنة 165 قبل الميلاد، وتوجه إلى أثينا للمشاركة في ، وتحصل على أربعة جوائز ذهبية، ليكون إنجازا عظيما ومبهرا، في منافسة عرفت مشاركة أحصنة أخرى محلية من مستعمرات روما وأثينا، ونظرا لقيمة هذا الإنجاز العظيم، نقش حكام أثينا نقيشة للحصان البربري وأقاموا له نصبا تذكاريا ما يزال قائما إلى يومنا هذا، يُمجِد إنجاز مستنبعل، في أولى محطات ألعاب الفروسية، ليُستقبل استقبال الأبطال عند قدومه إلى قسنطينة، هذه المدينة التي كان يُطلق عليها قبل تسمية سيرتا بـ «ساريمباتيم» التي تعني باللغة النوميدية مدينة الحكماء، حسب لعلمي.
وبإجماع جميع المحلِّلين والمؤرخين كما أضاف الباحث في التراث، فإن الحصان البربري هو من كان يزود القرطاجيين بالقوة الضاربة لفرض سيطرتهم في ساحات المعارك والحروب، قائلا إن البعض يرجع فضل دوام الحروب البونيقية لمائة عام، إلى الفيل النوميدي، في حين يرجعه الغالبية إلى الفارس النوميدي والحصان البربري، لما يتميز به من سهولة في الانقياد فهو لا يحتاج سرجا ولا ركابا ولا عتادا لامتطائه، يكفي وضع حلقة في رقبته وتحريكه بها، فضلا عن كونه حصانا ذكيا وسريعا وقويا وشجاعا لا يهاب الحروب والمعارك.
تبناه الرومانيون وفضله العرب
جدير بالذكر، أن الرومانيين عندما دخلوا المغرب العربي تبنوا الحصان فكان له أثر كبير على شمال أوروبا وألمانيا والأردن وجل المستعمرات الرومانية، فبات الحصان المفضل لدى الفرسان الرومانيين لمميزاته وخفته مقارنة بالحصان الأوروبي الثقيل.
ولسطوع نجم الحصان البربري عند مجيء الإسلام إلى المغرب العربي، ودخول عقبة بن نافع إلى قسنطينة، ما كان من الجيوش العربية إلا أن تختاره لأن قوائم الحصان العربي غير مُكيّفة لتتحمل التّضاريس الوعرة للمنطقة، ويقال أن عقبة، استشهد على صهوة حصان بربري عندما حاصرته جيوش الكاهنة.
و تشير مصادر أخرى كما أضاف العلمي، بأنه عندما فتح طارق بن زياد الأندلس، لم يستعمل أي حصان عربي بل اختار البربري، ومع تتالي الفتوحات على شبه الجزيرية الإيبيرية، قاد موسى بن النصير الحملة الثانية، وأحصي في جيشه ثلاثة أحصنة عربية فقط، أما البقية فكلها كانت بربرية الأصل، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كان للحصان أثر بالغ في تحسين سلالات محلية أخرى.
وعندما نقرأ بين سطور سيرة بني هلال حسبه، نجد أن الغلبة كانت للزناتي خليفة، الذي امتطى صهوة فرسه البيضاء، وقام بقتل الفرس الزرقاء للذياب بن هلايلي، ومن الفرس البربرية البيضاء حملت منطقة عين البيضاء اسمها.
« حليليفة» و « البيضاء» و «البلقاء» و حصان حجر الواد
ومن الأحصنة البربرية التي ذاع صيتها وسجل اسمها في التاريخ حصان الفرس «حليليفة» التي تعد أسطورة في قسنطينة، حيث يروى أنه بعد أن حاصر باي تونس قسنطينة، وكاد يستولي عليها سنة 1712، أنزلت فرس سوداء بالحبال من أعلى سور المدينة إلى أسفل الصخر، فامتطاها الباش بن زكري، وتوجه بها نحو العاصمة في ظرف وجيز جدا، طلبا للمعونة وإغاثة المدينة، ليعود الباش رفقة الجيوش الإنكشارية ويُفك الحصار عن المدينة، أين تعجب الأهالي من سرعة «حليليفة» فذكرت في عدة أشعار ملحونة، إلى جانب فرس صالح باي المعروفة بزرزورة، وفرس زناتي خليفة البيضاء، وفرس الخضراء لدياب بن هلايلي، والبلقاء للمثنى، الذي كان يملك فرسين واحدة للركوب اليومي وأخرى يمتطيها في الحروب. و في الجزائر، توجد عدة أنواع من الأحصنة البربرية كما قال المتحدث، حيث تمتاز أحصنة الهضاب العليا بالعلو و الخفة وتوازن الجسد، و بظهر مسروج بعمق يحتوي الفارس، و يوجد نوع آخر بأقصى الشرق على الحدود التونسية، معروف بثقله وقربه من الأرض و وسع صدره، إلى جانب حصان الصحراء الذي يكون جافا وخفيفا وسريعا، وأكثر لون عرف وتميز به الحصان البربري هو الرمادي، ويطلق على الحصان بهذا اللون اسم « حجر الواد».
حصان واحد و أكثر من ريشة
وقد عرف عن الأمير عبد القادر إنه كان عارفا بعلوم الخيل، حيث أنجز كتابا مع الجينيرال دومان عن الحصان، وحارب التزاوج بين الحصان البربري الأصلي والأحصنة المهجنة، من أجل الحفاظ على سلالات نقية، كما كانت الأعراش بالجزائر من أهل بن علي وأولاد عبد النور والسقنية وقبيلة بني عامر بالغرب، ترفض مزاوجة أحصنتها مع سلالات أخرى.
كما كانت للحصان البربري مكانة خاصة بفرنسا، حيث امتطاه بعض ملوكها مثل لويس 15، وتدرب عليه نابليون بونابارت في تمارين ركوب الخيل، كما امتلك الملك فيليب حصانا بربريا على حد قول لعلمي، واهتم به الرسامون أيضا، حيث رسمه دولاكروا في عدة لوحات، في حين خص إيغمونتان، الحصان البربري بصور و رسومات لوحات زيتية، وكُتب عنه الكثير، وأمام هذه الأهمية البالعة تم إنشاء منظمة عالمية لحماية الحصان البربري بفرنسا، لكنه و مع تطور السلالات لوجود مخابر تعنى بالتهجين، أصبح حصانا ثانويا مقارنة بالماضي كما قال الباحث.
رميساء جبيل