• إيجاد الحلول للانشغالات المطروحة بالسرعة المطلوبة والاحترافية الضرورية • الشروع بالسرعة القصوى في التنفيذ الميداني • على الحكومة صب كل المجهودات لتحقيق راحة...
شرع الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، ابتداء من يوم أمس الأحد، في زيارة رسمية إلى...
أطلقت لجنة تنظيم عمليات البورصة (كوسوب)، أمس السبت، بالمركز الدولي للمؤتمرات «عبد اللطيف رحال» بالجزائر العاصمة، بوابة إلكترونية ونافذة موحدة للسوق...
أطلقت وزارة الداخلية والجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، أمس، بمعية قطاعات وزارية أخرى حملة وطنية لتحسيس المواطنين بالأثر الايجابي والدور الهام...
أنموذج المسلم القـــوي دون عنف و المعتدل دون هـوان
رحل البطل العالمي محمد علي كلاي بعد أن شكل بمواقفه مدرسة حقيقية دينيا وسياسيا ونفسيا واجتماعيا ستظل أجيال من المسلمين وغير المسلمين تنهل منها قيما إنسانية سامية في مجال الحريات وحقوق الإنسان والثورة والقوة.
ففي مجتمع تكرست فيه ثلاثية الاستعمار والتمييز العنصري ونبذ العرب والمسلمين، وهي الظواهر التي ظلت تكشف زيف التمدن الغربي الحديث، يتخذ محمد علي اتجاها معاكسا لما ترسخ في مخيال الأمريكيين من هذه الظواهر المشينة، فيتصدى للتمييز العنصري، ويرفض الاستعمار والمشاركة فيه، ويعلن إسلامه ! وهو البطل الذي يسير تدريجيا بخطى ثابتة مؤكدة نحو مجد عالمي فذاك يجعل المواقف مبدئية وليست مصلحية أو تكتيكية.
لذلك شكلت مواقفه وحياته مدرسة للقيم، ويمكن أخذ ثلاث قيم أساسية (أولها) أن رفض محمد علي للتمييز العنصري يتناغم والفطرة السلمية والطبيعة البشرية التي تكشف عن وحدة المصدر البشري كما يقول القرآن الكريم (( )12(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ))، وفي خطبة الوداع أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة الطبيعية فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)، وفي كنف مدينة الرسول ومجتمع المسلمين الأول عاش الأبيض مع الأسود، والعربي مع العجمي، وفي ضوء نور هذا الأنموذج سار المجتمع المسلم عموما في تاريخه الطويل، بيد أن الحضارة الغربية التي فتنت الناس منذ بداية منتصف القرن العشرين بالكاد تخلصت من التمييز العنصري، رغم أنها سنت لنفسها من القوانين ما يربأ بها عن الوقوع في أتون هذه الظاهرة، ففي قلب أمريكا وعمق المجتمع الذي ينتسب إليه محمد علي تكرست هذه الظاهرة التي قاد تمرده عليها ومقاومته لوطأتها أن يرفض الالتحاق بجيش بلده؛ لأنه رأى فيه ظالما مستعمرا محتلا لبلد آخر ظلما وعدوانا معتمدا على قوته وسطوته، وهذا هو السبب الأساس الذي جعله يرفض ويقول للأمريكيين المجندين إن هذه الحرب تخالف تعاليم القرآن ، ويردف أيضا إن الفيتناميين لم ينادونني يا زنجي، وهذا يعني أن الحرب التي تخاض ليست حربا عادلة، وأن الفيتناميين المحاربين أسمى إنسانية وأكثر احتراما لحقوق الإنسان من الأمريكيين، لقد كلفه هذا الموقف تبعات فسحب منه لقب البطل لكن ذلك لم يثنه عنه قيد أنملة بل إن الأيام صدقته والتاريخ أنصفه مجددا فعاد ليتوج بالقلب الذي سحب منه؛ لأن الأبطال أبطال بالقوة وليسوا أبطالا فوق الورق، أو أبطالا من ورق !
وفي ظل مجتمع تنتهك فيه حقوق الإنسان ويحتكم القائمون عليه لمنطق القوة، كان لابد لهذا البطل أن يبحث له عن الحق الذي ينصفه ويعيد للإنسانية المساواة في الأصل والمصير، ويحفظ الحقوق فاهتدى إلى نور الإسلام، ففي وقت كان هذا الدين مزدرى إعلاميا وشعبيا ربما، توقع البعض من محمد علي أن يعتنق الشيوعية نكاية في الليبرالية المتوحشة التي تعتنقها بلده، لاسيما وأن الشيوعية حينئذ سوقت نفسها حلما للبشرية وجنتها ومدينتها الفاضلة التي تتحقق في كنفها المساواة المطلقة والعدالة الاجتماعية، ولكن كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور آثر اعتناق الإسلام وتحويل اسمه إلى محمد علي كلاي، غير عابئ بردود الأقوال والأفعال ومتجاهلا الصورة النمطية السيئة المسوقة عن الإسلام هناك؛ لأنه يعلم أن معيار الحق لا يكمن في موقف الناس منه بقدر ما يكمن في صدقه وقوة مبادئه وسمو قيمه، ولهذا اعتنق الإسلام وثبت عليه؛ بل داخل الدين نفسه بحث عن الحقيقة، فاهتدى لأهل السنة والجماعة تاركا جماعة أمة الإسلام التي رآها انحرفت عن هذا الدين رغم أنها كانت بوابته التي ولج منها، وهو ما يكشف عن نفسية عظيمة غرضها الوصول إلى الحقيقية واعتناقها بغض النظر عن معتنقيها وموقف المحيط الاجتماعي القريب منه.
وإلى آخر أيام حياته ظل يجاهر بإسلامه وينافح عنه، وكانت آخر إشارة عن ذلك بعد الوصية رفعه قبضة يده اليمنى في وجه المرشح لأمريكي ترامب الذي تهجم على المسلمين. وهي إشارة فحواها قوله ليتك ظهرت في أوج قوتي لترى ما أنا فاعل بك !
وخلال سنوات إسلامه قدم أنموذجا فريدا سيحتاجه المسلمون كثيرا، أنموذج المسلم الوفي لوطنه المخلص لقضاياه، المندمج فيه، والمسلم المدافع عن القضايا الإنسانية العادلة، المحب لمحيطه ولو خالفه الدين والرأي والمعتقد، وذلك هو مثال المسلم المعتدل؛ لذلك قال في وصيته إنه حرص خلال حياته على أن يحب كل الناس، وليس غريبا عنه ذلك وهو الذي عانى الكره والتمييز، فلم يجد من سلاح لخصومه سوى الحب الذي يحقق التعايش والسلام.
لقد كان محمد علي قويا بدنيا ولم يكن عنيفا، قويا إيمانيا ولم يكن متطرفا، قويا سياسيا ولم يكن إقصائيا، وذلك هو المسلم المعتدل المنتمي لأمة الوسطية.