أطلقت شركة سونطراك مسابقة وطنية مفتوحة لتوظيف خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس الأكاديمية في المجالات التقنية، بالشراكة مع الوكالة الوطنية للتشغيل. وبحسب ما...
وقع رئيس الجمهورية السيد، عبد المجيد تبون، أمس خلال اجتماع مجلس الوزراء على قانون المالية لسنة 2025 بمقر رئاسة الجمهورية بحضور أعضاء الحكومة، ورئيسي غرفتي...
• إيجاد الحلول للانشغالات المطروحة بالسرعة المطلوبة والاحترافية الضرورية • الشروع بالسرعة القصوى في التنفيذ الميداني • على الحكومة صب كل المجهودات لتحقيق راحة...
شرع الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، ابتداء من يوم أمس الأحد، في زيارة رسمية إلى...
* الخاطــف كــان يــزور مصلحــــة الرضـع دوريـــا و صـوّر أحدهــم * شهــود : مصلحـة الرضـع كـانت دون مفتـــاح!
أصدرت محكمة الجنايات بمجلس قضاء قسنطينة، في ساعة متأخرة من مساء أمس الأول، حكما بالسجن المؤبد ضد 3 أشخاص متابعين في قضية اختطاف الرضيع ليث كاوة من المستشفى الجامعي ابن باديس سنة 2014، كما برأت القابلتين و ألزمت المُداَنين الثلاثة بدفع تعويض بقيمة 200 مليون سنتيم لوالدي الطفل، و ذلك في محاكمة ماراطونية دامت قرابة 12 ساعة، و تم خلالها الكشف عن حقائق تنشرها النصر لأول مرة عن هذه القضية التي شغلت الرأي العام الوطني و الدولي.
تغطيـة: ياسميـن بـوالجـدري
فصلت أخيرا جنايات قسنطينة في واحدة من أغرب قضايا الاختطاف التي شهدتها الجزائر منذ سنوات، و ذلك بعد 4 أعوام كاملة من الحادثة، تم خلالها الاستماع لقرابة 130 شاهدا و عرفت تمرير الملف داخل أروقة العدالة إلى أن تقلص عدد المتهمين من 17 إلى 6 حوكِم 5 منهم أول أمس، دون المتهمة “ب. زينة” التي عثر على الطفل في منزلها بمنطقة تمالوس بسكيكدة، و ذلك بعدما قُدّر لها أن تفارق الحياة العام الماضي إثر وعكة صحية تعرضت لها في السجن، لتُنقَل إلى المستشفى الجامعي ابن باديس الذي اختُطف الرضيع منه، و تفارق الحياة هناك.
و قد افتتحت الجلسة حوالي الساعة التاسعة صباحا، في قاعة مكتظة عن آخرها إلى درجة أن بعض المحامين و أهالي المتهمين اضطروا للوقوف وسط ترقب و اهتمام كبيرين، فيما كان المتهمون الثلاثة المحبوسون جالسين في المكان المخصص لهم أسفل النائب العام بعدما دخلوا محاطين برجال الشرطة مكبلين بالأصفاد التي نزعت من أيديهم فيما بعد.
وقد شُرع في المناداة على المتهمين و أولهم «ن.السعيد”، المغترب الذي قام بنقل الرضيع إلى تمالوس، و هو رجل أصلع و يبدو قوي البنية، رغم أنه متقدم في السن و غزا الشيب شاربيه، كما تمت المناداة على المتهم بالتوسط في عملية الاختطاف و هو المدعو «ب.منير» 48 سنة، شخص متوسط البنية يرتدي نظارات طبية و كان أقل حركة و لفتا للنظر مقارنة بحاجب مصلحة التوليد الذي اتهم بتزوير وثائق الولادة و اختطاف الطفل، و يتعلق الأمر بـ «ق.محمد» المكنى عزيز، و هو شخص قصير القامة و هزيل بدا أكثر اضطرابا، ولم يتوقف عن التحديق إلى الحضور والتحدث بالإشارات إلى أفراد عائلته الذين كانوا جالسين هناك، فيما سيقوم القاضي بعد ذلك بطرده لأنه كان يقاطع في كل مرة الشهود و المحامين.
ليث يحضر محاكمة خاطفيه!
أما القابلة “ص. نوال” وهي فتاة في أواخر العشرينات من العمر تنحدر من ولاية باتنة، فقد كانت جالسة في الصف الأول المخصص للحضور، و بدت الأكثر هدوءا بين المتهمين، فيما تم تخصيص كرسي مناسب للقابلة “ل. أسماء” أسفل منصب كاتب الضبط، وكانت محاميتها تضطر في كل مرة إلى إخراجها من القاعة وللخضوع لمعاينة الطبيب الذي تم جلبه لها خصيصا، على اعتبار أن أسماء المنحدرة من مدينة الخروب بقسنطينة، حامل في الشهر السابع، حسبما أكده للنصر والداها اللذين كانا في حالة نفسية سيئة.
بعد ذلك انطلقت عملية المناداة على الشهود من طرف كاتب الضبط، حوالي الساعة العاشرة، و قد استغرق ذلك قرابة ساعة كاملة، فقد وصل عددهم إلى حوالي 130 شاهدا أغلبهم موظفون في المستشفى الجامعي و تبيّن أن 83 منهم حضروا، حيث أجلِسوا جميعهم خارج قاعة المحاكمة إلى حين استدعائهم للاستماع إلى أقوالهم، و وسط كل تلك الجلبة التي أحدثها الشهود و هم يدخلون و يخرجون، لم يكن الطفل ليث كاوة الذي أصبح عمره اليوم 4 سنوات، يفهم ما يحدث حوله أو يعي بأنه “بطل” كل هذه القصة، فقد أتى مع والديه و جده و بعض أقربائه و بدا عليه الملل، و كان يغفو أحيانا و يحاول اللهو أحيانا أخرى بلعبة صغيرة يحملها بين يديه.
و قبل الانطلاق في المحاكمة، شرع رئيس الجلسة القاضي كيبير أحمد فتحي الذي كان يجلس معه مستشاران و حوله رزم كبيرة من الملفات، في التأكيد على أسماء المحامين، و هنا اعترض المحامي التلقائي الذي تم تعيينه للدفاع عن المتهم “ن. السعيد” ، على عدم منحه الوقت الكافي لدراسة ملف موكله، كما قال، و طالب بالتأجيل، غير أن رئيس الجلسة أخبره أن ذلك غير ممكن بعدما تم إحضار كل هؤلاء الشهود، و أمام إصرار المحامي، رفع القاضي الجلسة لمدة ربع ساعة لدراسة طلب الدفاع، ثم أعلن بعد عودته أنه لن يتم التأجيل كون العديد من عمال المستشفى من قابلات و غيرهم تركوا عملهم و قدموا للإدلاء بشهاداتهم، ليعلن المحامي عن انسحابه و يتم تعيين زميل آخر له، سيختار فيما بعد أن تكون مرافعته هي الأخيرة حتى يكسب المزيد من الوقت للإطلاع على الملف.
بعد ذلك، تم تعيين المحلفين الأربعة، و شرع كاتب الضبط في تلاوة قرار الإحالة الذي أعيد فيه سرد حيثيات حادثة الاختطاف التي وقعت صبيحة 27 ماي من سنة 2014، عندما اكتشفت ممرضة مصلحة الرضع، كانت قدمت حوالي الساعة السابعة صباحا، أن الرضيع ليث غير موجود على سريره بعدما كان قد ولِد في الـ 19 من نفس الشهر بعملية قيصرية في مصلحة التوليد، و قررت طبيبة مقيمة مختصة في طب الأطفال إخضاعه لحصص الأشعة ابتداء من يوم 26 ماي، بعدما أظهرت التحاليل أنه مصاب بمرض اليرقان “الصفاير” الذي قد تكون له آثار جانبية عليه في المستقبل في حال عدم علاجه، كما بين قرار الإحالة أن الطفل وجد بعد ذلك في منزل امرأة و زوجها بتمالوس يوم 13 جوان، عندما بلغ عنهما أحد الجيران الذي كان يعلم أن المرأة استأصلت الرحم و استغرب أنها أنجبت طفلا، كما راوده الشك بسماعه خبر اختطاف ليث في وسائل الإعلام.
الرضيع بيع بـ 60 مليونا
و شرع خلال الجلسة في الاستماع إلى المتهمين المحبوسين، و كان أولهم «ن.السعيد» المتابع بجناية تكوين جمعية أشرار و خطف قاصر و جنح حمل سلاح أبيض محظور دون مبرر شرعي و المشاركة في التزوير و استعمال المزور و حيازة أفلام مخلة بالحياء و منح مزية بشكل مباشر للقيام بأداء عمل، و قد كان المتهم يعمل كسائق في إحدى الشركات الوطنية بحاسي مسعود بعدما تم طرده من فرنسا سنة 1995 إثر تورطه في قضية سطو، حيث خصصت له هيئة المحكمة مترجما، و صرح أن المرحومة “ب.زينة” تكون زوجته الثانية و بأنه يقيم بحي ساقية سيدي يوسف “لابوم” بقسنطينة، و قد كان جاره هناك المتهم “ب.منير” المسمى التومي و الذي أوصله إلى الحاجب المكنى عزيز على أساس التوسط له لكي تحرر شهادة توقف عن العمل لزوجته، مضيفا أنهما تنقلا معا إلى المستشفى الجامعي و هناك وجدا عزيز و أخبره بطلبه، بعدما كان قد أبلغه أنه يبحث عن طفل لزوجته العاقر و المصابة بمرض في القلب و بأنه قام بمساع للتبني لكنه فشل، فيما تراجعت امرأة تقيم بولاية مجاورة عن منحه طفلها غير الشرعي.
و أضاف المغترب أن عزيز اتصل به بعدها و أخبره أن المعطيات تغيرت و بأنه وجد له طفلا وضعته طالبة جامعية من ولاية مجاورة في الثامن ماي بطريقة غير شرعية، أي قبل 19 يوما من الاختطاف و حتى قبل ولادة ليث، و ادعى أن عملية الانجاب تمت داخل المستشفى الجامعي بقسنطينة، كما قدم نفسه على أساس أنه طبيب و ليس حاجب و أخبره أنه لن يحصل على الرضيع إلا بعد 4 أو 5 أيام لأنه مصاب بمرض رئوي، بحيث طلب منه مبلغ 150 مليون سنتيم مقابل الرضيع، لكن المغترب رفض هذا المبلغ و عرض عليه 90 مليون سنتيم، 60 منها مقابل الطفل و 30 نظير تزوير الوثائق الخاصة بالولادة.
و قد أثار المتهم “ن.السعيد” دهشة الحضور و هو يصرح أنه كان يزور مصلحة الرضع بصفة عادية كل يومين أو ثلاثة لمدة 18 يوما كاملة، حيث رأى هناك المواليد على أساس أنه سيأخذ أحدهم، كما اصطحب زوجته المرحومة مرتين لكنها لم تصعد معه إلى مصلحة ما بعد الولادة، بطلب من عزيز الذي يقول إنه كان يعتقد بأنه طبيب، مضيفا أنه رأى الرضيع في الحاضنة، و بأن زوجته قدمت معه في المرة الثانية التي تصادفت مع يوم الأحد، على أساس أنهما سيأخذان معهما المولود، لكن المتهم عزيز أخبرهما أن ذلك غير ممكن لأن الطفل مريض، فانتظرا إلى غاية الساعة التاسعة مساء، ثم غادرا.
و أضاف المتهم أن المسمى عزيز اتصل به يوم 26 ماي، أي قبل يوم من حادثة الاختطاف، و طلب منه أن يأتي إلى مصلحة التوليد في ساعة مبكرة من صباح اليوم الموالي لكي لا يراه أحد، فقدم على الساعة الخامسة إلى الربع، مضيفا أنه و قبل ذلك اتصل بالمتهم المسمى التومي و أعطاه مبلغ ألفين دينار، دون أن يخبره أنه سيأخذ الطفل، متراجعا عن تصريحه السابق بأن التومي كان يعلم بقضية الرضيع.
و تابع المتهم المغترب سرد وقائع الحادثة، حيث ذكر أنه وجد في الباب الخارجي للمستشفى المتهم عزيز في انتظاره مرتديا لباسا رياضيا أسود اللون صبيحة يوم 27 ماي، حيث دخلا معا رواق مصلحة التوليد (تفصل بين مصلحتي التوليد و الرضع بوابة تتوسط الرواق) و هناك طرق عزيز على الباب الفاصل و سمع هو صوت امرأة قالت له “انتظر”، لكنه لم يرها، على حد قوله، قبل أن يحضر له الرضيع كاوة ليث محفوظ بعد ذلك بقليل و يحمله بين يديه، مضيفا أنه و خلال رجوعهما شاهدتهما مريضات في الرواق، فيما كان عزيز يحرص على إخفاء رأسه وراء جنبه إلى غاية بلوغهما الباب الخارجي، قبل أن يضع ليث في المقعد الخلفي لسيارته من نوع “ماروتي” التي كانت مركونة في الخارج و يتجه مباشرة إلى منطقة المراية بتمالوس (تبعد بأكثر من ساعة عن ولاية قسنطينة).
و صرح المتهم أنه منح عزيز مبلغ 60 مليون سنتيم المتفق عليها، في حين أعطاه هذا الأخير نسخا من بيان الولادة و شهادة التوقف عن العمل لمدة 98 يوما، مقابل 8 ملايين سنتيم أخرى، على أن يحصل على 22 مليونا المتبقية بعد تسليمه باقي الوثائق، كما أضاف المتهم أنه استرجع الدفتر العائلي و رهن ذهب زوجته مقابل 8 مليون سنتيم لتسديد المبلغ.
الخاطفون سموا الرضيع نصر الدين
و تبين الأقوال التي وردت في قرار غرفة الاتهام، للمتهمة “ب.زينة” المتوفاة العام الماضي عن عمر 47 سنة، أنها صرحت لدى استجوابها في الحضور الأول بتاريخ 17 جوان 2014، أي بعد 4 أيام من العثور على الطفل بمنزلها، أنها لم تكن على علم بحادثة الاختطاف، مضيفة أن زوجها “ن.السعيد” اقترح عليها قبل 4 أشهر من الوقائع، أن يحضر لها ابنا من أجل تربيته بحكم أنها عاقر، و بعد استفسارها منه عن مصدر الطفل ادعى أنه ابن غير شرعي لفتاة عزباء تدرس في الجامعة و تسكن بجيجل، و غير مستعدة لرعايته، فوافقت على ذلك.
الخاطــف كــان يــزور مصلحــــة الرضـع دوريـــا و التقــط صـورا لأحدهــم
و اعترفت المتهمة التي كانت تعمل في الوكالة العقارية بتمالوس، أنها بدأت بوضع ألبسة على بطنها أسفل اللباس الداخلي، و ذلك باقتراح من زوجها، قصد التظاهر أمام الجميع أنها حامل، و خاصة الجيران، لكنها بتاريخ 6 أو 7 ماي ألحت على زوجها بإحضار الطفل الذي وعد به، فأخبرها أنه مريض و متواجد بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، و بأن المشرف على علاجه هو الطبيب عزيز، الذي قالت إنها اكتشفت فيما بعد أنه ليس سوى حارس، مضيفة أنه و بإلحاح منها رافقت زوجها إلى المستشفى للتأكد من الأمر لكنه منعها من دخول مصلحة النساء، ثم تقدم إليها المدعو عزيز و قدم نفسه على أنه الطبيب المشرف على علاج الرضيع، فغادرت المستشفى عائدة إلى منزلها، كما ذكرت في تصريحات كشف عنها القاضي خلال الجلسة، أن زوجها التقط في إحدى المرات صورة للرضيع لكي تراه.
و ذكرت المرحومة في تصريحاتها الأولى أن زوجها جلب لها الطفل حوالي الساعة التاسعة أو العاشرة من صباح الـ 27 ماي 2014، بعدما كان يتردد يوميا على المستشفى لإحضار الرضيع، كما قالت إنها و في اليوم الذي أحضر فيه ليث، الذي أطلقا عليه اسم نصر الدين، قامت باستضافة الجيران و الأهل و أكدت لهم بأنها أنجبت مولودا وضعته في الشهر السابع، فأتممت عقيقته، مصرحة أنها لم تتفطن أن الرضيع هو الطفل كاوة المختطف الذي تداولت أخباره وسائل الإعلام.
القاضي يواجه المتهمين
و يخاطبهم “لدينا الدلائل”
و خلال جلسة المحاكمة أصر زوج المتهمة بالتأكيد على أنه لم يكن يدري بأن الرضيع مختطف، فواجهه القاضي ببعض الأسئلة و كان الحوار بينهما كالأتي:
القاضي: كيف يُعقَل أن يعطيك عزيز الطفل خفية و لم ينتابك شك بأن هناك أمورا غريبة، خاصة وسط الضجة الإعلامية التي أثارتها حادثة الاختطاف؟
المتهم: لم أر أي شيء غريب لأني كنت أعتقد في الأساس أن الطفل غير شرعي لطالبة جامعية.
القاضي: لكن الطفل وُضع في مستشفى عمومي و أنت عشت في فرنسا و يُفترض ألا تفوتك مثل هذه الأمور؟ ثم كيف لك أن تقبل أن تأخذه على الساعة السادسة صباحا بينما إدارة المستشفى لم تفتح بعد، و المفترض أن ما يجب أن يثير انتباهك أكثـر هو أن عزيز طلب منك ألا تُظهر نفسك، هل كل هذا كان طبيعيا بالنسبة لك؟
يصمت المتهم و يومئ برأسه، ثم يتابع القاضي: «في إحدى تصريحاتك قلت إن «ق.محمد» (عزيز) باع طفلا أهمله والداه و استبدله بجثة مولود من مصلحة حفظ الجثث”، و بعد طرح بعض الأسئلة الأخرى، انتهى الاستجواب و استدعى رئيس الجلسة المتهم “ق.محمد” المسبوق قضائيا في 4 قضايا أخرى و الذي وجهت إليه تهمة تكوين جمعية أشرار و خطف قاصر و التزوير و استعمال المزور في وثائق إدارية و استعمال لقب متصل بمهنة منظمة قانونا و قبول مزية غير مستحقة فكان الحوار كالآتي:
القاضي: منذ متى و أنت تعمل في مصلحة التوليد؟
المتهم: منذ 17 سنة كان العمل خلالها متقطعا.
القاضي: كيف لشخص غريب أن يذهب إلى المستشفى و يختطف طفلا؟
المتهم: كنت واقفا قرب باب المصلحة عندما جلبه المتهم “ب.منير” الذي كان جاري في “الطريق الجديدة” و طلب مني أن أحضر للمغترب شهادة توقف عن العمل لزوجته، فقلت له أنه يمكنني مساعدته و لم أختطف.. إنها مفبركة..هم من خطفوه.
القاضي: من هؤلاء الذين خطفوه؟
المتهم: قبل ليلة من الاختطاف قال لي “ب.منير” أنه جلب زوجته إلى مصلحة التوليد و تبين فيما بعد أن موعد حملها لم يحن، فلماذا جاء؟
القاضي: فعلا دخلا المصلحة و أجرت زوجته عملية ولادة قيصرية هناك.
المتهم: أقر أني أعرف المتهم «ب.منير» لكني لا أعرف «ن.السعيد”.. لم أعمل في تلك الليلة.
القاضي: «ن.السعيد» قدم مع زوجته إلى المصلحة، أليس كذلك؟
المتهم: نعم.
القاضي: قمت باصطحابه إلى مصلحة الولادة؟
المتهم: لم أصعد معهم و لم أقل لهم أني طبيب.
القاضي: هناك شاهدة ممتازة لا تعرف أحدا من المتهمين و هي المريضة التي صرحت أنها شاهدت في الرواق رجلا يخرج حاملا بين يديه طفلا و بجنبه شخص هزيل الجسم و قصير القامة و هذه أوصاف تنطبق عليك، كما أنها تعرفت عليك في محضر الضبطية.
المتهم: لم تقل ذلك قالت إنه متوسط القامة، لقد قرأت ذلك في الملف.. إني بريء «والله خاطيني».
القاضي: الشهود يؤكدون أنك الوحيد الذي يستطيع الدخول و الخروج من مصلحتي التوليد و الرضع، و أنك كثير التردد عليهما.
المتهم: نعم لأني أعمل بمفردي في 3 طوابق.. هناك ضغط و كل مريضات الشرق يأتون عندنا.
القاضي: المدعوة «ص.م» العاملة في المصلحة تقول إنك حاولت الانتحار من جسر سيدي مسيد في إحدى المرات.
المتهم: غير صحيح، أنا متزوج و أب لثلاثة أولاد.. الحمد لله
القاضي: الموظف في أرشيف المستشفى «ر.س» يقول إنك معروف بـ «الترافيك» و التزوير.
المتهم: أنكر ذلك، هل هذه الأمور تعني أني خطفت الطفل؟ أنا أعمل هناك و في الكثير من المرات أوصل “التيزانة” و الشاي و الحقائب بين الأهل و المريضات.
القاضي: كانت هناك اتصالات بينك و بين “ن.السعيد”، كما صرح بأنك ساعدته.
المتهم: يكذب، ليس هناك أية اتصالات، ثم يبدأ في رفع صوته قائلا «خاطيني صح أني باب أولاد” فيطلب منه القاضي بحزم التوقف عن الصراخ و يقول له إنه لا داعي للبكاء لأن الشرطة لم تكذب و استخرجت الاتصالات من سجل المكالمات.
بعد ذلك تم طرح أسئلة أخرى من طرف القاضي و النائب العام، و التي أجاب خلالها المتهم أنه لم يكن مداوما يوم الاختطاف، لتتم مناداة المتهم “ب.منير” المسمى التومي و الذي يقطن بحي بن شرقي و كان يعمل في مؤسسة وطنية بقسنطينة، حيث وجهت إليه تهمة جناية تكوين جمعية أشرار و المشاركة في خطف قاصر و جنحتي المشاركة في التزوير و منح و قبول مزية غير مستحقة. و قد اعترف المتهم أنه ذهب مع جاره السابق المغترب إلى المستشفى على أساس أن يبحث معه عن أحد معارفه من أجل تحرير شهادة توقف عن العمل لزوجته، فوجد هناك الحاجب المدعو عزيز و عرفهما على بعضهما، مضيفا أن مهمته في الوساطة توقفت عند هذا الحد، نافيا صلته بالاختطاف أو التزوير، أو أن يكون قد التقى بالمغترب في “الطريق الجديدة” و طلب منه أن يجد له طفلا، حسب التصريحات التي تراجع عنها المغترب أول أمس، كما أضاف أن الأموال التي تلقاها منه كانت كمساعدة فقط لتسديد ثمن كراء المنزل، و هنا واجهه بالرسائل التي بعثها لجاره المتهم، و التي جاء في أحدها “جيبلي الأمانة تاع الراجل” فقال أنه كان يقصد الحصول على سلف إلى حين تلقي راتبه الشهري.
و بعد الانتهاء من استجواب المتهمين المحبوسين، شرع في الاستماع إلى القابلة “ل.أسماء” التي ظلت جالسة على الكرسي بسبب وضعها الصحي الحساس، حيث نفت جنحة التزوير في وثائق الموجهة إليها، و صرحت بأنها كانت مناوبة تلك الليلة لكنها لم تقم بختم شهادة الولادة المزورة، مؤكدة بأن أحدهم قام بأخذ ختمها من علبة توجد في مكتب القابلات و يمكن لأي أحد يعمل هناك الوصول إليها، كما ذكرت أنه، في الأصل، ليس لديها الحق بوضع الختم على بيان الولادة و بأن ذلك مهمة الطبيبة التي أجرت العملية القيصرية، مصرحة أن الإمضاء على الشهادة قد يكون للمتهمة الأخرى و هي القابلة “ص.آمال”.
القابلة “ص.آمال” التي وجهت إليها جناية المشاركة في خطف قاصر، نفت ضلوعها في القضية، و قالت بأنها لم تعمل يوم الوقائع و بأن لا علاقة لها بشهادة الولادة، مضيفة أنه و حتى إن كان الإمضاء على الشهادة يشبه خطها، فهذا لا يعني أنها من كتبته، كما ذكرت أنها لا تعرف المغترب المسمى التومي.
والدة ليث: أحسست أن مكروها سيصيب ابني
و بالانتهاء من استجواب المتهمين، استدعى القاضي والد ليث، كاوة فريد الذي قال إن ما حزّ في نفسه هو منعه من رؤية ابنه عندما قدم لتفقده ليلة قبل الحادثة، بينما استطاع الخاطفون أن يدخلوا و يأخذوه، حيث روى كيف تم ابلاغه بالحادثة في اليوم الموالي و حجم الصدمة التي تعرض لها و التي يقول إن تبعاتها ما تزال مستمرة لليوم، حيث أصيب بمرض في القلب و أمراض أخرى و عمره لا يتعدى 36 سنة، فيما تعرضت زوجته لاضطرابات نفسية، لينصحه القاضي بمراجعة طبيب نفسي يخفف عنهم آثار تلك الفاجعة.
أما والدة ليث التي بدت في حالة نفسية سيئة، فقد ذكرت أن إحساسا بداخلها جعلها تطلب من زوجها التوجه ليلة الحادثة إلى المستشفى، من أجل تفقد ابنها، لأنها كانت تعلم، كما قالت، أن المصلحة كانت كالإسطبل، كما أنها شاهدت كيف يدخلها و يخرج منها الغرباء بسهولة، دون حراسة مشددة، خاصة أنها أجرت هناك 3 عمليات ولادة قيصرية، مضيفة أن ما زاد من قلقها هو أن عاملة نظافة قالت لها «لا تتركي ابنك هنا”، كما شرحت و الدموع تنهمر من عينيها بكلمات أبكت الحضور، كيف عانت منذ حادثة الاختطاف و مرضت، إلى درجة أنها أصبحت تعالج من “الخلعة”.
عقبها شرع في الاستماع إلى الشهود إلى غاية الساعة الخامسة مساء، و قد كان أغلبهم عمال بالمستشفى الجامعي لاحظنا أن معظمهم كانوا خائفين، إلى درجة أن البعض لم يستطع الكلام بينما خرج آخرون و أيديهم على صدورهم، و قد أظهرت إجاباتهم حجم حالة الإهمال و التسيب التي كانت تشهدها مصلحتا التوليد و الرضع، إذ لم يكن هناك أعوان أمن و لا كاميرات و كان بإمكان أي شخص أن يدخلها.
شهود يكشفون: مصلحة الرضع كانت دون مفتاح!
و ما أثار دهشة الجميع هو تأكيد الموظفين أن باب مصلحة الرضع لم يكن له مفتاح، كما ذكرت ممرضات و قابلات أن الرضيع ليث كان مباشرة مقابل الباب، بما يرجح أن المختطف أخذ أول مولود وجده أمامه، فيما خاطب القاضي إحدى الممرضات الشاهدات بالقول “ذهبتن مسرعات لتغيير ملابسكن و الخروج و تركتن مصلحة الرضع لوحدها فجاء الرجل و اختطف الطفل!”.
و من الأمور الغريبة التي شهدتها المحاكمة، استدعاء شهود كانوا متهمين في القضية خلال التحقيقات التي سبقت العثور على الرضيع، على غرار أم رمت ثياب رضيعتها في القمامة، و أب شاهده الأمن يشتري حفاظات لابنه، و سيدة اتصلت بأم الرضيع و أبلغتها بأنه عند إحدى العائلات فقط لتريحها و تخبرها بأنه بخير.
و قد تطرق دفاع الطرف المدني إلى فظاعة الجريمة و قال إن ليث لم يكن ربما المقصود من الاختطاف، لكن منفذي العملية كانوا على احترافية جعلت الزوجين يقيمان حفل “العقيقة” للمولود قبل وصوله، بسبب ثقة الخاطفين بأنفسهم و معرفتهم بأنهم أعدوا لكافة التفاصيل بقولهم للمغترب “اذبح.. الطفل راهو جاي جاي”.
أب الرضيع للنصر: راضون عن الحكم و العدالة اقتصت لنا
مرافعة النائب العام كانت مختصرة لأن جميع الحضور كانوا بدأوا يشعرون بالتعب، حيث سرد وقائع الجريمة باختصار و قال إن ركن الاتفاق موجود، ملتمسا تسليط عقوبة 20 سنة و مليون دينار غرامة مالية في حق المتهمين الذكور، و 15 سنة سجنا و مليون دينار غرامة مالية ضد القابلة «ص.أ» و 3 سنوات حبسا و 20 ألف دينار في حق القابلة «ل.أ»، مع حرمان المتابعين في الوصف الجنائي من حقوقهم المدنية و المالية.
و بعد النطق بالحكم سالف الذكر حوالي الساعة العاشرة ليلا، بدأت إجراءات الدعوى المدنية و ألزمت محكمة الجنايات المدانين الثلاثة “ن.السعيد”، “ق.محمد” و “ب.منير” و الذين حكم عليهم بالسجن المؤبد، بتسديد 100 مليون سنتيم لأم الرضيع و نفس المبلغ للوالد، و هو قرار أكد دفاع الطرف المدني للنصر أنه سيستأنف فيه لأن التعويض لم يكن تحت ضمان إدارة المستشفى لتتكفل هي به، في حال لم يتمكن المدانون من دفعه.
والد الرضيع ليث كاوة أكد للنصر أنه راض عن الحكم و بأن العدالة الجزائرية اقتصت له و لزوجته بعد المعاناة الكبيرة التي عاشتها العائلة و قال “رحمة ربي.. لاباس من خطط و خطف حكم عليهم بالمؤبد”.
ي.ب