* تعليمات لمواصلة الاستماع للمنظمات النقابية وتلقي اقتراحاتها وملاحظاتها lلجنة لدراسة الاختلالات في القوانين الأساسية لقطاع الصحة* الوزير حاجي: الحوار...
كشف الديوان الوطني للحج والعمرة عن تكلفة الحج لموسم 2025/1446 هجري، المقدرة بـ 84 مليون سنتيم، شاملة تذاكر السفر ذهابا و إيابا من المملكة العربية...
حددت وزارة التربية الوطنية، في بيان لها، أول أمس الخميس، الفترة ما بين 2 إلى 16 فيفري لمراجعة بيانات المسجلين في امتحاني شهادة التعليم المتوسط...
توجت أشغال الدورة 12 للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي والتقني، التي انعقدت، اليوم الخميس بالجزائر...
تحول موسم الحصاد خلال السنوات الأخيرة، إلى عملية آلية بعيدة عن زخم المجتمع و مساهمته الفعالة في خوض غماره، بعد أن كان موكبا تشارك فيه فئات واسعة من المجتمع مزارعين و حرفيين وعمال موسميين كل من زاويته.
العملية المضنية المعقدة، أصبحت اليوم جد بسيطة، تقتصر على آلة حصاد مكيفة، و شاحنة لنقل المحصول إلى مخازن تعاونية الحبوب، كما قال عمي السعيد شعبي، أحد شيوخ عين عبيد المهتمين بعادات و تقاليد المنطقة، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه، حسبه، منافسة الآلة للإنسان في قوته.
أهازيج الفلاحين كانت تثير البهجة و النشاط
كانت حقول القمح مليئة بأهازيج الفلاحين التي تنطلق في الساعات الأولى من الصباح، لتثير البهجة و الحيوية و النشاط، من بينها مدائح جاء في مطلعها
"باسم الله بديت وعلى النبي صليت "..
و كذا "فطيمة يا الزينة وصي باباك علينا" ..
و المقصود بفطيمة في المديح الأخير فاطمة ابنة رسول الله عليه أفضل الصلاة و السلام. كما كان الفلاحون يرددون أغان حماسية تزيد من وتيرة قطع سيقان السنابل الندية، و ربطها في حزم صغيرة يدويا، و جاء في مطلعها
"شبان صغار طاحوا في قمح مسبل حطوه غمار "..
و تعد ساعات الفجر الأولى أنسب الأوقات للحصاد اليدوي الذي يقوم به رجال مدربون ينتهي دوامهم مع زوال الشمس من كبد السماء، و يتوسط ذلك وجبة غداء تقتصر عادة على نصف خبزة شعير و لبن يتداول الحصادون إناءه فيما بينهم.
حرف كانت تشهد أوج ازدهارها بالمناسبة..
كان يبدأ موكب موسم الحصاد قديما قبل أسابيع من انطلاقه الفعلي، من الأسواق الأسبوعية، كما أكد عمي السعيد، وذلك بشراء مناجل جديدة يصنعها حرفيون مختصون أمام عيني الزبون، بتطويع قضبان من الحديد بين المطرقة والسندان وحرارة نار يلهب الكير ألسنتها، ثم يضرس، و يتم صنع مقبض خشبي له ، و يكون جاهزا لليوم الموعود.
ويقتني البعض الآخر من السوق مظلات مصنوعة من الحلفاء مبطنة بقماش يمتص عرق الجبين، عندما يشتد لهيب أشعة الشمس، فيما يقوم آخرون بتجديد مناجلهم القديمة، وذلك بإعادة تشكيل أضراسها التي قد تحد من فعاليتها طبقة الصدأ.
في حين تقوم فئة رابعة بخياطة أو إعداد أغطية للصدر و الذراعين، للوقاية من لسعات أشواك السنابل، و تصنع عادة من جلد الخرفان المنزوع الصوف، أو من قماش مقاوم يعرض بالسوق الأسبوعية، كما كانت تعرض قديما بالسوق الشباك و الحبال و برادع البغال والحمير و الأرصنة واللجام وعتاد كثير كان يصنع يدويا ، لنقل سنابل القمح من الحقول إلى مواضع درسها أو ما يسمى ب"الطرحة"، والتي يتم إعدادها لهذا الغرض أسابيع قبل ذلك، ضمن عملية شاقة و مجهدة.
كل هذه الوسائل كانت تشكل زخما في الأسواق، فكان الحرفيون الذين ورثوا حرفهم التقليدية عن أسلافهم، يعملون و يبرزون منتجاتهم، كما ينشط الحدادون بتجديد حذوات الأحصنة، ليكون وقعها قويا على السنابل، أثناء عملية الدرس التقليدية في الطرحة.
بداية الموسم بالفأل الحسن و نهايته بخبزة الراحة
جدير بالذكر أن دخول موسم الحصاد كان يبدأ عادة بالفأل، و ينتهي بخبزة الراحة، وهي تقاليد لم يعد لها أثر إلا ما ندر، ولم يعد جيل اليوم يسمع ولا يتقيد بها، في ظل بروز عوامل كثيرة، منها الاجتماعية، خاصة الهجرة إلى المدن وخلو الأرياف من السكان تقريبا، ثم التعقيدات و الانشطارات التي حدثت داخل الأسرة الواحدة، و ظهور الأسرة النووية، ثم العصرنة و الحداثة والحسابات الشخصية، مع الارتفاع الكبير في الأسعار و مفاهيم كثيرة استجدت، جعلت عادة الفأل التي كانت أهم حدث يبدأ به الموسم، تختفي دون أن ينتبه إليها أحد، في حين كان السلف يمنحها أهمية قصوى بإطعام أهل الدوار من محصول قمح أول يوم حصاد، وذلك بالحرص على طحنه يدويا أو في أقرب رحى، و يعد من دقيقه الكسكسي الناصع البياض، حيث تشارك كل نساء العائلة الكبيرة في عملية تحضيره يدويا "الفتيل".
أما في الوسط الذكوري، فيتم ذبح أحسن كبش في القطيع، فيشوى جزء منه و يتم طهي الباقي ليقدم لحمه للعائلة و كذا الضيوف من أهل الدوار، حيث توجه دعوة لكبير كل دار، و هذا الحدث يعد إيذانا بالبداية الرسمية لحملة الحصاد و الدرس، فبعد أن كانتا عمليتين منفصلتين، أصبحت تقوم بهما آلة واحدة .
و تستمر العملية التي تبدأ في أواخر شهر جوان و تنتهي و شهر أوت يودع آخر أيامه، بخبزة الراحة وهي طعام يعد خصيصا لمن ساهموا في حملتي الحصاد و الدرس وكذا أفراد العائلة و لا يكون عبارة عن كسكسي، و يتم إعداد الوجبة من قمح آخر عملية درس انفصلت فيها الحبات الحمراء عن أغشيتها تحت أقدام الأحصنة، مما تخلف من سنابل تكدست على جانبي الطرحة طوال موسم الحصاد، و يعد هذا الطعام بلحم الدجاج أو الماعز، حسبما هو متاح، وفي نهاية آخر حلقة من الموسم، يتم دفع مستحقات العمال الموسميين.
الحملة أصبحت تقتصر على شخص أو اثنين و اندثار عاداتها
أما اليوم، كما قال عمي السعيد، كل ذلك اختفى، و لم يعد يسمع لموسم الحصاد ضجيج بين الحقول، عدا صوت محركات ديازال ، حاصدات و شاحنات نقل محصول الحبوب الشتوية إلى مخازن تعاونية الحبوب و البقول الجافة، ولا يكاد يظهر له أثر، باستثناء مرور هذه المركبات وسط المدن، و كذا الطوابير التي تتشكل أمام مخازن التفريغ.
أما على المستوى العائلي، فالحملة تقتصر على شخص أو اثنين، يقتنيان الأكل من المطاعم، و لم يعد هناك لا فأل ولا خبزة راحة.
المؤكد أن المجتمع فقد بتأثير الآلة، الكثير من العادات والتقاليد و الحرف اليدوية والألبسة.. و أيضا تلك الأهازيج التي كان صداها يتردد بين الشعاب والوديان كاسرة الصمت الرهيب في الريف و وسط الحقول
القصية. ص. رضوان