برعت في الجيولوجيا وتطلب خدماتها شركات عالمية: إيمان فرحات.. جزائرية رائدة دوليا في مجال المحروقات

اختيرت الجغرافية والمستشارة في علم الجيولوجيا، الدكتورة والباحثة إيمان فرحات سنة 2022، من قبل برنامج « تاك وومن» كواحدة من النساء الرائدات في العالم، وذلك لتميّزها في مجال العلوم وخوضها لتجربة التطوير والبحث في قطاع المحروقات، ومنذ عودتها إلى أرض الوطن، تعمل الباحثة على توظيف كفاءتها العملية لتحسين مستوى طلبتها بجامعتي باب الزوار  وبومرداس، كما أنشأت أكاديمية تعنى بتكوين المتخصصين والإطارات والمهندسين بكبريات الشركات البترولية في الجزائر.

من الفشل في البكالوريا إلى أرقى جامعات العالم
انتقت إيمان، شعبة العلوم التجريبية خلال المرحلة الثانوية ودرست التخصص حبا، ونظرا لروحها المرحة واجتهادها أطلقت عليها أستاذة علوم الطبيعة والحياة لقب « إيمانوز»على وزن سكريات « الأوز»، و ظل هذا الاسم رفيقا لها إلى يومنا،
و مازالت زميلات الثانوية ينادينها به عند كل لقاء، أخبرتنا «بأنها كانت محبوبة في المدرسة، لكونها تلميذة نجيبة تشتهر بحب المطالعة ناهيك عن مشاركتها في الأنشطة والمسابقات بالثانوية، و إلى جانب العلوم تحب الشابة الموسيقى الأندلسية وتعزف على البيانو كذلك».
رغم تفوقها، إلا أنها لم تتحصل على شهادة البكالوريا في أول سنة، فقد شاءت  الأقدار أن تصاب بتسمم غذائي أثناء الاختبارات فتغيبت عن اجتياز امتحاني الفيزياء والإنجليزية،  الأمر الذي شكل لها صدمة غير متوقعة. و في السنة الموالية، أثمرت جهودها بالنجاح و تحصلت على معدل 13 من عشرين لتلتحق بجامعة باب الزوار تخصص علوم الأرض، وهو مجال أحبته منذ سن التاسعة، لتأثرها بفيلم شاهدته آنذاك وخالتها الخبيرة في مجال الجيوفيزياء، كما اجتازت إيمان البكالوريا مجددا مع المترشحين الأحرار وسجلت في تخصص ثان هو اللغة الإنجليزية.
وبعد التحاقها بجامعة باب الزوار سنة 2008، بصمت اسمها ضمن قائمة المتفوقين طوال خمس سنوات، كما كانت تدرس الإنجليزية بجامعة بوزريعة قبل أن تتوقف بسبب ظروف التنقل بين الجامعتين.
ما شد إعجاب إيمان في تخصص علوم الأرض، هو الجانب التطبيقي و الخرجات التكوينية إلى شركات بولايات مختلفة، وبعد حصولها على شهادة الليسانس أدركت الحكمة من رسوبها في البكالوريا كما قالت، فلولا هذه المحطة لما ثابرت أكثر لأجل النجاح، و لما أتمت الماستر في الجيولوجيا الهيكلية مباشرة بعد فتح التخصص بجامعتها، أين ناقشت مذكرة حول « التصوير الإشعاعي للآبار».
قالت محدثتنا، بأن التخصص كان جديدا نوعا ما ولكنها كونت شخصيتها المهنية وتعلمت مهارات الإقناع والتواصل مع الآخرين، الأمر الذي ساعدها على إثبات نفسها بسهولة في مجال صعب، خصوصا بعدما انتقلت في إطار التربص بشركة سوناطراك، إلى حاسي مسعود وإن أميناس وبومرداس، بحثا عن أية معلومة تخدم موضوع التخرج، ليكلل العمل في الأخير بالنجاح والثناء.
بعد التخرج واجهت إيمان شبح البطالة لكنها لم تيأس و شاركت في مسابقات عديدة للتوظيف.
«لينكد إن» نقطة التحوّل

في 2012، فتحت إيمان حسابا على منصة "لينكد إن"، وكان ذلك بمثابة نقطة تحول سمحت لها بالالتحاق بالشركة الأمريكية «بايكرهيوكس» التي تقدم خدمات بترولية في الجزائر، حيث أخبرتنا بأنها خضعت لمقابلة توظيف إلى جانب 400 مشارك و اختيرت على رأس قائمة المقبولين و استفادت من منحة دراسية لسنتين بجامعة تكساس بأمريكا تخصص جيولوجيا البترول، حيث غادرت أرض الوطن في رمضان 2012 نحو الأراضي الأمريكية.
قالت لنا، بأنها وجدت صعوبة في بادئ الأمر، في التواصل مع السكان والأساتذة كونها لا تجيد اللهجة الأمريكية، ولم تستطع التأقلم مع الوضع وفهم الدروس بشكل جيد إلا بعد ستة أشهر من الاحتكاك بالناس، حيث تعلمت اللكنة الأمريكية من خلال التردد على المحلات التجارية والمطاعم و استعمال وسائل النقل وغيرها.
وأضافت المتحدثة، أن التجربة علمتها الاعتماد على نفسها وتحمل المسؤولية  كما أن انفتاحها على زملائها الآخرين من دول أوروبية وإفريقية وآسيوية، كون شخصيتها وأضاف إليها الكثير، إذ تعلمت من الفيتناميين والصينيين مبدأ النظام والانضباط، و تعلمت التفاؤل من طلبة أمريكا الجنوبية، أما الزملاء العرب و الأفارقة فقد ساعدوها على التمسك بتعاليم دينها لما رأته من التزام وتفاخر بتقاليدهم وعاداتهم.
كما وصفت المتحدثة، النظام التعليمي بأمريكا بالصعب، إذ ينص البرنامج على اجتياز اختبار كل يوم جمعة، مع وجوب الحصول على 80 بالمائة من العلامة الكاملة وإلا الرسوب والعودة إلى أرض الوطن، ما جعلها تجتهد أكثر وتبذل مجهودا مضاعفا، قائلة : « تحصلت على علامة 110 على 100 في اختبار حول تقنية « التمثيل الستريوغرافي»، وهي أعلى علامة تم تسجيلها في الجامعة» وقد علقت ورقتها بالمدخل ونشرت على موقعهم الإلكتروني كنموذج مثالي وأوضحت إيمان، أن هذه التقنية من العادة إجراؤها بالبرمجة، ولكن في الاختبار طلب منهم تمثيلها يدويا، ولحسن حظها فقد درست هذه الطريقة بالجامعة الجزائرية باستعمال الورق الشفاف، فأبدعت في الإجابة يومها.
تخلت عن المناصب و اختارت العائلة
بعد انتهاء مدة التكوين، خيروها بين البقاء في أمريكا أو العودة، لكنها فضلت الرجوع إلى الوطن، وعند عودتها استقبلتها عائلتها في المطار بالعلم الجزائري قالت لنا، بأنها طيلة مكوثها بأمريكا لم تتناول سوى البيض والسمك، وقد اشتاقت جدا للأكل الجزائري وبخاصة « الكسكس».

وبعد العودة بدأت مشوارها المهني ضمن فريق شركة « بايكرهيوبس»، كخبير جغرافي أول، ثم ارتقت سريعا بفضل كفاءتها و بعد سنتين عينت كمديرة لقسم العلوم الجغرافية بالعاصمة، ثم ارتقت أكثر لتسير مصالح بالعاصمة وحاسي مسعود، وبعدها توسعت صلاحياتها أكثر لتشمل فروعا بتونس ومصر وهي لم تتجاوز بعد سن 25.
سنة 2017، قررت إيمان أن تستقيل وتتفرغ لتربية طفلها الأول، نظرا لما يتطلبه منصبها من تركيز ووقت وسفر، واستغلت فترة مكوثها في المنزل لنشر أفكارها وإفادة الآخرين بخبراتها في المجال ومشاركة المعلومات، فعرضت عليها مدرسة خاصة عقد عمل لتكوين المهتمين بالتخصص، وانطلقت في التدريس معهم لمدة معينة، قبل أن تقرر فتح مدرستها الخاصة باقتراح من زوجها أين تقدم اليوم، دورات تكوينية للطلبة والمتخصصين في مجال جغرافيا الأرض.
أخذ المشروع في التوسع إلى أن أصبحت خدماتها موجهة للشركات، وحصلت على اعتمادات من  شركات بترولية كبرى جزائرية و أجنبية، ثم توقف النشاط المباشر خلال الجائحة، وتواصل العمل عن بعد.
وفي 2020، اجتازت إيمان اختبارا للالتحاق بطور الدكتوراه بجامعة نورس داكوتا بأمريكا، بعد أن أتاحت لها فرصة التسجيل عن بعد خلال الجائحة، و قد حظيت بالموافقة وتخصصت في الجيوميكانيك و بدأت في أخذ الدروس النظرية ثم سافرت إلى هناك لتتفق مع الجامعة على مواصلة الدراسة عن بعد، و إنجاز بحوثها في الشركات الجزائرية مقابل الالتزام بإرسال النتائج و التعاون مع المخابر، بعدها تحصلت على اعتماد من شركتين، وتعاملت مع مؤسسة سوناطراك، لتقديم حلول لمشكلات الآبار، ورغم أن التقنية التي اقترحتها ما تزال طور البحث إلا أنها أعطت نتائج جيدة، وتكمن الفكرة في معالجة المشكلات الممكن تسجيلها في الآبار مع التغيرات التي تعرفها الأرض، والتي تمس الضغط والحرارة، كما تسمح بالتعرف على العديد من المعطيات من 0 إلى 40 سنة، بغية وضعها في مواجهة الكوارث المحتملة.
كما أن لها مقترحات عملية في الخليج، حيث تعمل مع شركة متعددة الجنسيات وتحتل منصب مديرة لها بشمال إفريقيا، إلى جانب تدريس طلبة ماستر 1 و2 تخصص جيوميكانيك بجامعتي بومرداس و باب الزوار، فضلا عن نشاطها في تكوين مهندسي سوناطراك في التقنية التي تعمل عليها بذات الشركة.
واحدة من بين 120 امرأة قائدة في العالم
في 2022 شاركت المتحدثة، في تظاهرة « تاك وومن» لاختيار النساء القادة في العالم، حيث تم قبولها رفقة 120 امرأة من بلدان مختلفة في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بينهن 4 نساء من الجزائر،  وقالت بأنه حلم رغبت في تحقيقه منذ سنة 2018.
وحسب محدثتنا، فإن هذه الرحلة كانت مختلفة عن سابقاتها، فالمشاركات كن جميعا من نخبة المجتمع، كما فتح أمامها باب التربص في « السليكون فالي»، أين أجرت تربصها في « لينكد ان»، وتربصات أخرى بفيسبوك وتويتر في بنك بسان فرانسيسكو، ما ساعدها على التعرف عن التقنيات الإدارية، وقابلت هناك أيضا العالم الجزائري بلقاسم حبة، الذي استضافها في شركته بسان خوسيه.
وأضافت إيمان، أن الفضل الأول والأخير في نجاحها يرجع لزوجها الذي دعمها وشجعها وكان سندا لها في كل خطوة تخطوها، فقد اهتم هو بشؤون طفليهما مدة شهرين حين سافرت إلى أمريكا، وبعد عودتها انطلقت شهر نوفمبر المنصرم في مزاولة عملها بالمدرسة الجزائرية العليا للأعمال، كما تواصل مشوارها في الدكتوراه، مع العمل على تطوير أكاديميتها الخاصة.
رميساء جبيل