الضحية سعادة عربان أكدت أن الروائي استغل قصتها في رواية حوريات بدون إذنها أعلنت المحامية الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم اليوم الخميس عن رفع قضية أمام محكمة وهران...
* رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة الالتزام بدعم الحكم الرشيد والشفافية في القارةأشرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته رئيسا لمنتدى دول...
أكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء، عزم الجزائر، بفضل أبنائها...
طالب مقررون أمميون من مجلس حقوق الإنسان، الحكومة الفرنسية بتزويدهم بجميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتجاربها النووية في الجزائر، بما فيها المواقع المحددة...
تعتبر الدكتورة زهية فرجيوي أول أخصائية في طب الأطفال بالشرق الجزائري و أول رئيسة لمصلحة طب الأطفال بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة في نهاية سبعينيات القرن الماضي، و ها هي تتحدى اليوم التقدم في السن و المرض، لتواصل علاج الأجيال الجديدة و إجراء المزيد من الأبحاث الطبية، و بالرغم من خضوعها لتربصات بفرنسا و حصولها على ديبلومات من منظمة اليونسيف و منظمة الصحة العالمية و إشرافها على تدريب دفعات من أطباء الأطفال بمختلف البلدان العربية طيلة 8 سنوات، باعتبارها عضوة في المجلس العربي للاختصاصات الصحية، إلا أنها كانت و لا تزال ترفض فكرة الهجرة و يسبقها دائما الحنين إلى مدينة جمعت لها أكثر من ألف بطاقة بريدية تؤرخ لمعالمها و تراثها، كما خلدتها في كتابين و مجموعة كبيرة من الأشعار و الكتابات.
إلـــــــهام ط
اقتربنا ذات صباح من البناية القديمة التي قيل لنا بأنها تضم عيادة أول طبيبة أطفال بقسنطينة و الشرق الجزائري بعد الاستقلال بحي القصبة ، و لم نتوقع و نحن نصعد السلالم الخشبية، بأننا سنجد أمامنا تحفة معمارية و سنرى أمامنا التاريخ يعانق التراث و يصافح الطب في أجواء حميمية، في عيادة واسعة سقفها على شكل قبة تحمل نقوشا ساحرة من العهد العثماني، و زجاجها كسقفها ينبض بالألوان الزاهية و جدرانها مزينة بخرائط و صور عتيقة لقسنطينة و أعلامها، في حين تضم أركانها لعبا للأطفال و قطع أثاث بسيط، استقبلتنا الدكتورة فرجيوي بابتسامة دافئة و كانت ملامحها تتدفق طيبة و مودة، طلبت منا الانتظار قليلا، لتنتهي من فحص طفل صغير و توجيه النصائح و التوجيهات لوالديه.
أول مدربة عربية في الإختصاص
و رغم أن قاعة الانتظار المجاورة تعج بالمرضى الصغار، دعتنا الطبيبة للاقتراب منها و الجلوس على كرسي قبالة مكتبها ، فتحت أمامنا بعضا من أوراق ذكرياتها، فقالت للنصر بأنها ولدت و نشأت في حي سيدي الجليس بالمدينة العتيقة و لا تزال وفية لها و لأهلها و تقاليدها لحد اليوم، و كلما كانت تسافر للدراسة أو التربص أو التدريس و حتى العمرة و الحج، يسبقها الحنين إلى مسقط رأسها و لا تتصور نفسها تعيش أو تتنفس غير هواء مدينة الهوى .
أضافت بأن عائلتها شجعتها على متابعة تعليمها، فحصلت على شهادة البكالوريا شعبة رياضيات في سنة 1965، و عارض شقيقها الأكبر، بعد وفاة والدها، انتقالها إلى الجزائر العاصمة لمتابعة دراستها في الرياضيات، فدرست الطب بقسنطينة و تخرجت في 1973 كطبيبة عامة، ثم تخصصت في طب الأطفال ، و تخرجت في 1979 كأول طبيبة أطفال بالشرق الجزائري، و لأنها احتلت المرتبة الأولى على الصعيد الوطني من حيث نتائجها، كرمها رئيس الجمهورية آنذاك الشاذلي بن جديد بمنحة للتعمق في هذا الاختصاص و كذا استعجالات طب الأطفال بفارسوفيا في بولونيا ضمن منظمة اليونسيف، إلى جانب مجموعة من المختصين من مختلف الدول و توجت دراستها بديبلوم من اليونسيف و من منظمة الصحة العالمية.
و تابعت حديثها قائلة بأنها بدأت حياتها المهنية في المستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، كرئيسة مصلحة طب الأطفال و بعد سنة واحدة من العمل، اتصل بها وزير الصحة الأسبق عبد الرزاق بوحارة ليعرض عليها عضوية المجلس العربي للاختصاصات الصحية، أو ما يعرف ب»البورد العربي في اختصاص طب الأطفال»، فكانت الجزائرية الوحيدة التي أشرفت على تدريب المختصين عبر مختلف البلدان العربية طيلة 8 سنوات ، ثم عادت إلى عملها بمستشفى بن باديس، و ظلت تمارسه، كما أكدت، طيلة 19 عاما ، لكنها اضطرت بعد ذلك لترك منصبها بسبب خلافات، و فتحت عيادة خاصة بمدينة الخروب، لكنها و بعد خمس سنوات من العمل، اضطرت لغلقها، نظرا لتلقيها تهديدات بالقتل خلال العشرية السوداء ، خاصة و أنها كانت عضوة في المجلس البلدي إلى جانب عملها كطبيبة، فتوارت عن الأنظار لمدة ستة أشهر، قبل أن تقرر فتح عيادة في منزل والديها بحي القصبة، و لا تزال تعمل بها لحد اليوم، مشيرة إلى أنها كرست كل حياتها لمهنتها و أبحاثها، فلم تتزوج .
و شرحت لنا بأنها تعتبر كل الأطفال أبناءها و مصدر سعادتها الحقيقية و من أجلهم تخوض يوميا حربا ضروسا على الأمراض، مؤكدة بأن الأمراض و التشوهات الخلقية زادت و تنوعت لدى الصغار ، مقارنة بالعشريات السابقة، فإلى غاية الستينات و السبعينات كان الجدري و الجذام و الحصبة تقتل الأطفال، و بفضل اللقاحات تمت محاربتها و كذا القضاء على شلل الأطفال الذي كان يحيل العديد من البراعم إلى معاقين حركيا، في حين انتشرت اليوم أكثر أمراض الدم الوراثية و السرطان و أمراض السمنة و التوحد .
و أشارت محدثتنا إلى أنها تحتفظ بألبومات صور للكثير من مرضاها الصغار التقطتها لهم منذ سنوات طويلة، كما تحتفظ بصور الحفلات التي تنظمها للصغار الذين تتكفل كل رمضان بختانهم مجانا و كذا الحفلات التي تنظمها للناجحين منهم في بيتها، و لا يزال الكثير من مرضاها يتصلون بها و يزورونها .
جدير بالذكر أن الدكتورة فرجيوي لا تزال تواصل أبحاثها في مجال طب الأطفال و نشرت العديد منها في المجلات الطبية العالمية، و هي الآن عضوة في هيئة القياسات الحيوية البشرية العالمية التي يشرف عليها البروفيسور بيار سامبي بمدينة ليون الفرنسية.
في السبعينيات كان الأطفال يموتون بالجدري والحصبة
قالت محدثتنا بأن قصة حبها لقسنطينة جسدتها بدراسة الطب و التفوق فيه لعلاج أبنائها، و رفض الهجرة، و إعادة كل ما عثرت عليه خلال رحلاتها إلى فرنسا بين سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي من بطاقات بريدية نادرة لمعالمها و مناظرها في مختلف الحقب ، فتمكنت من شراء و جمع أكثر من ألف بطاقة لا تزال تحتفظ بها في بيتها، كما اقتنت مئات التحف و قطع الديكور و الأواني القسنطينية التقليدية لتشكل مجموعة جميلة تفتخر بها.
و أشارت إلى أنها عندما كانت طالبة في الطب، كانت تسافر خلال العطل إلى فرنسا، حيث كان يقيم أخويها، لتثري المجموعتين و لو كلفها الأمر الامتناع عن الطعام. و قد ولدت لديها هذه الهواية، كما أكدت، منذ أهداها في سنة 1967 الراهب الفرنسي شانو، خريطة لقسنطينة تعود إلى سنة 1937 تم تصميمها بتقنية الطباعة الحجرية «ليتوغرافيا»، فأصبحت تهتم بكل ما يتعلق بتاريخ المدينة ، و في وقفة عرفان ، قالت بأن هذا الراهب كان يشجعها كثيرا على متابعة دراستها و يقدم لها دروس دعم مجانية.
و بتأثر كبير تحدثت الطبيبة عن المدينة القديمة التي قضت فيها أجمل سنوات حياتها وسط الأهل و الجيران، لكنها فقدت اليوم عبقها و معظم معالمها و تقاليدها و سكانها ،كما أغلقت مساجدها و زواياها، و أكدت محدثتنا بنبرة حسرة بأنها تحتفظ بكل شيء في ذاكرتها و خلدته شعرا و نثرا و تريد أن تطلع عليه الأجيال ، و أخرجت من ركن بمكتبها كتابا باللغة الفرنسية، و قالت لنا بأن هذا الكتاب نشرت فيه الصور التي جمعتها و تؤرخ لقسنطينة و أبنائها في مختلف الحقب ، و دعمته بالخرائط القديمة التي تبرز الموقع الاستراتيجي لسيرتا و مساجدها السبعين و معالمها قبل الاحتلال الفرنسي و بعده، إلى جانب العديد من المعلومات التاريخية. و قد رصعت صفحات الكتاب و عنوانه «قسنطينة على مر الزمن بالصور»، بباقة من الأشعار التي فجرها عشقها للمدينة. و أشارت إلى أنها نشرته على حسابها الخاص، إلى جانب كتاب آخر هو ثمرة بحثها العميق حول الحضارات و الأمم التي استوطنت ضفاف وادي الرمال الذي يخاصر مدينة الصخر العتيق كعاشق و معشوق. و أكدت من جهة أخرى، بأنها تستعد لطرح كتاب تاريخي آخر حول القائد الأمازيغي ماسينيسا .
تزاوج بين الطب والأدب
قالت محدثتنا بأن انتماءها لعائلة ولوعة بالثقافة و الأدب و الفن أثر على مسارها و ميولاتها ، مشيرة إلى أن والدها و أخوالها كانوا أصدقاء العلامة بن باديس، و بأن الكاتبة أحلام مستغانمي ابنة خالها، كما أن البناية التي اشتراها والدها في سنة 1936 بحي القصبة، و أقامت بها العائلة في سنة 1960 ، و فتحت بها عيادتها في التسعينات، و لا تزال تقيم بها مع عائلتها، غرست في وجدانها حب التاريخ، إذ بينت الأبحاث التي أجرتها حولها و قادتها حتى إلى فرنسا للحصول على الوثائق الرسمية، بأنها بنيت في القرن 17 فوق آثار رومانية، و مدينة نوميدية، اكتشفها المؤرخ و الباحث الفرنسي أندري بيرتيي، كما قالت، و بالتالي مرت بمنزلها سبع حضارات و هي بمثابة متحف مغلق لا يزال يضم خزانا رومانيا و العديد من النقوش و الكتابات القديمة و الآثار و ممر تحت الأرض يقود إلى سوق العصر.
إ. ط