أطلقت وزارة الداخلية والجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، أمس، بمعية قطاعات وزارية أخرى حملة وطنية لتحسيس المواطنين بالأثر الايجابي والدور الهام...
حدد بنك الجزائر، المبلغ الأقصى المسموح بإخراجه من العملة الأجنبية، من طرف المسافرين المقيمين وغير المقيمين، بما قيمته 7500 أورو، مرة واحدة في السنة...
وجهت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة صورية مولوجي تعليمات للمدراء الولائيين للقيام بخرجات ليلية عبر مختلف أنحاء الوطن، مع تجنيد الخلايا...
* نـظام المخـزن تحــالف مع القوى الاستعمــارية كشف عضو الحزب الوطني لجمهورية الريف، يوبا الغديوي، أمس السبت، أن تشكيلته السياسية ستتقدم قريبا إلى...
يؤكد مختصون نفسانيون، بأن هناك اضطرابات نفسية عابرة للأجيال، تنتقل إلى الأبناء و الأحفاد عن طريق الجينات الوراثية و الصبغيات، وهو ما يترجم بعض السلوكيات الشائعة أو التي تتكرر في أسر بعينها، فهذه الجينات تشفر المعلومات المكوّنة للبنية الجسدية و الصفات الخارجية لهؤلاء الأفراد، ويتعدى ذلك كما يؤكده النفسانيون، إلى تشكيل الاضطرابات النفسية بعد سلسلة الصدمات المؤلمة التي مر بها أفراد الأسرة الواحدة.
ونتاجا للأفكار والمعتقدات والبرمجيات المتبناة يتم رسم خارطة حياة كل جيل يأتي بعد الجيل الأول أو الثاني أو الثالث، فإما يحدث فشل في الدراسة والعمل أو صعوبات في تسيير المال والعلاقات العاطفية والاجتماعية، أو ضعف في التواصل والحوار البناء والفعال داخل العائلة وخارجها، مع شعور دائم بالخوف والهلع والذعر مرفقين بحذر شديد في التعامل مع الغرباء، وحتى وإن لم تكن حالات شائعة، فإنها موجودة فعليا في المجتمع.
ولمعرفة حقيقة الاضطرابات العابرة للأجيال والوقوف على أدق معانيها، وكشف الغموض حولها، يفصل نفسانيون في الموضوع مؤكدين، بأنه من العناوين التي يعنى بها علم النفس الحديث.
* الأخصائية النفسانية نسرين خالفي
إدراك الاضطراب يكسر الحلقة الجينية
ترى الأخصائية النفسانية نسرين خالفي، أن الاضطرابات العابرة للأجيال تشير إلى وجود تأثيرات نفسية أو سلوكية يتم نقلها وتوارثها إما من خلال الجينات الأسرية أو معتقدات البيئة المجتمعية أو الثقافة، ما يُظهر بحقٍّ وجود ارتباط وثيق بين التجارب والتحديات التي مرّ بها شخص ما سواء كانت إيجابية أو سلبية، وتأثيراتها اللاحقة على الأجيال المتتالية.
وقالت النفسانية، إن تحديد نوع الاضطراب النفسي والسلوكي، والنظر في جذوره إن كانت العوامل الوراثية وراء ظهوره، يتطلب إجراء فحص كامل وشامل للتاريخ العائلي والبحث في العوامل الوراثية كذلك، مشيرة إلى أن الفحص النفسي والاجتماعي يساعد بشكل كبير على فهم تأثير مثل هذه العوامل المتباينة على السّلُوك والصِّحة النّفسيّة، فتمييز التصرفات حسب المتحدثة، يتطلّبُ وعيا بتأثيرات البيئة والوراثة على شخصية الشخص، لأنها جزء من تركيبة الجسد البشري، في حين أن العوامل المكتسبة يمكن تغييرها من خلال التفاعل مع البيئة.
وأفادت خالفي، بضرورة إدراك هذه العوامل الوراثية والجينية والبيئية، لتأثيراتها الممتدة إلى نواح مختلفة من حياة الإنسان، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية والمال والعمل والدراسة والصحة العقلية، ويكون التشخيص حسبها، لدى أخصائي نفساني يستخدم أساليب متنوعة ومتخصصة في تقييم الحالة وتحديد نوع الاضطراب ثم معالجته نفسيا، وفي حالات معينة يكون التدخل بالدواء، مؤكدة على ضرورة بحث المصاب عن المساعدة المتخصصة لفهم ومعالجة اضطرابه بفعالية، مشيرة إلى أن العلاج الأسري النظامي من أفضل الطرق المتبعة في تشخيص الحالة ومتابعتها.
وأوضحت المتحدثة، أن كسر حلقة الاضطرابات النفسية والسلوكية المتوارثة، يكون بعد نُقطة وعي وإدراك يصِل إليها الإنسان في مرحلة معينة من حياته، بعد تكرار سيناريو الأحداث المؤلمة من حوله دون توقف، كظهور أشخاص يلعبون نفس الدور المستفز، فيحركون بداخله ذات المشاعر المؤذية، التي تُولِّد في داخله مع التكرار المستمر علامات تعجب، تجعله يعيد النظر في حيثيات الأمور التي تواجهه ويبدأ رحلة البحث عن الجذر الأساسي للخلل الذي يعاني منه، وينطلق في متابعة العلاجات المناسبة لحالته، وحينئذ يكسر حلقة الاضطرابات التي لاحقته طوال حياته، و التي عانى منها آباؤه وأجداده وأفراد من أسرته.
* الأخصائية النفسانية نور الهدى سليماني
الهلع والعصبية أكثر الاضطرابات النفسية توارثا عبر الأجيال
تتمثل أكثر الاضطرابات النفسية والسلوكية التي تظهر لدى الأفراد، وتتحكم فيها العوامل الوراثية العابرة للأجيال، حسب الأخصائية النفسانية نور الهدى سليماني، في اضطرابي الهلع والعصبية، و يتم اكتشافهما من خلال جملة من الأدوات والقياسات النفسية، بدءا بالاستفسار عن التاريخ النفسي والطبي للأفراد المقربين في العائلة، ومراجعة الأعراض والسلوكيات المشتركة، فضلا عن إجراء اختبارات وراثية وتحاليل مِخبرية، لمعرفة إن كان الشخص يعاني من قلق وتوتر، ولهذا فمن الأحسن دائما، مراجعة طبيب نفسي متخصص لتقييم الوضع وتقديم الإرشادات والدعم المناسب.
وللتفريق بين الاضطراب النفسي الحقيقي والاضطراب النفسي الوراثي يجب حسب المتحدثة، إدراك أن هذا الأخير جزء لا يتجزأ من النوع الأول وأن الفرق الوحيد يكمن في كون الاضطراب النفسي الوراثي متناقل عبر الأجيال من أسرة واحدة، بينما يحدث الاضطراب النفسي الحقيقي بشكل فردي، مع إمكانية وجود تداخل بين الاثنين، لكن رغم اختلافهما الطفيف إلا أنهما يؤثران على حياة الإنسان، فيكون أكثر عرضة للأزمات العقلية أو الاجتماعية أو الشخصية والعاطفية وحتى على أدائه الأكاديمي وعمله المهني، مُشيرة في ذات السِّياق إلى أن الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية متوارثة لديهم قُدرة على الشفاء والتعافي وعيش حياة عادية ومستقرة، شرط البحث عن العلاج النفسي والدعم المهني، للتعامل مع التحديات وتحقيق الرفاهية النفسية.
وأشارت المتحدثة، إلى أن مصطلح الاضطرابات العابرة للأجيال قديم في أصله لكن التطورات التي شهدها المجال النفسي، أعادت بعثه من جديد وبقوة فالأبحاث أظهرت أن الاضطرابات الوراثية والغير وراثية، تؤثر على حياة الإنسان وصحته العقلية والعاطفية تماما كالأمراض العضوية، إذ قد يصاب بالاكتئاب أو الحزن، وتتأثر حتى علاقاته الشخصية والاجتماعية، ويجد صعوبة في التواصل والتفاعل مع الآخرين، و صعوبات في التركيز وأداء المهام اليومية و الواجبات، كما قد تتأثر شهيته وصحته البدنية وحتى مواعيد نومه فيصاب بالأرق.
مدة العلاج تعتمد على شدة الحالة وجاهزية الشخص
ويعتمد علاج الاضطراب النفسي الوراثي كما قالت سليماني، على شدة الحالة ودرجتها، وقد يكون مزيجا بين العلاج الدوائي الذي يهدف لتخفيف الأعراض وتحسين الوظائف النفسية، والعلاج النفسي الذي يشمل العلاج السلوكي المعرفي والعلاج النفسي الحديث وحتى العلاج الأسري، مشيرة إلى ضرورة التواصل مع فريق طبي متخصص لمتابعة الحالة ومعالجتها من جذورها.
أما بخصوص الاضطرابات السلوكية التي قد يعاني منها الشخص، فقالت النفسانية، إنها قد تشمل الأموال والمشاريع والعلاقات العاطفية والاجتماعية وشتى جوانب الحياة، وعن الاختلاف بين الاضطرابين النفسي والسلوكي أوضحت أن الأول تتحكم فيه الجينات بدرجة أولى فهو شبيه بالمرض العضوي أما السلوكي فعبارة عن أفكار ومعتقدات ومشاعر يمارسها الإنسان بالتقليد كالطلاق مثلا، فقد تنتقل الصدمة هنا من الآباء إلى الأبناء، فيعانون من نفس الواقعة مستقبلا، أو يعيشون مخاوف من الارتباط، وإن كان أحد الأفراد يعيش علاقة سيئة مع المال كالفقر أو الخسارة والضياع، فسيعيد الأبناء نفس المشهد إلى أن يعي الفرد ما يحدث له.
وأرجعت الأخصائية، تشكل الاضطرابات السلوكية لدى الإنسان، إلى جملة من الأفكار والمشاعر المتبناة التي تتحول فيما بعد إلى معتقد يصعب التخلي عنه فيُصبح مع مرور الوقت عادة وقناعة وأفعالا وسلوكيات بوعي أو بدون وعي إلى أن يقرر الإنسان التخلي عن هذه البرمجة، بعد الفهم والإدراك العميق للمشكلة فالوعي نصف طريق الشفاء حسب سليماني، والاعتراف بالعلة مع اتباع العلاج والاستمرار عليه، يحدث معجزة التغيير نحو الأحسن، وضمان عدم انتقال الاضطرابات سواء النفسية أو السلوكية للأبناء والأحفاد وبقية الأجيال.
* الأخصائية النفسانية إيمان بلمداني
صدمة الأجداد قد تورث عبر الجينات والسلوكيات
حسب الأخصائية النفسانية إيمان بلمداني، فإن هناك أبحاثا تؤكد وجود اضطرابات نفسية وسلوكية عابرة للأجيال، تنتقل عبر الجينات والمعتقدات الإنسانية، يتوارثها الأشخاص من نفس الأسرة جيلا بعد جيل، فلو عاش أحد الأفراد صدمة قوية في زمن ما ولم يشف منها، سيورث أثرها السلبي في جينات الأبناء والأحفاد لتظهر من جديد في واقع وزمان آخرين، ولهذا يمكن القول حسب المختصة، إن الماضي يؤثر على الحاضر بشكل كبير، ويظهر ذلك جليا من خلال أسلوب التربية والتركيبة البشرية والسلوكيات والأفكار المتبناة، التي يتم نقلها للأطفال بشكل مباشر، إما عبر صبغياتهم أو من خلال المعتقدات التي تغرس فيهم منذ نعومة أظافرهم.
وأوضحت المتحدثة، أن الصدمة بين الأجيال تنتقل ممن تعرضوا مباشرة لحادث قوي أو تعنيف واضطهاد، سواء كان فردا واحدا أو أطرافا عديدة من داخل الأسرة أو خارجها، كمرور المجتمع بصدمة جماعية جراء أحداث مفجعة حدثت قبل عقود، من اغتيالات وحروب وغيرها، فتترك في داخلهم جرحا يؤثر على طريقة فهمهم للحياة، كونهم لم يتخطوا تلك المرحلة ولم يتعافوا منها رغم مرور السنين وتغير الأحوال، ما يُسبب بطبيعة الحال شرخا في نفسية الجماعة إناثا وذكورا، فتتأثر أفكارهم ومعتقداتهم وتُسيطر على سلوكياتهم وتفاعلاتهم مع الآخر، وحتى في طريقة تعاملهم مع الوالدين، لتنعكس تلك الأحداث على الأبناء فيسلكون سُبلا خاطئة في التّنشئة والتّربية، وينقلون نقاط ضُعفهم الفطرية.
وترى الأخصائية، أنّ العوامل الجينيّة والوراثيّة تزيد احتمالية الإصابة بالاضطرابات النفسية، خصوصا إن ظهر الأمر على أحد أفراد العائلة ليس من الوالدين فقط، وإنما من شخص قد ينتمي للجيل الثاني أو الثالث، لكن لا يعني هذا أنها دائما السبب في المشاكل النفسية والسلوكية فقد تكون جزءا فقط، إلى جانب الصدمات الشديدة التي قد يتعرض لها الشخص في حد ذاته، منها حادث ما أو اعتداء جنسي أو استغلال عاطفي، أو سوء توافق مع أحد المربِّين، فيتكون ملف جديد لدى المصدوم، يتضمن جملة من الأفكار والمعتقدات كالخذلان وانتهاك الحدود والاستغلال وحتى الأذى الشعوري جراء التنمر المستمر والانتقاد، ما ينتج عنه بالضرورة تراجع مستواه في الأداء الدراسي والوظيفي، وخلل في بناء العلاقات الصحية وتأثر مهاراته الحياتية، وتتكون لديه آلام تغذي سخطا تجاه المجتمع أو الآخر، وإن لم يكتشف العِلّة التي يعاني منها سيصاب باكتئاب شديد واضطرابات واختلالات حادة.
أسر مخدرة عاطفيا وأخرى شديدة الحذر
ولهذا يواجه كثيرون تحديات في الارتباط والزواج حسبها، وصعوبات في التأقلم مع الزوج أو الزوجة أو الأبناء، وتعسير في بناء روابط عاطفية صحية، كأن تبدو الأسرة مخدَّرة عاطفيًّا، وشديدة الحذر فيما يتعلق بالتعبير عن المشاعر ورفض المناقشة، فالأحاسيس بالنسبة لأفرادها علامة ضعف وهوان، ما يؤدي إلى قلة التواصل والحوار داخل الأسرة نفسها، وانعدام الأحاديث البناءة والفعالة فيضعف الفكر و يكون الوعي غير ناضج ما يترجم السلوكيات الخاطئة و تكرار سيناريو أحداث أو صفات معينة.
ومن علامات وجود صدمة متوارثة حسب بلمداني، انعدام الثقة في الغرباء والحذر منهم بشكل مبالغ فيه مع الانغلاق على النفس، ناهيك عن إفراط الأسر في حماية أطفالها وأفرادها، وإن كان الخطر غائبا، ما ينجرُّ عنه مشاكل سلوكية تجنُّبِيّة واعتمادية وحتى اضطرابات مُتفاوتة في الشّخصية، مع تدنِّي احترام الذات والثقة بالنفس ومعاناة شديدة من القلق والتوتر والاكتئاب، وحتى نوبات هلع وكوابيس وأرق.
تؤثر سلبا على الجهاز المناعي وتضعف الخلايا الدبقية
وقالت النفسانية، إن الصدمات المتوارثة تُؤثر على عمل الجهاز المناعي بدرجات متباينة، فإما يرتفع نشاطه أو يقل، كما أظهرت إحدى الدراسات حسبها، أن ردّات الفعل العالية جراء الصدمات، تؤدي إلى تآكل النهايات العصبية في الخلايا الدبقية الصغيرة المتواجدة بالدماغ بدلًا من تعزيز نموها، ما يؤدي للإصابة بالاكتئاب والقلق والخرف، ومن ثمّ حدوث تغيُّرات وراثية على مستوى الجينات التي تنتقل بدورها إلى أجيال أخرى.
وتابعت حديثها قائلة، إن شخصية الفرد وصفاته وسلوكياته المعتمدة في التعامل مع نفسه والآخرين وأسلوبه في التكيف مع البيئة المحيطة به، مرآة عاكسة للتنشئة والتربية التي تلقاها الفرد خلال طفولته، أما دوافعه الاجتماعية فهي تُظهر المكتسبات التي تلقاها خارج إطار بيته، إما من المجتمع أو الاحتكاك المباشر بأفراد من أسر أخرى، فكل ما يصدر عن الإنسان قولا وفعلا ينسجم مع البناء الكلي للشخصية، ولهذا فالتصرفات على حد قول النفسانية، ليست وليدة الفطرة وفقط، وإنما يأتي الطفل لدنياه كصفحة بيضاء ثم تخط عليه الأفكار و المعتقدات المختلفة من البيت مصدر التلقي الأول، فكل سلوك يصدر من الأم مثلا يُكرره الطفل دون وعي منه كالعبوس أو التفاؤل و الضحك أو الصراخ، و البكاء، إلى أن يتشربه كالإسفنج و يترسخ لديه.
ويتم تشخيص حالة الاضطرابات النفسية والسلوكية المتوارثة، بناء على تاريخ الحالة ومراحل نموها كما أوضحت، وهذا بعد إجراء مقابلات وتطبيقات لمقاييس واختبارات خاصة مع المختص النفساني العيادي، إلى جانب الاعتماد على الملاحظة المباشرة للسلوكيات والتصرفات الصادرة عن الفرد، مضيفة أن البروتوكولات المُتّبعة خلال العلاج تختلف من شخص لآخر، فهي تتماشى مع نوع الاضطراب والمهارات الواجب تنميتها لدى كل فرد، لإدارة السلوكيات وتحقيق التوافق الفكري وزيادة الوعي بالبرمجيات المشوّهة، والعمل على تغيير نمط المعاملة المكتسبة من البيئة الأسرية والمجتمعية، لنسف المعتقد أو الفكرة أو الخاطرة المعيقة والمتسببة في ظهور نفس الطفرات والاضطرابات عند سلسلة من الأجيال بشكل دوري.
رميساء جبيل