• إيجاد الحلول للانشغالات المطروحة بالسرعة المطلوبة والاحترافية الضرورية • الشروع بالسرعة القصوى في التنفيذ الميداني • على الحكومة صب كل المجهودات لتحقيق راحة...
شرع الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، ابتداء من يوم أمس الأحد، في زيارة رسمية إلى...
أطلقت لجنة تنظيم عمليات البورصة (كوسوب)، أمس السبت، بالمركز الدولي للمؤتمرات «عبد اللطيف رحال» بالجزائر العاصمة، بوابة إلكترونية ونافذة موحدة للسوق...
أطلقت وزارة الداخلية والجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، أمس، بمعية قطاعات وزارية أخرى حملة وطنية لتحسيس المواطنين بالأثر الايجابي والدور الهام...
ننموذج لمنعطف التجريب في القصة الجزائرية
عبد الرزاق بادي؛ قاص جزائري، من الأقلام الجديدة التي تحمل صدى الواقع الاجتماعي المتغيّـر، والتوجه القصصي الفني التجريبي المتجدد. مجموعته القصصية الوحيدة: «أزمنة الرحيل المر» على صغر حجمها وتواضع وريقاتها؛ إلا أنها تحوي تجربة قصصية واعدة، تحمل في طياتها ميلاد قاص على قدر كبير من الوعي الفني والتحكم في أدوات القصة.
حملت مجموعته المذكورة تجربته القصصية الأولى؛ من سنة 1990 إلى سنة 2000(تاريخ طباعتها)، وبالتأكيد فإن لهذه الفترة الزمنية في تاريخ الجزائر، ثقلها الاجتماعي والسياسي الأمني، وهو ما سينعكس تأثيره على تجربة القاص عبد الرزاق بادي.
عندما نتتبع مراحل تطور القصة الجزائرية القصيرة، وصولا إلى ما آلت إليه في الوقت الراهن، سوف نقف عند ما انتابها من تجارب فنية جديدة، خاصة في العقدين الزمنيين الأخيرين، وكانت فترة التسعينيات من القرن الماضي تشكل منعطفا جديدا لهذه التجربة المتميزة، حيث بدأت القصة القصيرة تتخلص من جلباب جيل الرواد بما فيها تجربة شباب السبعينيات، ودخلت القصة مرحلة تجريبية جديدة ، وبالتأكيد فإن صاحبنا القاص عبد الرزاق بادي أحد المتأثرين بهذه التجربة المتميزة. ففي قصته الأولى – تاريخيا- المؤرخة في شهر أوت 1990؛ الكثير من ملامح القصة التقليدية لجيل الرواد، على الرغم من محاولة اختزال أحداثها، إلا أنها فنيا كانت وفية، إلى حد ما، لتجربة شباب السبعينيات، بما فيها العنوان الجاهز الذي اختاره لها:(( سترجع يوما يا ولدي..(ص11)) وهي على ما فيها من جمال الصياغة والأسلوب إلا أنها تعتبر بداية التجربة، بالمقارنة مع القصتين الأخيرتين الموقعتين سنة 2000. حيث نلمس نضج التجربة القصصية، ونموذجا من القصة الجديدة بكل ما فيها من تجربة وخفة وشاعرية..
نؤكد على أن هذه التجربة القصصية الجزائرية عموما، وميزة الكتابة القصصية عند صاحبنا على الخصوص، قد ركزتا على القالب الشكلي والأسلوب اللغوي كوسيلة فنية أساسية لإيصال القصة بجمالياتها إلى القارئ. فالكاتب هنا يركز على اللغة ويبحث في فنياتها التعبيرية ويستثمر ما فيها من جماليات أسلوبية جديدة ليشكل منها قشيبا زاهيا من ألوان معبرة ومؤثرة، بعيدا على القوالب التقليدية وعلى الأنماط الجاهزة، فاللغة المتدفقة، جمالا شاعريا، هي وسيلة عنده بقدر ما هي غاية في حد ذاتها؛ يشد بها القارئ ويحمله بها عبر عوالم حالمة ورومانسية خافتة جميلة..
أما إذا عدنا إلى التيمات المعتمدة عند كاتبنا، فسوف نلمس عنده الوفاء للمحيط الاجتماعي عموما، ثم للواقع السائد زمنيا على الخصوص، مع بعض التجارب المحدثة للجيل الجديد. وإذا حكمنا الأرقام فيمكن أن نحصي تيمات القصص الإحدى عشر على الشكل التالي:
01 -سبع قصص اجتماعية، 02 - قصتان خاصتان بالحالة الأمنية، 03 - قصتان تجريبيتان تأمليتان.
فمن الواضح أن كاتبنا كان ابن بيئته ومجتمعه، بل وابن فترته الزمنية، مما يؤكد استمرار الواقع الاجتماعي عموما في مسار القصة الجزائرية الجديدة، مع ما يطرأ من تجارب خاصة، تتجسد بأنماطها الجديدة، كما في قصتي:»سفر»(ص41) و»قبلة»(ص45) في المجموعة القصصية المذكورة.
وقد تنوعت المواضيع الاجتماعية للقصص؛ مسايرة للواقع الاجتماعي لتلك الفترة، حيث ذكرنا الكاتب بأهمها مثل: مشاكل الزواج، بما فيها تعدد الزوجات، ومشاكل العنوسة والترمل وصولا إلى التسكع الشبابي وأخطار السفر. أما المواضيع السياسية الأمنية فقد عالجها الكاتب بحذر كبير؛ عارضا للأزمة الأمنية منذ بدايتها في فترة التسعينيات، حيث وظفها الكاتب كظاهرة مؤسفة دون الولوج إلى أسبابها أو إمكانيات علاجها، فهي في الأخير- مثلا - يمكن أن تضع حدا لأب أسرة أمام أعين أبنائه، وسبب الإدانة هو:((..انه يعلم منذ البداية أن ظلاله وأقلامه هما سبب هذه النهاية.(.ص17)) كما يمكن أن تكون سببا لوضع حد لحياة شاب يسعى سريعا لإنهاء الخدمة الوطنية بالجنوب ليعود إلى من تترقبه بتوجس قلب أنثى؛ أي إلى حضن من اختارها سكنا جميلا له، إلا أنه يعود: ((.. في التابوت الخشبي الأصم.(ص22)) هكذا لخصت لنا القصة المحورية، التي تحمل اسم المجموعة؛ أزمنة الرحيل المر، كخلاصة ورمز لكل من رحلوا غدرا في تلك الحقبة المرة من الزمن الجزائري.
كما يمكن التأكيد على أصالة قلم الكاتب “عبد الرزاق بادي” فهو وإن كان ابن مجتمعه بتيماته الاجتماعية والأمنية، فهو كذلك ابن بيئته الضاربة في الأصالة الجنوبية، حيث يوظف الكاتب الجوانب الطبيعية والبيئية الجميلة فيها؛ ففي القصة المحورية السابقة وعلى لسان بطلتها المتوجسة خيفة على حلمها الغائب في الجنوب ؛ تقول وهي تخاطبه: ((..أخبرتني في عمق الصحراء حيث لا تتواجد الأخطار... رحت تحدثني عن الغروب على كثبان الرمال الممتدة في الأفق، عن ليالي السمر بين الرفاق حول مائدة الشاي... لم استطع الشعور بالطمأنينة التي تحسها وأنت تستمتع بشمس جنوبنا...(ص22))..
نؤكد في الأخير بأن المجموعة القصصية؛”أزمنة الرحيل المر” هي بمثابة التوقيع لميلاد قاص متميز، على وعي بأدواته الكتابية منذ البداية، كما يمكن للقارئ المتابع لفن القصة القصيرة أن يقرأ “لعبد الرزاق بادي” قصصا أخرى ينشرها بتتابع في وسائل الإعلام منذ مطلع القرن الحالي، قصصا أكثر نضجا فنيا ولغويا، وهو ما يدفعنا إلى تجاوز بعض الهنَّات التعبيرية أو اللغوية الواردة في بعض القصص؛ خاصة وان القارئ لهذه المجموعة قد يلحظ جليا بعض الأخطاء التي هي بالأساس من أسباب الرقن والطباعة.
كما نؤكد أيضا بأن التجربة القصصية عند صاحبنا تتماهى مع التجارب القصصية الجديدة، التي أحدثت طفرة فنية في مجال كتابة القصة، في الفترة الأخيرة التي تنعت بالمرحلة التجريبية للقصة القصيرة، هذه المرحلة التي ينبغي الوقوف عندها؛ دراسة ونقدا، لتحديد سماتها العامة ومميزاتها الفنية.
نأمل من كاتبنا – وهو أحد محركي المشهد الثقافي في الجنوب- أن يجمع ما يكتبه في الفضاءات الإعلامية المختلفة في مجموعات قصصية مستقلة، تقدم للقارئ والباحث على السواء، حتى تعطي فكرة أوضح وأدق على تجربته القصصية المتميزة، والتي نؤكد بأنها ترتكز على الأسلوب التعبيري الشاعري الجميل الذي يشد بجماليته ذهن القارئ ليحدث عنده الدهشة الشاعرية الحالمة والإيقاع اللغوي المؤثر.