أعرب الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، أمس الاثنين بالكويت، لدى استقباله من طرف...
أكدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أمس الاثنين، الشروع في معالجة انشغالات طلبة العلوم الطبية، من بينها رفع مبلغ المنحة الدراسية ومراجعة...
شهدت العيادة الطبية المتخصصة في جراحة قلب الأطفال ببوسماعيل أمس الاثنين إجراء عمليات جراحية على حالات معقدة، أشرف عليها طاقم طبي إيطالي متخصص...
أطلقت شركة سونطراك مسابقة وطنية مفتوحة لتوظيف خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس الأكاديمية في المجالات التقنية، بالشراكة مع الوكالة الوطنية للتشغيل. وبحسب ما...
يستحيل الحديث عن حي «سان جان»، بقسنطينة، دون ذكر شارعي محمد بلوزداد « فيكتور هيغو» سابقا، و هو الامتداد السكني الأرقى بوسط المدينة، أين تزدهر التجارة و يحتفي الناس بالحياة، و شارع مسعود بوجريو، الذي ينخلع ككتف مصابة عن جسد المدينة، و يكاد يهوي نحو الوادي، بسبب انزلاق التربة، فهذا الحي الراقي لم يعد بذلك السحر القديم، رغم خصوصيته العمرانية، بل بات تجمعا تجاريا بلا هوية، يصحو سكانه على ضوضاء المحلات و حركة السير صباحا، و ينامون على نباح الكلاب الضالة ليلا.
يبقى «سان جان» رغم ذلك شريانا اقتصاديا رئيسيا في المدينة، و جزءا من خريطتها العمرانية ذات الخصوصية العالية، فالحي، وإن فقد بعض جماله
و رقيه، لا يزال يتمتع بخاصية الجذب، فهو نموذج حضري مثالي، بأرصفته العريضة التي كانت إلى وقت قريب مفروشة بالحجارة الرمادية، وأشجاره الممتدة على طول الشارعين الرئيسيين، ناهيك عن منازله البيضاء المتشابهة، ذات القرميد الأحمر و الشرفات البارزة المزينة بزخارف و منحوتات جبسية تعود إلى القرن التاسع عشر.
يتميز الحي كذلك بتلك الأبواب الجميلة التي تطبع مداخل العمارات و المنازل و التي لا تغيب عنها اللمسة الفنية، إلا نادرا.
كما أن الحي يعد همزة وصل رئيسية بين عدد من الشوارع و الأحياء المتداخلة بوسط المدينة، و يعتبر نقطة عبور رئيسية إلى الجهة الغربية من المدينة، فخصوصيته تكمن كذلك في كونه أشبه بمتاهة لا تنتهي تفرعاتها، فعدد الشوارع و المنافذ التي تمتد من الشارعين الرئيسيين، كبير جدا ولا يكاد المتجول يتنقل لأكثر من عشرة أمتار في المنطقة، إلا ويجد لافتة زرقاء صغيرة تحمل اسما مختلفا لنهج أو شارع معين.
هذه هي قصة بناء الحي بعد انهيارات أرضية
قبل سنة 1859، لم يكن هناك حديث في مدينة قسنطينة عن حي اسمه « سان جان»، فالمنطقة كانت جزءا من الهضبة التي تعلو حي « سانت أنطوان»، وهو تجمع طمر بفعل الانهيارات الأرضية المتكررة، الناجمة عن حركة رمال كدية عاتي، التي اختفت كليا سنة 1887، مخلفة أرضية غير مستقرة، بقي جزء منها مرتفعا، ولا يزال إلى يومنا هذا يحمل نفس الاسم، أما المنحدر الذي تغطيه الأتربة، فقد تحول إلى حي أوروبي اختير له عند تأسيسه، اسم شارع فيكتور هيغو، قبل أن يتوسع ليضم شارعا ثانيا حمل اسم سيرجي فيليفاييكس، وهو رئيس بلدية شهير عرف في الفترة بين 1854 و 1864، و هكذا تحديدا نشأ حي سان جان الراقي الجميل، بمنازله المتلاصقة بشكل منظم و واجهات محلاته المتجاورة و قرميد مبانيه الأحمر.
السوق و تمثال «بياغل»و بيت الهدايا
يتمتع الحي بجمال شارعيه الرئيسيين لكن منازلهما بنيت بشكل غير متواز، نظر لانحدار المسار المزين بأشجار مصفوفة، و كذا أرصفته الواسعة التي تكفي لعدد معتبر من الطاولات و الكراسي، تماما كما نراه في الشوارع و الأحياء الأوروبية الراقية، على اعتبار أن هذا الحي كان منذ تأسيسه، مخصصا للمعمرين و لم يسكنه سوى القليل جدا من الجزائريين، وحتى بعد الاستقلال ظل المكان محافظا على صورته البورجوازية، بدليل أنه كان عنوانا في وقت سابق، للسفارتين الفرنسية والأمريكية، كما أكد عدد من أبنائه الذين قابلتهم النصر خلال جولتها .
عند مدخل شارع بلوزداد، غير بعيد عن المركز الثقافي الفرنسي، التقينا بكل من عبد الرحمان بلعيدي و فرحات رزاق و جمال دبشي و نور الدين صاف، فسألناهم عن طفولتهم في الحي و ما يحتفظون به من ذكريات الزمن الجميل، فأجمعوا أن أكثر ما كان يميزه هو الفضاء العمومي الذي كان يربط شارعي بلوزداد و بوجريو عند محيط تمثال «بياغل «، وهي منحوتة من الرصاص للمغامر والرحالة الفرنسي «فيرديناند بياغل «، فتلك الساحة، كما قالوا، كانت جميلة تزينها الورود و تتوفر على كراس مريحة كثيرا، كان يشغلها السكان في المساء، كما أن المنطقة عرفت أيضا بوجود كنيسة صغيرة تحولت في البداية إلى مكتبة، قبل أن تصبح ناديا للأساتذة.
أما أبرز حدث في الحي فكان السوق اليومية، التي تنشط ابتداء من الساعة السابعة صباحا، و تشغل جزءا هاما من الشارعين، قبل أن تتوقف عند منتصف النهار بشكل آلي و منظم، فتتدخل البلدية عندها لتنظيف المكان، و بحلول الواحدة بعد الظهر، يعود كل شيء إلى طبيعته.
ذكر محدثونا أيضا رواق عرض « ماشا» الخاص بالتجهيزات الكهرومنزلية، و محل « لوزيل» بيت الهدايا الأشهر في الشرق الجزائري، فالحي، كما قالوا، كان معروفا بنوعية أنشطته التجارية الموجهة لطبقة معينة من الناس،على اعتبار أن شوارعه، صممت لتكون صورة طبق الأصل عن شوارع أوروبا، لذلك فقد اشتهر بمحلات الهدايا و الحلويات و المخابز و المطاعم الراقية، على غرار مطعمي « غيوم تال» و « لو بيك فان»، كما كان الحي أيضا معروفا بكثرة محلات الجزارة و المشروبات الكحولية، أما أجمل ما كان يميزه، فهو الواجهات الراقية التي تزين مداخل المحلات والتي كانت أغلبها مصممة بشكل يتماشى مع عمارة البنايات كما ذكر المتحدثون.
اليوم تغزو تجارة الألبسة شوارع الحي، و لا تتميز عن محلاتها الكثيرة، سوى واجهتين زجاجيتين لمكتبتين هما نوميديا و مكتبة بلوزداد، أما باقي الأنشطة الأخرى فتتنوع بين الإطعام السريع و بيع الهواتف النقالة، بالمقابل يبقى سوق «الإخوة بطو»، من بين أهم المرافق التي ترتبط بالحي، خصوصا وأن الكثير من سكان المنطقة، لا يزالوا يحجون إليه بشكل يومي، رغم ترحيلهم أو رحيلهم من وسط المدينة، نحو علي منجلي و ماسينيسا وعين سمارة.
العنوان الإداري الأبرز
«سان جان»، مهم أيضا على الصعيد الإداري، لأنه عنوان لعدد من المؤسسات ذات الثقل، على غرار مديرية الصحة و القطب الجزائي المتخصص و مقر دائرة قسنطينة، كما توجد به عدة مؤسسات هامة، كمؤسسات الاتصال و بنك كناب و مؤسسة دعم و تشغيل الشباب « أونساج» و عدد كبير من مكاتب المحامين و الموثقين و الأطباء، خصوصا على مستوى شارع مسعود بوجريو، الذي يغلب الطابع الوظيفي على معظم مساكنه و عماراته.
سكان يرفضون الرحيل وحظائر على أنقاض بنايات
لا يزال الحي نشطا و مأهولا، خصوصا في الجهة العلوية لشارع بلوزداد، إلا أن مشكل الانزلاق يطرح بشكل كبير ومقلق، على مستوى منطقته السفلى و تحديدا بنهج بن سي حمدي إبراهيم «شارع شاربونو» سابقا، الذي صنف سنة 2018 في الخانة الحمراء و رحلت منه قرابة 130 عائلة نحو المدينة الجديدة علي منجلي، و رحلت 12 عائلة أخرى قبل ذلك بسنة، بعدما انهارت البناية التي كانت تقطنها.
ورغم أن مواطنين قبلوا بحل إعادة الإسكان مقابل تسوية الوضعية، على اعتبار أن نسبة كبيرة منهم يحوزون عقود ملكية شققهم، فإن عددا من سكان الحي يرفضون مغادرة منازلهم للعيش في المراقد، كما عبروا، فقد أخبرنا بعض من تحدثنا إليهم ، خلال تواجدنا في الحي، وتحديدا بشارع مسعود بوجريو، بأنهم لا يفكرون في ترك منازلهم، مطالبين السلطات بالسماح لهم بترميم المتضرر من أجزائها، وذلك بعدما منعت إجراء أي ترميمات أو تدخلات عمرانية في المنطقة، بعدما تم تصنيفها في خانة الانزلاق.
محدثونا قالوا، بأن هناك فرقا كبيرا بين العيش في وسط المدينة و امتلاك عقار خاص ، وبين الانتقال للعيش في مدينة جديدة تفتقر للكثير، طارحين إشكالا آخر يتعلق بقيمة العقارات في سان جان، فمعظم أصحاب المنازل في الشارع المذكور، يملكون المباني والوعاء العقاري الذي بنيت عليه ، لذلك فإن أي حديث عن الترحيل يستوجب تعويضات كبيرة، مؤكدين عدم وجود منازل معروضة للبيع في المنطقة، وأن القليل الذي بيع منها مؤخرا، حددت قيمته بين 400 إلى 600 مليون سنتيم. خلال جولتنا في المنطقة لاحظنا، بأن جل منازل الشارع السفلي كروش عبد الحميد آيلة للانهيار، كما أن غالبية الواجهات متضررة، أما المساحات التي تم تحريرها من الردوم و الأتربة، الناجمة عن انهيار المنازل القديمة، فقد حولها شباب من الحي، إلى حظائر لركن السيارات، بعدما قامت البلدية بتسوية الأرضيات و تعبيدها.
في المقابل، تنتشر الكلاب الضالة بشكل ملحوظ عبر كل الممرات و المسالك تقريبا، كما تعيق القمامة حركة الدخول إلى حديقة قسوم رمضان، الفضاء الأخضر الوحيد بالمنطقة ، الذي يستغله بعض المشردين و المنحرفين و تحرم منه العائلات.
هدى طابي