أطلقت وزارة الداخلية والجماعات المحلية و التهيئة العمرانية، أمس، بمعية قطاعات وزارية أخرى حملة وطنية لتحسيس المواطنين بالأثر الايجابي والدور الهام...
حدد بنك الجزائر، المبلغ الأقصى المسموح بإخراجه من العملة الأجنبية، من طرف المسافرين المقيمين وغير المقيمين، بما قيمته 7500 أورو، مرة واحدة في السنة...
وجهت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة صورية مولوجي تعليمات للمدراء الولائيين للقيام بخرجات ليلية عبر مختلف أنحاء الوطن، مع تجنيد الخلايا...
* نـظام المخـزن تحــالف مع القوى الاستعمــارية كشف عضو الحزب الوطني لجمهورية الريف، يوبا الغديوي، أمس السبت، أن تشكيلته السياسية ستتقدم قريبا إلى...
جنود فرنسيون عادوا للمكان واعترفوا بعجزهم أمام الثورة
برج بليهود.. حصن فرنسي عجز عن اقتناص المجاهدين بجبال الأوراس
يتواجد ببلدية تيغانمين وتحديدا بقرية بليهود في عمق الأوراس بولاية باتنة، حصن عبارة عن برج مراقبة وتفتيش شيدته فرنسا الاستعمارية سعيا منها لإخماد نار الثورة التي اشتعل لهيبها من الأوراس، ولا يزال هذا الحصن شاهدا على ما اصطدمت به أعتى قوة استعمارية آنذاك من بسالة وقوة للثورة التحريرية، وذلك بشهادات واعترافات جنودها الذين عادوا للمكان بعد الاستقلال مثلما يرويه لنا مبارك بن وادة ابن شهيد ومجاهدة خلال زيارتنا لبرج بليهود.
تنقلنا إلى قرية بليهود ببلدية تيغانمين التابعة إداريا لدائرة أريس، وهي إحدى معاقل الثورة النوفمبرية والزائر لقرية بليهود سيستوقفه حتما حصن مشيد بالحجارة في أعلى مرتفع القرية، وأثناء تواجدنا هناك أشار لنا مرافقنا مبارك بن وادة المعروف بتسمية قرين إلى اللافتة المدونة التي تبين بأن الحصن عبارة عن برج مراقبة وتفتيش تم تشييده سنة 1959 من طرف الاستعمار الفرنسي كمقر لوحدة القناصين المشاة التابعة للفيلق الرابع من أجل تضييق الخناق على الثورة التحريرية.
ويرى قرين الذي كان دليلنا بحكم درايته ومعرفته للمنطقة، أن تشييد البرج دليل على عجز الاستعمار الفرنسي على إخماد الثورة التحريرية التي اندلعت بالأوراس بعد مضي أربع سنوات، ويتيح البرج الذي دخلنا أبوابه رؤية سلاسل جبلية تحيط بوادي إغزر أملال والتي تشكل فاصلا بين هضاب الأوراس والصحراء ما يوحي باستراتيجية الموقع الذي اتخذه من جهة أخرى الثوار لضرب القوات الاستعمارية الفرنسية، ما جعلها تلجأ لتشييد البرج، ويضم هذا الحصن بالداخل غرفا للجنود إضافة إلى معبد مسيحي و مرش ومطبخ وغرف خاصة بالقيادات، وهذا مثلما أوضحه قرين، الذي التقى جنودا من بعثات فرنسية عادت لزيارة المكان في السنوات الأخيرة، مكنته من استرجاع صور تشكل أرشيف الإستعمار .
ويجمع قرين المهتم بتاريخ الأوراس وتاريخ قريته بليهود وقرى عرش أولاد عائشة على غرار تافرن وشير وتاغروت عمر، شهادات لجنود فرنسيين بينهم ملازم يدعى جاك جاردون، وهو عسكري كان ضمن الفيلق المتواجد ببرج القناصين ببليهود، وقد مكنه من خارطة للبرج ومما يجمعه قرين من شهادات أن الفرنسيين أنفسهم عجزوا آنذاك عن إخماد نار الثورة بالمنطقة، ويقول بأن أحدهم صرح له بأنه خلال الثورة كانوا يعلمون بأن كل السكان أفلانيين وأنهم على علم بصلتهم بالمجاهدين الثوار، ولكن ما كان منهم إلا أن يغمضوا أعينهم أحيانا.
وأشار لنا قرين إلى إعادته للاعتبار لبرج المراقبة رفقة رئيس بلدية أسبق علي جرادي، ويقول بأن غيرته على التاريخ جعلته يعمل على تحويله إلى متحف تاريخي، حيث وجدنا بأنه خصص صورا للمجاهدين ووثائق للاطلاع عليها بإمكانياته الخاصة وأطلعنا على صور قديمة للقرية ولجنود فرنسيين بمناطق عدة من الأوراس، تحصل عليها من خلال علاقاته الخاصة بالفرنسيين.
وأشار قرين أيضا، إلى توجه وفد فرنسي بينهم عسكريون سابقون مباشرة إلى والدته المجاهدة وطلبوا منها الاعتذار معترفين ببسالتها وشجاعتها إبان الثورة التحريرية، واستطرد قرين القول بأن من الجنود الفرنسيين من ذرف الدموع وراح يقبل رأس والدته.
يـاسين عبوبو
دعا إلى قراءة التاريخ الحقيقي للثورة
قوجيل يطالب بهيئة وطنية للذاكرة
طالب المجاهد صالح قوجيل, بضرورة إنشاء «هيئة وطنية للذاكرة تتكفل بالتحليل والتدقيق في الأحداث التاريخية إبان حرب التحرير، معتبرا أنه على أجيال اليوم «قراءة التاريخ الحقيقي للثورة ومعانيها».
وأوضح صالح قوجيل أمس على هامش ندوة بمجلس الأمة بمناسبة ذكرى اندلاع حرب التحرير أن هذه الهيئة يجب أن تضم كل القطاعات المعنية، سيما التربية والتعليم العالي، إضافة إلى صانعي الثورة, لتكون «قوة اقتراح للتدقيق في الأحداث التاريخية وتحليل انعكاساتها الايجابية والسلبية».
واعتبر المجاهد والعضو في مجلس الأمة ( الثلث الرئاسي) أنه بالرغم من المجهودات الكبيرة التي قامت بها وزارة المجاهدين للحفاظ على الذاكرة الوطنية وكتابة تاريخ الثورة التحريرية إلا أن هناك العديد من «الجوانب والأحداث التي تحتاج إلى تدقيق وتحليل وتوضيح لتلقين الأجيال القادمة التاريخ الحقيقي ومعناه».
وأضاف بهذا الخصوص أن هناك العديد من المسائل «التي ربما ليست حقيقية أو أسيئ فهمها» بخصوص حرب التحرير، معتبرا أن تاريخ الجزائر هو «ذاكرة الشعب الجزائري برمته» وليس من صلاحيات وزارة المجاهدين فقط.
وخلال مداخلته بالندوة التاريخية, تطرق المجاهد إلى الإرهاصات الأولى للفاتح نوفمبر1954 والأحداث التي سبقت اندلاع ثورة الجزائريين ضد «استعمار استيطاني حاول طمس الشعب الجزائري، واعتبر أن الفترة التي انتفض فيها الجزائريون ضد اعتق قوة استعمارية عرفت أيضا استقلال ليبيا (1951), اعتلاء الرئيس جمال عبد الناصر الحكم بمصر وإنهاء الحكم الملكي وكذا بداية الانتفاضة بكل من تونس والمغرب.
واعتبر أن هذه الانتفاضات هي «الربيع العربي الحقيقي» الذي أنهى الاستعمار واسترجع السيادة للشعوب العربية.
ومن أهم النقاط التي ركز عليها أيضا المجاهد صالح قوجيل هو نص نداء أول نوفمبر الذي لا يزال يحتاج «إلى تحليل عميق» حسبه، مشيرا في هذا السياق إلى أن مفجري ثورة الفاتح نوفمبر لم يكونوا جامعيين لكن متشبعين بأدبيات «الحركة الوطنية التي كانت مدرسة» كما قال.
ومن بين النقاط التي ركز عليها المجاهد أيضا المفاوضات التي أفضت إلى استقلال الجزائر، حيث قال أن الذين تفاوضوا مع فرنسا رفضوا منذ البداية أي وساطة بينهم وبين الطرف الفرنسي.
وأشار إلى أن الطرف الجزائري «رفض العديد من محاولات الوساطة» بينه وبين الطرف الفرنسي التي عرضها الرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة, الرئيس المصري جمال عبد الناصر وكذا الملك المغربي محمد الخامس، موضحا أن مبدأ « خيار الحل الجزائري واستقلالية القرار» حافظت عليه الجزائر إلى يومنا هذا.
ومن جانبها, استذكرت المجاهدة والعضو بمجلس الأمة ليلى الطيب في مداخلتها أهم المراحل من نضالها إبان حرب التحرير الذي بدأته وهي لم تتجاوز السن 17 سنة حين كانت طالبة بثانوية ستيفان قزال بوهران.
وكلفت المجاهدة, التي بدأت نشاطها بالمنطقة السادسة للولاية الخامسة التاريخية بتحرير وترجمة العديد من المناشير كما شاركت, تحت أوامر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كان آنذاك برتبة «نقيب», في عمليتين عسكريتين بالناحية الثالثة من المنطقة السابعة.
كما تطرقت إلى دور المرأة ومساهمتها وسط جيش التحرير الذي إضافة إلى مهمته الأساسية كان يتكفل, بمساعدة المجاهدات في علاج السكان وتعليمهم.
واج
قُبض عليها مع وزيرة الصحة السّابقة نفيسة حمود وريموند بيشار
لويز عطّوش ممرّضة الثورة التي حضرت مؤتمر الصومام وعالجت مئات المجاهدين
لم تكن المجاهدة لويز فاطمة عطوش المعروفة في مدينة العلمة باسم «لويزة الفرملية» تتوقع وهي في عامها الواحد والعشرين بأنها ستجد نفسها بعد أيام من التحاقها بالثورة كممرضة في مؤتمر الصومام التاريخي، كما صنعت بكفاحها ضد المستعمر مسارا متفردا تعرفت فيه على شخصيات ثورية كبيرة وعلى مجاهدات تميزن بعد الاستقلال، مثل نفيسة حمود وزيرة الصحة السابقة التي قبض عليها المستعمرون معها، ويمينة شراد والفنانة التشكيلية عائشة حداد.
النّصر التقت بالمُجاهدة في مقر جمعية عين تافتيكا الثقافية بمدينة العلمة، حيث تجاذبنا معها أطراف الحديث حول مسارها الثوري في الولاية الثالثة تحت قيادة العقيد عميروش وعن حياتها في مدينة العلمة منذ أن نفتها السلطات الاستعمارية إليها إلى غاية الاستقلال.
مُجاهدة من أمّ فرنسية ووالد جزائري
وولدت المجاهدة لويز فاطمة عطوش في باريس عام 1935، من والد جزائري وأم فرنسية، حيث عاشت طفولتها الأولى بين أزقة باريس إلى غاية سنة 1948 عندما قرر والدها الانتقال إلى منطقته الأم بسيدي عيش، مع زوجته وابنته لويز وابن ثان له. وقد أخبرتنا المجاهدة بأن طفولتها كانت جميلة رغم ما عانته خلال الحرب العالمية الثانية، بعد أن اضطر والدها إلى مغادرة المنزل وتركها مع والدتها عند اجتياح القوات الألمانية النازية لباريس، ولم يعد إلا بعد انقضاء الحرب. وتقول المجاهدة «إن باريس استحالت خرابا في تلك الفترة».
وبعد عودتها إلى الجزائر انتقلت إلى معهد التمريض بسطيف، ودرست فيه رفقة مجموعة من الفتيات القادمات من مناطق مختلفة لتتخرج مطلع الخمسينيات من المعهد بشهادة ممرضة، وتعود إلى منطقة سيدي عيش أين مارست مهنتها. وبعد فترة من اندلاع الثورة اتصل المجاهدون بوالدها وطلبوا منه أن يرسل ابنته لتعمل في صفوفهم كممرضة لمداواة الجرحى والمصابين. وقد وافقت لويز على الأمر وانتقلت مع شقيقها الأصغر إلى نقطة اتفقت على لقاء المجاهدين فيها، قبل أن يعود الطفل لوحده ويقوم بفرك عينيه بالبصل ليدعي البكاء أمام القوات الاستعمارية، بحجة أن مسلحين اختطفوا شقيقته.
مؤتمر الصومام المحطة الأولى
وأفادت لويز عطوش بأنها لم تكن عضوا فاعلا في مؤتمر الصومام، مشيرة إلى أنها وجدت نفسها في المؤتمر بعد حوالي عشرين يوما من التحاقها بجيش التحرير الوطني، والتقت بابنة عمها هناك، حيث قالت لنا إنهما حضرتا كعنصرين طبّيين في حال وقوع هجوم أو مشاكل طبية. وأكدت المجاهدة بأنها تحدثت مع قادة الثورة المشاركين لكن الأمر اقتصر على تبادل التحيات وبعض عبارات الترحيب، حيث ما تزال تتذكر العقيد عميروش وكريم بلقاسم.
وبعد مؤتمر الصّومام واصلت سيرها مع المجاهدين إلى غاية مرتفعات أكفادو، حيث عملت مع الثورة في ملاجئ المرضى من الثوار والمصابين في المعارك، كما أكدت بأنها كانت توفر الرعاية الطبية لسكان القرى الجبلية وتساعد النساء على الولادة وتقدم مع الطاقم الطبي للمنطقة التي كانت تنشط فيها، خدمات أخرى لفائدة السكان، لكنها نبهت بأن هذه الخدمات المقدمة للمدنيين الجزائريين قد تراجعت بعد الفترة الممتدة من 1956 إلى 1957 فقد اشتد الطوق العسكري الذي فرضته فرنسا على الثورة في الجبال، ما جعل التواصل مع سكان القرى أمرا في غاية الصعوبة، ولم يعد ممكنا تقديم الكثير من الخدمات الطبية لهم.
وتروي لويز عطوش بأنّ المجاهدين كانوا يعتمدون على إنشاء ملجأين للمصابين، حتى يتمكنوا من نقلهم من الأول إلى الثاني في حال اكتشاف قوات المستعمر لأحدهما، ويتمثل الملجأ في خيمة كبيرة، كانت تشرف عليها لويز لوحدها مع ممرض آخر، في حين قالت إن الدكتور مصطفى لاليام هو من كان المسؤول المباشر عنها وعلى جميع عناصر الطاقم الطبي في المنطقة الثالثة، كما أنه كان يقوم بجولات للمعاينة بين الحين والآخر.
اشتباك جبل فرستات يفشل عملية نقل مجاهدات إلى الحدود
أما عن يوم القبض عليها، فتروي لنا خالتي لويزة «الفرملية» مثلما يلقبها سكان العلمة إلى غاية اليوم، بأن العقيد عميروش قرر في سنة 1957 إرسال جميع النساء العاملات في الطاقم الطبي للثورة بالمنطقة الثالثة إلى تونس، حيث تقول «كنا حوالي ست فتيات شابات ورافقتنا مجموعة من المجاهدين من أجل نقلنا إلى غاية الحدود، لكننا لما وصلنا إلى الجبل المسمى تفرستات بمنطقة مجانة ببرج بوعريريج حاصرنا عساكر الاستعمار ووقع اشتباك معهم، ليقبض علي أنا وطبيبة الأطفال نفيسة حمود ابنة صاحب مصانع حمّود بوعلام للمشروبات الغازية، ومجاهدة فرنسية تدعى دانيال مين، ونُقلنا إلى غاية برج بوعريريج».
وقد أضافت المجاهدة وممرضة الثورة يمينة شراد في كتابها «ست سنوات في الجبل» شهادة عن لويز عطوش، زميلتها في مدرسة التمريض بسطيف، تقول فيها إنه قبض عليها في شهر نوفمبر من سنة 1957 عندما كانت ضمن وفد من ممرضي الثورة أرسلوا للتكوين في تونس تحت قيادة الطبيب مصطفى لاليام، حيث قبض عليها رفقة المجاهدتين اللتين ذكرتهما لنا لويز، بالإضافة إلى الفنانة التشكيلية عائشة حداد، وريموند بيشار التي أعدمت في نفس المكان مع رشيد بن الحسين، برصاصة في الرأس.
وتضيف خالتي لويزة إنها فُصلت عن رفيقتيها وأعيدت من طرف قوات المستعمرين إلى منطقة سيدي عيش، موقع منزلها العائلي والمنطقة التي عاشت فيها الجزء الثاني من طفولتها. وقد طلب منها عساكر فرنسا، بحسب ما روت لنا، أن تدلهم على من يساعدون الثورة وعلى الثوار الذين تعرفهم، لكنها تمسكت بالنفي دائما، وكانت تكتفي بالقول إنها لا تعرف شيئا سوى تقديم الحقن والعلاج للثوار في الجبل كما كانت تقول لهم «الفلاقة في الغابة وليسوا هنا». وأخبرتنا أيضا بأنها لم تتدرب قط على استعمال السلاح، حيث لم تكن تغادر ملجأ المصابين، رغم أنها حدثتنا بشيء من التحسر عن اضطرارها للتخلص من مسدس صغير ذو مقبض عاجي جميل، كانت تحمله معها يوم القبض عليها، حتى لا يجد العساكر قرينة إدانة ضدها.
صحفيان حاولا استدراجها لاستجواب مفخخ
واسترسلت خالتي لويز في الحديث عما وقع لها مع الجيش الاستعماري، حيث تقول أنها لم تتعرض للتعذيب من طرفهم، باستثناء حادثة واحدة في بجاية هددها فيها أحد الجنود من أبناء المعمرين بإطلاق كلب شرس عليها، قبل أن يوقفه رفاقه، كما روت لنا بأنّها اقتيدت إلى معسكر استعماري في منطقة «ثاوريث» ببجاية بعد أن سئموا منها في منطقة سيدي عيش، حيث أوضحت لنا بأن لقاءها معنا ذكرها بقائد هذا المعسكر الذي قام بدعوة صحفيّيْن من الجزائر العاصمة بدعوى إجراء حوار معها، ولم يكن في الحقيقة إلا استجوابا مفخخا.
وأوضحت محدثتنا بأن أول سؤال توجه به الصحفيان إليها كان «هل لديك شيء تريدين قوله يا آنسة؟»، فردت عليهما بأنه ليس لها ما تقوله أبدا، ما جعل النقيب الفرنسي المسؤول يستشيط غضبا كما أكدت لنا وهي تضحك من الحادثة، حيث قالت إنه ظل يكرر في وجهها بأنها أحرجته أمام الصحفيين وأفسدت الندوة الصحفية التي نظمها من أجلها.
وبعد مكوث لويز عطوش فترة في معسكر «ثاوريث» نقلت إلى مدينة سطيف للمحاكمة، حيث قضت عليها المحكمة بعقوبة ستة أشهر حبسا نافذا، قضتها في سجن سطيف، ليطلق سراحها بعد ذلك بست أشهر أخرى موقوفة التنفيذ، لكنها تفاجأت يوم خروجها من المؤسسة العقابية في عام 1958 بسيارة «جيب» عسكرية في انتظارها، حيث نقلت إلى العلمة، سانت آرنو سابقا، للعمل في مجال التمريض تحت رقابة الجيش الفرنسي، أين كانت تتوجه كل صباح إلى مكتب مسؤول الجيش بالمنطقة آنذاك لتسجيل حضورها في سجل.
وظلت المجاهدة تعمل لحوالي عامين مع الأطباء العسكريين الفرنسيين، حيث تقول إنهم كانوا يتنقلون مرة في كل أسبوع إلى القرى من أجل معالجة المدنيين، إلى أن تمكنت من الحصول على منصب عمل في مستشفى العلمة في عام 1960، لكن المجاهدين أعادوا ربط الاتصال بلويز فور تنقلها إلى العلمة، رغم أنها كانت تحت الرقابة، حيث قالت إن المستعمرين منحوها مركزا صغيرا كانت تقدم فيه الحقن للجزائريين وبعض العلاجات الأخرى، ما سمح لها بتخزين كميات من الأدوية وإرسالها للثوار في الجبال، عن طريق صاحب محل للحدادة من أبناء العلمة، كانت تتوجه إليه مرة في كل أسبوع مدعية بأنها تريد تصليح موقدها الصغير، الذي تخبئ تحته ما تستطيع تخزينه من الأدوية لفائدة المجاهدين.
رسالة كانت سببا في قتل والدها وشقيقها
ومن الصدف التي وقعت للويز خلال مسار الثورة، أن مسؤول الجيش بالمدينة اغتيل بعد أيام قليلة من وصولها إلى العلمة، ما جعل قوات الاستعمار تنتقم من السكان، حيث اقتادوا ما يقارب الخمسمائة شخص إلى ملعب وقاموا بقتلهم جميعا. وقد شهدت لويز جزءا مما وقع، أين كانت ترى الجزائريين في شهر أوت متروكين صفوفا تحت أشعة الشمس الحارقة، فكانت تزودهم بالمياه وتقوم بسكب دلاء على رؤوسهم، لكن الفرنسيين قاموا بإعدامهم جميعا بعد ذلك.
ولم تكتشف لويز عطوش إلا بعد مدة بأن مسؤول الجيش هو من قام باغتيال والدها وشقيقها انتقاما من التحاقها بالمجاهدين على مستوى سيدي عيش، حيث أوضحت لنا بأنها أرسلت إلى أبيها رسالة من الجبل، واكتشفها الفرنسيون بحوزته، فعاقبوه بشدة لأنه أخفى الحقيقة عليهم، حيث اقتادوه ضمن مجموعة مكونة من 67 شخصا من أبناء المنطقة إلى بئر وقاموا برميهم جميعا بداخلها، باستثناء شخصين نجيا من الحادثة وهما من قاما بسرد وقائعها، كما قتل نفس الملازم شقيقها الأصغر الذي لم يكن يتجاوز 16 سنة من العمر بحسب ما أكدته لنا بعد أن قبض عليه لمشاركته في إضراب الطلبة، ليضبط بعد ذلك في سيدي عيش حاملا جهاز اتصال فرُمي بالرصاص.
وقد أخفت لويز عن والدتها خبر التحاقها بالثورة، كما ألحت على والدها بإخفاء الأمر في الرسالة التي وجهتها له من الجبل، لأنها كانت تعاني من بعض الأمراض، لكن مقتل ابنها وزوجها، الذي كان يبلغ من العمر أربعين سنة، جعلاها تفقد عقلها تماما إلى غاية وفاتها منتصف السبعينيات بحسب محدثتنا التي قالت إنها جرائم ضد الإنسانية ارتكبها الاستعمار الفرنسي.
«كنت في مطلع العشرينات ولم أكن أخشى شيئا»
ويمكن وصف سيرة لويز الثورية بـ»مسار المحارب»، حيث تخبرنا في إجاباتها التي لا تتجاوز كثيرا حجم أسئلتنا ولا تنحوا أبدا إلى التقدير الزائد للذات بدارجة تنطق فيها الراء غينًا مثل الفرنسيين، بأنها كانت في مطلع العشرينات من العمر ولم تكن تخشى شيئا أو تكترث لعواقب مواجهتها للمستعمر، حيث أكدت بأنها لم تكن تؤمن بقناعات سياسية معينة قبل التحاقها بالثورة، لكنها كانت معادية للاستعمار. وقد تجنبت لويز الاشتباه فيها من طرف الجيش الفرنسي رغم أنها كانت تتعاون مع الثوار، كما أنها كانت تتحجج بالذهاب لمساعدة مريض ما عندما يضبطونها وهي تتجول خلال الفترة الليلية في المدينة، لكن ذلك لا ينفي حجم المخاطر الكبيرة التي كانت تواجهها.
وقد نجت في إحدى المرات من موت محقق، عندما كانت عائدة إلى منزلها بوسط مدينة العلمة، والواقع فوق مقهى يملكه ويرتاده فرنسيون، حيث التقت بأحد الجزائريين الذي كان يتعاون مع الثورة، وأخبرها بأن تسرع في الصعود إلى البيت ولا تستدير أبدا، لتفاجأ بمجرد دخولها إلى شقتها بدوي رصاص أسلحة المجاهدين الرشاشة وهي تحصد من كانوا في المقهى. وقد أثارت فيها الحادثة هلعا بحسب ما أوضحته لنا، لكنها ما زالت تتذكر إلى اليوم فضل المجاهد الذي أنقذها من موت كان سيكون محتما.
ونفت لويز أن تكون قد تعرضت إلى أي نوع من التمييز أو التصغير على أساس أنها كانت امرأة بين الرجال، أو بحجة أنها غير قادرة على مواجهة الاستعمار، بل تقول إنها كانت تقوم بالمهام الموكلة إليها بفاعلية، كما أنها تعاونت مع المجاهدين الرجال بدون أي مشاكل في التعامل. وقالت أيضا إنها أصبحت تتقن الأمازيغية خلال الفترة التي قضتها في منطقة سيدي عيش.
الفرنسيون أغلقوا معهد التمريض بسبب التحاق المتخرجات بالجبل
وحدثتنا نفس المجاهدة بأنها أعادت ربط الاتصال بمجموعة من رفيقاتها اللواتي صعدن الجبل خلال الثورة، حيث أكدت لنا بأن معهد التمريض تحول إلى خزان للمجاهدات ما جعل الفرنسيين يغلقونه، كما أشارت إلى أنها كانت ضمن دفعة من خمس فتيات من الجزائريات في المعهد، والتحقت أربع منهن بالثورة، على غرار مليكة قايد التي التحقت بالثورة في سنة 1954 ويمينة شراد وغيرهن.
وذكرت لنا لويز بأن رفيقتها في السلاح دانيال مين، من الفرنسيات المجاهدات، حيث تعرفت عليها في معهد التمريض، وهي ابنة سيدة فرنسية تزوجت من رجل جزائري، وقد كان والدتها وزوجها من واضعي القنابل خلال الثورة التحريرية في الجزائر العاصمة، لكن دانيال مين توفيت منذ سنوات. وقد أذرفت محدثتنا الدموع وهي تشير إلى كتاب رفيقتها يمينة شراد، حيث أخبرتنا بأن هذه السيدة عانت كثيرا وظلت في الجبل لست سنوات منذ عام 1956 إلى غاية الاستقلال.
وأشارت إلى رفيقتها أيضا، عائشة حداد التي أصبحت فنانة تشكيلية، حيث تقول إنها ظلت معها على تواصل أيضا بعد انقضاء الثورة، في حين تحدثت عن مجاهدين آخرين من أبناء العلمة، على غرار السعيد ساحلي، لكنها وجدت صعوبة في تذكر أسماء آخرين، فقد أكدت لنا بأن حياتها خلال الثورة كانت مليئة بالأحداث المختلفة وعرفت فيها العشرات من الأشخاص.
صــور مـؤلمــة لجرحى لا تــزال تطارد لويــز
وسألنا لويز عطوش عن حالات الإصابة التي أثرت فيها خلال نشاطها الثوري في الجبل، حيث لم تتذكر في البداية، فقد كانت تمر عليها عشرات الحالات لمجاهدين فقدوا أرجلهم أو أجزاء أخرى من أجسادهم تحت القصف، فضلا عن آخرين تعرضوا للاحتراق بسبب قنابل الـ»نابالم» التي كانت تستعملها فرنسا رغم حظرها دوليا، لكن محدثتنا تؤكد بأن أكثر حالة أثرت فيها كانت لطفل وجدته في الغابة وحيدا ومصابا بجرح قاتل في رقبته بسبب قصف بالطائرات، دون أن تتمكن من فعل شيء لأجله، فقد كانت لوحدها بعد أن أرسلت الممرض الثاني إلى ملجأ، كما لم تكن تحمل معها أدوات العلاج، ليستشهد الطفل بين يديها.
واستذكرت المجاهدة البالغة من العمر اليوم 83 سنة، أحداثا أخرى وقعت خلال فترة تواجدها مع مجاهدي الولاية الثالثة، حيث تقول إن مجموعة من الثوار توجهوا ذات يوم من أجل الاسترخاء قليلا ولعب كرة القدم، فمرت طائرة الاستطلاع وتمكنت من رصد موقعهم، ليتحضر المجاهدون لهجوم من الفرنسيين انطلق مع بداية الليل، وتمكن فيه الثوار من هزيمة جميع الفرنسيين وإسقاط مروحيات، رغم أن الملجأ الذي كانت تشرف عليه امتلأ في تلك الليلة بالمصابين.
لكن خالتي لويزة لم تشاهد أي أسرى من صفوف المستعمرين خلال تواجدها في الجبل، بحسب ما أكدته لنا، في حين روت لنا حادثة أخرى وقعت فيها مع مجموعة من المجاهدين في حصار داخل إحدى القرى بسبب وشاية بتواجدهم هناك، حيث تتذكر بأن الرصاص قد انهمر عليهم من كل جهة ووقع عدد من الجرحى. وقد أوضحت محدثتنا بأن الوشاة والحركى كانوا العدو الأول للثورة، ولولا المعلومات التي كانوا يوفرونها لما تمكنت قوات الاستعمار من تحديد مواقعهم والقبض عليهم، وقد قالت لنا أيضا أن شقيقها قتل بسبب أحد الخونة نصحه بالهرب في الاتجاه الخاطئ ليجد نفسه أمام العساكر الفرنسيين.
القدر الثوري يجعل «خالتي لويزة» من رموز العلمة
وواصلت لويز عطوش عملها في مستشفى العلمة منذ التحاقها به في سنة 1960، حيث تقول إنها كونت العشرات من الممرضين كما كانت من الذين افتتحوا مستشفى العلمة، ولم تتوقف عن العمل إلى غاية عام 1991 عندما تقاعدت. واكتسبت شهرة واسعة بين السكان، الذين كانوا يطلقون عليها اسمين مختلفين فمنهم من يعرفها بلقب «خالتي لويزة الفرملية» وآخرون يلقبونها بـ»لويزة الفرملية مولات البيسيكلات»، وتعني هذه العبارة «لويزة الممرضة صاحبة الدراجة الهوائية»، فقد كانت تتنقل عبر مختلف المنازل وإلى غاية القرى المجاورة بدراجة هوائية من أجل معالجة المرضى ومساعدة النساء على الولادة وغيرها من الأعمال التي كانت تقوم بها بشكل تطوعي، لكنها بعد أن تزوجت في سنة 1964 وصارت تملك سيارة أصبحت تتنقل إلى منازل أبناء المنطقة بالمركبة، كلما طلبوا نجدتها.
وقد ضحكت وهي تذكر لنا بأنها قدمت الحقن لجيلين على الأقل من أبناء مدينة العلمة، ومن هؤلاء من صار لهم أحفاد اليوم، على غرار أبنائها الخمسة وعشرين حفيدا لها، بالإضافة إلى حفيدين اثنين لأبنائها. في حين يحدثنا أبناء العلمة بأنها من رموز المدينة، حيث أوضح لنا مصطفى الأشرف بوقارش رئيس جمعية عين تافتيكا ومن التقينا بهم من أعضائها مثل عبد الكريم بشطوطي، بأنهم طالبوا رسميا بأن تحمل إحدى المؤسسات الاستشفائية بالعلمة اسمها، فهي العراب الحقيقي للممرضين في المدينة، كما أنهم ينتظرون من السلطات أن تطلق اسم محمد الأمين دباغين أو اسم عطوش لويز فاطمة كخيار ثانٍ على المستشفى الجديدِ لمدينة العلمة.وتلقت السيدة لويز عطوش وعودا بترميم منزل والدها الذي تحول إلى أنقاض في منطقة سيدي عيش من طرف الوالي السّابق لبجاية، الذي صار وزيرا للرياضة حاليا، لكن الأمر لم يتم إلى غاية اليوم، كما تقول أنها مرتبطة دائما بالمنطقة التي تنتمي إليها في بجاية وتفضل العيش في الجزائر رغم أنها قادرة على التنقل إلى فرنسا، لحيازتها لجميع الوثائق.من جهة أخرى، لم يقتصر ذكر لويز عطوش على ما ورد في شهادة المجاهدة وممرضة الثورة يمينة شراد، حيث ذكرها أيضا الكاتب والصحفي الفرنسي إيف كوريار في الجزء الثالث من كتابه حول الثورة الجزائرية «ساعة العقداء»، لكن ما كتبته المجاهدة يمينة شراد يبدو أكثر قربا من هذه السيدة، حيث قالت أنها التقت بها منذ سنوات عندما نظمت ثانوية مليكة قايد لقاء لتلاميذها القدامى، ووجدتها على صمتها الذي عرفتها عليه من قبل في معهد التمريض، وتكتفي بالتعبير عن نفسها من خلال عينيها، مثلما شاهدناه بأنفسنا في اللقاء الذي جمعنا بها.
سامـــي حبـاطــي/تصوير: الشريف قليب