أشرف وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري، أمس الثلاثاء، بجامعة الدكتور مولاي الطاهر لسعيدة، على إطلاق أول نظام جزائري لتشغيل الحواسيب...
دعا ممثل الجزائر الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة، عمار بن جامع، أول أمس الاثنين، مجلس الأمن إلى فرض احترام قراراته المتعلقة بالشرق الأوسط إذا ما أراد «استعادة...
سيحول مسار حركة السير للمركبات المتوجهة نحو الجزائر العاصمة انطلاقا من خميس الخشنة (بومرداس) و موزاية (البليدة) عبر الطريق السيار إلى داخل أروقة...
* تعيين رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي السعيد شنقريحة وزيرا منتدبا لدى وزير الدفاع * وزراء العدل، التربية ، الصناعة والاتصال أبرز المغادرين * تقسيم...
رهان على رفع تصاعدي للصادرات خارج المحروقات
تجاوز حجم الصادرات خارج المحروقات المحقق السنة الماضية 2021، عتبة 5 ملايير دولار، في سابقة على مستوى التجارة الخارجية، ليبقى الرهان للمرحلة القادمة هو الحفاظ على ديناميكية التصدير والإبقاء عليها في حالة ارتفاع وبشكل مستدام، سيما وأن الحكومة حددت سقف 7 ملايير دولار للسنة الجارية، وهو التحدي الذي يرى متعاملون وملاحظون بأنه ممكن، بالنظر للقدرات والمؤهلات التصديرية الكبيرة التي تتوفر عليها البلاد.
عبد الحكيم أسابع
ويعكس هذا، وجود إرادة حقيقية للدولة تمَّ التعبير عنها من قبل السلطات العمومية في أكثر من مناسبة، لإيجاد اقتصاد بديل والخروج التدريجي من التبعية للمحروقات من خلال تنويع النشاطات الاقتصادية والتجارية، وتحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي خلال السنة الجارية، بالاعتماد على القدرات الذاتية للبلاد من جهة، والتفتح، على التعاون مع كل الشركاء، على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، فضلا على الاضطلاع بدورها في استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة.
ولا شك أن النتيجة المذكورة قد تحققت بفضل مجموعة من الإجراءات التحفيزية التي تشمل على وجه الخصوص إنشاء أروقة خضراء مخصصة للصادرات ومزايا ضريبية وتسهيلات إدارية بالإضافة إلى تعزيز دور الدبلوماسية الاقتصادية في الترويج للمنتجات الجزائرية في الخارج، فضلا على تمكّن المتعاملين الاقتصاديين الناشطين في مجال الصادرات من تثمين جودة منتجاتهم والتعريف بها بفضل زيادة مشاركتهم في المعارض الإقليمية والقارية، بنوع من التميز.
ولقد شكلت «الإرادة السياسية»ما يمكن تسميته بـ «البنية التحتية»لذلك الإنجاز الاقتصادي، ولا تزال تمثل تلك الإرادة نقطة القوة التي تدعم طموح بلوغ 7 مليار دولار بنهاية 2022، سيما وأنه قد رافقتها «مقاربة واقعية و عملياتية» في تسيير الملفات التنموية العاجلة أو على المديين المتوسط والبعيد، مُعِدّة وفق الخصوصيات الاقتصادية، الاجتماعية للدولة بعيداً عن النظريات الأكاديمية والاستيراد الخام للتجارب الدولية.
مرتكزات القفزة التصديرية
وقد ترتب عن الإرادة السياسية، المعبر عنها من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال افتتاح «الندوة الوطنية حول الإنعاش الاقتصادي و الاجتماعي من أجل اقتصاد جديد»، عندما التزم بإنشاء أروقة خضراء لفائدة صادرات بعض المواد إلى جانب إعلانه عن استعداد الدولة للتنازل عن جزء وافر من العملة الصعبة التي يتحصل عليها المصدرون» والسعي لتحسين أوضاعهم مع وزارة المالية و مع إدارة الضرائب قصد مساعدتهم على أن يصبحوا مصدرا من مصادر تمويل البلاد من العملة الصعبة، إصدار عديد التشريعات التي ساهمت في تحقيق وتعزيز ذلك الإنجاز، أهمها: أ حزم الامتيازات الجبائية للتصدير خارج قطاع المحروقات التي سُنت منذ بداية العام 2021، والتي منها وعلى سبيل المثال لا الحصر المادة 4 من قانون المالية 2021 التي منحت عمليات تصدير السلع والخدمات غير النفطية، إعفاء دائما من الضريبة على الدخل الإجمالي، والمادة 39 منه التي أعفت الحلي التقليدية المصنوعة من الفضة من الرسم على القيمة المضافة عند تصديرها.
وهذه الامتيازات وغيرها وبقدر ما عزّزت المنحى التصاعدي لحجم الصادرات خارج المحروقات، سوف يسهم توسيع نطاقها في استدامته وتجاوز هدف 7 مليار دولار بنهاية العام 2022، على أمل أن يتحقق الطموح الذي عبر عنه الرئيس تبون خلال زيارته الأخيرة لدولة قطر، بالوصول إلى تحقيق 15 مليار دولار في السنوات المقبلة.
ولا شك أن إصدار بنك الجزائر للتعليمة 06- 2021 المؤرخة في 29 جوان 2021 والمتعلقة بفتح وسير حساب العملة الصعبة للمصدرين، والتي تسمح لمصدر السلع غير النفطية أو المنجمية بالحصول على 100 بالمائة من إيراداته بالعملة الصعبة، خاصةً منهم النشطين في مجال الخدمات الرقمية والشركات الناشئة، اعتبرت بالخطوة التاريخية.
ووفقا للمعطيات المتاحة، سيما منها ما تعلق بمحددات ذلك المنحى التصاعدي لحجم الصادرات خارج المحروقات، وعلى ضوء الملامح العامة للسياسة التنموية الراهنة في إطار برنامج الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي الذي تسعى الحكومة لتجسيده منذ صيف 2020، والتي تضع تحرير التجارة الخارجية من الصادرات النفطية ضمن أولوياتها، فإن بلوغ عتبة الـ 7 مليار دولار بنهاية العام 2022 نتيجة حتمية، وهو ما لم يستبعده رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين علي باي ناصري في حوار خص به النصر.
وفي هذا الصدد يرى الخبير الاقتصادي الدكتور نور الدين جوادي، أن قضية تنويع الصادرات خارج المحروقات ورفعها أصبحت انشغالا مؤسساتيا، بدء من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة، مرورا بالبنوك وإدارة الجمارك، وانتهاء بدور الدبلوماسية التي تحوّلت إلى مساعدة المتعاملين الاقتصاديين في الدخول إلى الأسواق الخارجية، خاصة الأفريقية منها.
وأرجع هذا التطور للصادرات الجزائرية خارج المحروقات، منذ مطلع العام الماضي 2021، إلى وجود إرادة سياسية دافعة نحو تحقيق هذا الهدف، تجسدت في حرص رئيس الجمهورية شخصيا على بلوغ عتبة 5 مليارات دولار خلال سنة 2021، فضلا عن الانخراط الإيجابي لباقي الجهات المتدخلة في سلسلة التصدير.
و يجدر التنويه هنا بالاحترافية التي أصبح يتمتع بها المصدرون الجزائريون في دخول الأسواق الخارجية، واعتماد الطرق التسويقية الحديثة، مع الاستفادة من اتفاقية التجارة الأفريقية الحرة، وما أتاحت من فرص للنفاذ للأسواق الأفريقية، وكذا بالتحسن الملاحظ في جودة المنتج الجزائري وقدرته على المنافسة في الأسواق الخارجية، من حيث السعر والنوعية.
ثلاثة إجراءات رئيسية لتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية
أولت الحكومة أهمية كبيرة لإعادة تفعيل دور الدبلوماسية الاقتصادية لتحقيق أهداف ذات أبعاد اقتصادية وتجارية، من خلال تجنيد كافة الطاقات الوطنية من أجل الترويج لصورة بلد مستقر سياسيًا وقادر على توفير مناخ أعمال مربح وجذاب، لما للدور الهام الذي تلعبه الدبلوماسية الاقتصادية في نمو الاقتصادي والنفوذ الإقليمي، ويتمثل الدور الدبلوماسي اقتصاديًا في استقطاب رؤوس الأموال الدولية وجلب استثمارات أجنبية، والتي تقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، إضافة إلى ذلك تستعى الدبلوماسية الاقتصادية إلى دعم وجود المنتجات والخدمات الوطنية في الأسواق الخارجية والبحث عن أسواق استهلاكية ضخمة.
ومن هذا المنطلق أطلقت وزارة الخارجية مجموعة من الإجراءات، للمساهمة بشكل ملموس في تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية،من أجل خلق واجهة للمتعامل الاقتصادي الجزائري بالخارج، على رأس هذه الإجراءات، إنشاء شبكة تفاعلية للمكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية لدى بعثات الجزائر الدبلوماسية والقنصلية حول العالم، بهدف دعم المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين في مجال التصدير والمتعاملين الأجانب للاستثمار في الجزائر.
وتتمثل هذه الإجراءات، في إنشاء مكتب للإعلام وترقية الاستثمارات والصادرات، وتكوين الدبلوماسيين المكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية على مستوى الممثليات الدبلوماسية الجزائرية في الخارج، وكذلك إنشاء قسم ويب في موقع وزارة الشؤون الخارجية مخصص للدبلوماسية الاقتصادية، في إطار تفعيل توصيات الندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي المنعقدة في شهر أوت 2020، تحت رئاسة الرئيس تبون، الرامية للإنعاش الاقتصادي وترقية الصادرات خارج المحروقات سعيا لبناء اقتصاد وطني متنوع يقوي الأمن الغذائي للجزائريين ويحصن الأمة من التبعية المفرطة لقطاع المحروقات.
الحديد و الأسمدة و المواد الكيميائية ركيزة الصادرات غير النفطية
في انتظار الكشف عن حصيلة الصادرات الخاصة بالأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2022، فإن الإحصائيات المتوفرة تشير إلى أن الأسمدة و المواد المعدنية و الكيميائية و الآزوتية و الحديد و الصلب، والإسمنت شكلت أهم الصادرات الوطنية خارج قطاع المحروقات السنة الماضية، بتسجيل نسبة نمو كبيرة جدا.
وفي هذا الصدد ذكر المدير العام للتجارة الخارجية بوزارة التجارة و ترقية الصادرات، خالد بوشلاغم، أن الأسمدة و المواد المعدنية و الكيميائية، ارتفعت بحوالي 70 بالمائة، إلى جانب صادرات الحديد و الصلب التي ارتفعت بنسبة 2000 بالمائة حيث تم تصدير 600 مليون دولار و في ذات السياق يتوقع مركب سيدار الحجار بولاية عنابة رفع حجم صادراته من المنتجات الحديدية المختلفة إلى 200 ألف طن خلال السنة الجارية و ذلك من أصل إنتاج إجمالي يتوقع أن يصل إلى 800 ألف طن من هذه المنتجات.
كما، أعلن مركب "توسيالي" للحديد والصلب بوهران الذي أقيم بشراكة جزائرية تركية، عن توقعاته ببلوغ رقم صادرات بـ 700 مليون دولار من مختلف المنتجات الحديدية خلال السنة الجارية على غرار حديد التسليح (البناء) واللفائف الحديدية.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن عضو إدارة مركب توسيالي "ألب توبسي أوغلو"، أن المصنع يتوقع نمو صادراته بـ 600 بالمائة في العام الجاري وستبلغ 700 مليون دولار.
كما تم تصدير مواد كيميائية غير عضوية (بارتفاع 200 بالمئة) و مصنوعات معدنية .
وفاقت كميات الإسمنت الجزائري المصدر بنهاية سنة 2021، ما يزيد عن 5 ملايين طن بعائدات مالية جاوزت 220 مليون دولار، في حصيلة غير نهائية.
من جهة أخرى وبعد أن اكتسحت منتوجاته الرفيعة السوق المحلية، وتصديرها إلى العديد من الدول العربية والإفريقية والأوروبية، وحتى الأمريكية، ظفر مجمع "إيريس" بتوقيع اتفاقية شراكة لترويج عجلاته المطاطية في بريطانيا، مؤخرا، علما أن منتوج هذا المجمع يسوق حاليا في 17 دولة.
كما شرعت المؤسسة الوطنية للأملاح الشهر الماضي في تصدير 9600 طن من الملح الموجه للدباغة نحو النيجر.
وشرعت من جهتها مؤسسة «نوفير»، فرع المجمع العمومي»اينافا « الشهر الماضي في عملية تصدير مليوني (2) وحدة من منتوج التغليف الزجاجي، الموجهة لسوق الصناعات الغذائية الزراعية.
فرص واعدة لتصدير التكنولوجيا والصناعات الكهربائية إلى غرب إفريقيا
من جهة أخرى أكد رئيس المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي والبيئي الأسبق رضا تير، في تصريح للصحافة، أن الجزائر بإمكانها اقتحام السوق الإفريقية بواحد مليار دولار من المنتجات والمعدات الكهربائية التي تعد منفذا للتصدير بامتياز.كما أكد متعاملون اقتصاديون عموميون وخواص، خلال لقاء متخصص تم عقده في مستغانم على توفر فرص واعدة بالجزائر لتصدير التكنولوجيا والصناعة الكهربائية الجزائرية لدول غرب إفريقيا، التي لا تتعدى نسبة التغطية بشبكة الكهرباء في بلدانها الـ 40 بالمائة.
وفيما توقع وزير الصناعة الصيدلانية، لطفي جمال بن با أحمد أن مصالحه تتوقع بلوغ صادرات بقيمة 50 مليون أورو من الأدوية والمواد الصيدلانية سنة 2022، فقد أشارت آخر الإحصائيات عن تصدير أزيد من 260 طن من "دقلة نور" نحو 3 دول أجنبية وهي بنغلاداش وماليزيا وإسبانيا، خلال الأشهر الأخيرة إلى جانب كميات متفاوتة من مختلف المنتوجات الفلاحية .
ومن أجل ترقية هذا النوع من الصادرات فقد أكد المشاركون في الندوة الوطنية حول تحديات تصدير المنتجات الفلاحية ، في شهر جانفي الماضي على ضرورة التوجه نحو الفلاحة التعاقدية المبنية على دفاتر شروط من أجل ضمان استدامة الصادرات في هذا المجال.
من جهة أخرى تمكن منتوج زيت الزيتون والعسل الجزائري، ومنتجات أخرى من المعلبات والمصبرات ومشتقات الحليب من اقتحام الأسواق العربية والدولية بنجاح شأنها في ذلك شأن الأجهزة الكهرومنزلية والإلكترونية التي ينتجها مجمع كوندور.وأكد المدير العام المساعد لكوندور محمد الصالح دعاس للنصر ، بأن المجمع حقق منذ بدء عمليات التصدير في 2017، نحو تونس وليبيا وموريتانيا السينيغال البينين الكونغو والكوت ديفوار وبلدان إفريقيا الغربية 80 مليون دولار.
وكانت شركة "بومار كومباني"، صاحبت علامة ستريم سيستام التي كانت أول مصدر للمنتجات الإلكترونية نحو أوروبا في 2007، قبل التوجه نحو الأسواق الإفريقية انطلاقا من الغابون وجنوب إفريقيا قد تمكنت من الحصول على شهادة الجودة " أيزو 9001".إلى ذلك يعمل المجمع العمومي للنقل البري للبضائع واللوجستيك "لوجيترانس" على الانخراط بقوة في مساعي السلطات العمومية الرامية إلى تعزيز الصادرات خارج المحروقات من خلال جملة من الإجراءات الرامية إلى مرافقة المتعاملين المصدرين نحو الأسواق الإفريقية بتجنيد حظيرة تفوق 3500 شاحنة نصف مقطورة، تساهم بفعالية في نقل السلع والبضائع نحو موريتانيا وبلدان الساحل الإفريقي. من جهة أخرى يُعوّل المصدرون على الخط البحري التجاري الرابط بين الجزائر وموريتانيا الذي دخل حيز الخدمة مؤخرا، للمساهمة في ترقية وزيادة حجم التبادلات التجارية بين البلدين من جهة وبين الجزائر وإفريقيا بصفة عامة.
رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين علي باي ناصري للنصر
يجب وضع استراتيجية لتوفير الإنتاج الفلاحي الموجه للتصدير
توقع رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين، علي باي ناصري، أن يتواصل نمو الصادرات الجزائرية خارج المحروقات خلال السنة الجارية 2022، ليحقق قفزة تاريخية أخرى بملامسة عتبة 6 ملايير دولار، بفضل الحركية المتواصلة لتصدير مختلف أنواع المنتجات الجزائرية، التي يزداد الطلب عليها سيما الإسمنت والحديد والأسمدة، ضف إلى ذلك وجود إرادة قوية لدى السلطات العمومية لترقية حركية التصدير وتقديم التسهيلات للمصدرين ومرافقتهم بصورة مستمرة.
حاوره: عبد الحكيم أسابع
وفي حوار خص به النصر، قال ناصري، إن خطوط النقل البرية والبحرية التي تم فتحها مؤخرا، والقواعد اللوجيستية، ستساهم بشكل محسوس في رفع الصادرات الوطنية نحو الدول الأفريقية، على وجه الخصوص وطالب في هذا الصدد السلطات العمومية بفتح مجال الاستثمار للمتعاملين في مجال التصدير خارج الوطن خاصة في الدول الإفريقية، وإعادة النظر في قانون القرض والنقد، لا سيما التعليمة رقم 06-2021 للبنك المتعلقة بكيفيات فتح وسير حساب العملة الصعبة.
النصر: كيف تقيّمون تجربة التصدير التي تخوضها المؤسسات الجزائرية خارج قطاع المحروقات؟
ع.ب.ناصــري: أعتقد أن الجزائر، وإن كانت في بداية المشوار فقد أخذت تشق طريقها بخطى واثقة في مجال التصدير خارج قطاع المحروقات، خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، خاصة وأن هذا الخيار بات يفرض نفسه على الجميع منذ بدء انخفاض عائدات النفط، من أجل بناء اقتصاد وطني جديد ومتنوع.
وإن كانت حركية التصدير قد بدأت تنتعش خلال سنتي 2018 و 2019 إلا أن قطاع الصادرات خارج المحروقات، قد عرف قفزة نوعية مابين سنتي 2020 و2021، حيث ارتفعت قيمتها من 2 مليار و300 مليون دولار إلى 5 ملايير دولار في 2021، ومن المتوقع أن يحقق نهاية العام الجاري 6 ملايير دولا، سيما في ظل وجود إرادة سياسية قوية و رؤية واضحة، للسلطات العمومية التي قررت اتخاذ حزمة من الإجراءات التحفيزية لفائدة المتعاملين في مجال التصدير.
وقد عبّر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة منذ توليه الحكم عن إرادة الدولة في الخروج تدريجيا من التبعية للمحروقات وذلك من خلال تنويع النشاطات الاقتصادية والتجارية من أجل بناء نموذج اقتصادي جديد يقوم على خلق القيمة المضافة. وقد حرص رئيس الدولة كل مرة على إبراز عزم السلطات العليا في البلاد على جعل الصادرات خارج المحروقات محركا حقيقيا لنمو الاقتصاد الوطني.
النصر: أنتم تتحدثون عن توقعات بتحقيق حجم صادرات غير نفطية بـ 6 ملايير دولار لكن سقف طموح السلطات العمومية أعلى وتتوقع بلوغ حجم الصادرات خارج قطاع المحروقات 7 ملايير دولار السنة الجارية خاصة بعد تعزيز شبكة النقل نحو بلدان الساحل و غرب إفريقيا، بخطوط برية وبحرية؟
ع.ب.ناصــري: نعم إن بلوغ هذا الرقم غير مستحيل ولكن في ظل القرار المتخذ بمنع تصدير الـمنتوجات واسعة الاستهلاك التي تستفيد أسعارها من دعم الدولة، كالسكر والعجائن والزيت و السميد ومشتقات القمح، وهو القرار الذي نؤيده، ‹›قد يحد من تحقيق هذا الطموح خاصة وأن قيمة تصدير هذه المواد كانت تقدر بـ 450 مليون دولار››.
وعطفا على ما أشرتم إليه أتوقع أن يرتفع حجم التبادلات التجارية مع الدول الإفريقية بفضل الخطوط البرية والبحرية التي تم فتحها مؤخرا، مع موريتانيا ودول أفريقية أخرى، وسيعطي ذلك دعما كبيرا للتصدير.
وحري بنا التأكيد على أهمية مشروع إنجاز الطريق البري الرابط بين مدينة تندوف ومدينة الزويرات الموريتانية والذي سيشكل بوابة كبرى نحو أسواق غرب إفريقيا، شأنه في ذلك شأن الطريق الدولي الرابط بين تمنراست والنيجر عبر عين قزام، والذي تضعه الجزائر ضمن أولوياتها الاقتصادية على الصعيد الإقليمي، إلى جانب الأهمية القصوى التي يكتسيها الخط البحري الرابط بين الجزائر وبلدان غرب إفريقيا في خلق حركية أكبر.
وبفضل هذه الحركية التي تشهدها التجارة الخارجية للجزائر وجميع القطاعات المتصلة بها، فمن المتوقع أن تواصل الصادرات خارج المحروقات منحاها التصاعدي لتصل 6 مليارات دولار في 2022، مقابل 5 مليارات في 2021.
النصر: فيم تتمثل أهم أنواع الصادرات الجزائرية غير النفطية، التي يعول عليها أكثـر في تحقيق مطمح تجاوز الحجم التاريخي المحقق السنة الماضيـة ؟
ع.ب.ناصــري: تشكل الأسمدة التي ينتجها مركب «سورفارت›› الذي يعتبر تمرة شراكة مع شركة أوراسكوم المصرية، وكذا الشركة الجزائرية العمانية للأسمدة ‹› آ.أو.آ›› وشركة ‹›فرتيال ‹› إحدى فروع مجمع سوناطراك، نسبة 75 بالمائة من الصادرات خارج المحروقات، متبوعة بصادرات الحديد و الصلب ثم صادرات الإسمنت التي يتزايد الطلب عليها هي الأخرى والسكر وزيت المائدة، والعجائن الغذائية ( قبل منعها من التصدير )، وزيت الزيتون، والعسل والمواد الصيدلانية، وكذا المواد الفلاحية، والعجلات والتجهيزات الإلكترونيكة والتجهيزات الكهرومنزلية، والعصائر والمصبّرات والكعك والبسكويت.
غير أن ثمة بعض المواد والمنتجات التي تصدرها الجزائر لا تتوفر على الحجم الكافي الذي يضمن الديمومة في الأسواق وبالكميات المطلوبة، بسبب عدم انتظام الإنتاج، لأن دخول الأسواق العالمية يجب أن يتم من خلال القوة المالية والإنتاج المنظم، على غرار بعض المنتوجات الفلاحية.
ويعد هذا هو السبب الذي حَرَمَ، الإنتاج الفلاحي الجزائري من دخول سوق ‹› رانجيس ‹› الدولي، الأكبر من نوعه للمنتجات الطازجة قرب باريس، لذلك فنحن مطالبون، بوضع استراتيجية، لضمان وفرة الإنتاج ووفق مقاييس الجودة المعمول بها دوليا لضمان الرواج الخارجي للمنتوج الوطني وهو ما يتطلب تقنين هذه العملية من خلال المسارعة إلى إعداد نموذج للعقود التي يتعين إبرامها مستقبلا بين الفلاحين والمتعاملين في قطاع التصدير بهدف بلوغ المهنية في هذا المجال، بما يمكننا من دخول سوق ‹›رانجيس›› سيما وأن لدينا جالية وطنية في فرنسا يناهز عددها الـ 6 ملايين نسمة، تثوق لاستهلاك الإنتاج الفلاحي الجزائري الطبيعي ( البيو) لتميزه بجودته.
وللإشارة فإن عدد المصدرين الجزائريين انتقل من 412 مصدّر في 2012، إلى 1200 مصدّر في 2020، ورغم ذلك نلاحظ أن 5 شركات فقط تسيطر على حوالي 75 بالمائة من حجم الصادرات خارج المحروقات، كما يسيطر 17 بالمائة من المتعاملين في هذا الميدان، على نسبة 9 بالمائة، فيما لا تمثل حوالي 700 شركة سوى 1 بالمائة من الصادرات خارج المحروقات.
النصر: وهل تتوفر الجزائر على القدرات والمؤهلات التي تمكنها من التحول إلى قوة اقتصادية في مجال الصادرات غير النفطية، بما يجعلها تتخلص فعلا من التبعية المفرطة لإيرادات المحروقات ؟
ع.ب.ناصــري: نعم، بإمكان بلادنا أن تتحول إلى قوة اقتصادية تحوز على حصص معتبرة في الأسواق العالمية من خلال تطوير مختلف قطاعات الإنتاج وتنويعها، لأنها تتوفر على طاقات بشرية كبيرة ومؤهلات معتبرة، كفيلة بتحقيق نسبة إدماج أكبر في المجال الصناعي، إلى جانب تحقيق قفزة عملاقة في مجال الإنتاج الفلاحي، لوجود أقطاب زراعية بامتياز، في صحرائنا الشاسعة وفي مناطق مختلفة من شمال الوطن، تتميز بإنتاج البواكير ذات المردود العالي والقيمة الإضافية العالية.
وكمثال فإن لدينا أحد أنجح النماذج الاستثمارية في المجال الزراعي في الصحراء ويتعلق الأمر بمجمع طهراوي بولاية بسكرة، أين يحوز على مستثمرة فلاحية عصرية كبرى لإنتاج مختلف أنواع الخضر والفواكه وفق المعايير الدولية موجهة خصيصا للتصدير، ما جعله يخطو كل يوم خطوة نحو تحقيق نجاحات وإنجازات كثيرة يرصع بها سجلا حافلا منذ سنوات بالتحديات والتفوق، من خلال تواجده الناجح في الأسواق الدولية.
وبغض النظر عن حجم الصادرات الفلاحية الجزائرية الحالية، فمن المؤكد أن القدرات والمؤهلات المتوفرة لدينا في هذا المجال وخاصة في البواكير التي يزداد الطلب العالمي عليها، تدعونا للتوجه نحو وضع استراتيجية تعتمد على تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي الموجه للتصدير، حتى تكون لنا القدرة على اقتحام الأسواق الأوروبية التي تتميز بقوة شرائية كبيرة وجالية تثوق للمنتوج الفلاحي الطبيعي القادم من بلادها، فضلا عن الأسواق الإفريقية الواعدة وحتى الأسياوية.
النصر: وماذا عـن صادرات الأجهزةالكهرو منزلية؟
ع.ب.ناصــري: ازدهار سوق المواد الكهرومنزلية الموجهة للتصدير كفيل برفع نسبة الإدماج، ولكن لا مانع من وجود مصانع للتركيب الموجهة لإشباع حاجة السوق المحلية وتوجيه الفائض للتصدير على غرار ما هو معمول به في العديد من بلدان العالم أين تجد أسواقا حرة لتصدير مختلف هذه الأنواع من الإنتاج رغم أنها لا تتم صناعتها محليا. ولنا تجارب ناجحة في هذا الصدد تمكن من تحقيقها كل من مجمع إيريس والشركة الجزائرية للهاتف النقال وأجهزة البلازما ‹› بومار كومباني ‹›، الحاملة للعلامة التجارية ستريم سيستام، التي تمكنت من غزو أسواق أوروبية وغيرها.
النصر: إلى أي مدى وصل مستوى مطابقة الإنتاج الجزائري الموجه للتصدير لمعايير الجودة العالية؟
ع.ب.ناصــري: الإنتاج الجزائري لمختلف القطاعات حقق قفزة نوعية في مجال الجودة وفق المعايير الدولية خلال السنوات الأخيرة، فقطاع السيراميك في الجزائر مثلا توصل إلى تحقيق جودة عالية ورغم ذلك فإنه لا يجد طريقه للتصدير، وقد يكون الأمر متعلقا بمشكل التنافسية ولا بد من التعريف بهذا المنتوج والترويج له أكثر في الأسواق الإفريقية، أما المنتوج الجزائري من الأسمدة والإسمنت والحديد، فتصديره يتم بقوة.
كما يتطلب هذا التوجه ضرورة أن تلعب الدبلوماسية الاقتصادية دورا أكبر، للتعريف بالمنتوج الجزائري ومن بينه الإنتاج الصيدلاني، لمطابقته للمعايير الدولية، لأن العمل الدبلوماسي في المجال الاقتصادي وحده كفيل بكسر شوكة لوبيات الأسواق الدولية في المجال الدوائي وغيره، حتى نضمن تواجدا مكثفا في الأسواق الخارجية.
النصر: وكيف تقيّمون التسهيلات التي أقرتها الحكومة لفائدة المصدرين؟
ع.ب.ناصــري: الحكومة قدمت العديد من التسهيلات للمصدرين سيما في مجال الإعفاءات الضريبية، وأيضا في مجال النقل ولكننا لا نزال نتوق لرفع بعض العراقيل التي يمكن أن تكون سببا في عزوف الكثير من المصدرين ممارسة هذا النشاط.
النصر: وما هي طبيعة هذه العراقيل ؟
ع.ب.ناصــري: يُعد قانون القرض والنقد من أكبر المعوقات التي تعرقل المتعاملين في مجال التصدير، لأنه لا يتماشى مع تطلعاتهم لذلك نطالب بمراجعة هذا القانون، وخاصة تعليمة البنك المركزي رقم 06-2021 التي تنص على تخصيص نسبة 80 بالمائة من عائدات التصدير لشراء المواد الأولية والاحتفاظ بـ 20 بالمائة من قيمة العملة الصعبة المحصلة إثر كل عملية تصدير، ولكنها تشترط أن يتم تبرير صرف هذه القيمة بالفواتير.
والمفروض أن تمنح للمصدرين حرية التصرف في هذه النسبة واستثمارها في الخارج، كفتح فروع لشركاتهم أو إنشاء شبكات توزيع، في الخارج إذ نرى أنه من غير المقبول ألا تتمكن أي شركة متخصصة في التصدير من فتح مكاتب وفروع لها في البلدان التي تطمح إلى البيع في أسواقها.
وفي هذا الصدد فقد قدمنا للحكومة ضمن مقترحاتنا لرفع العراقيل التي تواجه المصدرين، منح المصدرين حرية التصرف في نسبة 50 بالمائة من القيمة المضافة المحققة خلال التصدير والسماح لهم باستثمارها خارج أرض الوطن، كما اقترحنا فتح قواعد لوجيستية خاصة بالتصدير على الحدود بكامل التجهيزات، في كل من تندوف وعين قزام والطالب العربي والدبداب ، وفتح مكاتب للبنوك الجزائرية في الخارج لتسهيل حركة رؤوس الأموال.ومن بين أهم ما يعانيه أيضا المصدّرون، النقص الكبير في مخابر تحاليل مراقبة النوعية والجودة، التي تمنح شهادات المطابقة التي تثبت سلامة أي منتج، أو مادة أو أيّ مستحضر، وخلوه من البكتيريا والمواد الضارة، بما يسمح باستغلاله، واستعماله أو استهلاكه، وهو ما يضطر الكثيرين منهم لإجراء التحاليل المطلوبة في الخارج.
كما نطمح إلى تنسيق جهود المصدرين مستقبلا من أجل خلق شبكات التوزيع في الدول الإفريقية، أين يحظى المنتوج الوطني الجزائري بقبول كبير في أسواقها.
ع.أ